الرئيسية / ثقافة وأدب
حارس السكن كان يوماً ثائراً
تاريخ النشر: الجمعة 28/03/2014 21:13
حارس السكن كان يوماً ثائراً
حارس السكن كان يوماً ثائراً

 وفاء ابعيرات

لا يندر في وطني أن أجد  في كل شخصيةٍ حكاية، فوطني تجرع الأمريّن وما زال في شخصيتي كل العنفوان كل الروعة وكل الصبر والتجلد، معاناة شعب، بسمة حلم تغشاه الإرادة، هنا شخصية حملت كثيرٌ من المعاناة  تمثلت بشخص حمل الأعباء الكثيرة هنا  شخصيةٌ ترسم و تحكي معاناة شعب، تحلت فيها البسمة التي تحمل حلماً مع إرادة، و الذي قد تتحول إلى عنفٍ ناتج عن كبتٍ، كثير من الهموم عاشت مع هذه الشخصية رغم الهدوء الظاهر على تقاسيم الوجه نعم بداخلها ثورة و بداخله عنفوان و في عيونها تطلعاتٌ حالمةٌ باستقرارٍ و سلام، و لكن كيف وهو تعبأ  بندقيتها بالرصاص و إلى من ستوجه فوهة البندقية ؟

يدهشك هدوء أشخاص عندما تتحاور معهم وتجد أن البندقية المضرجة بالدماء شهدت على كل وجبة أكلها الشخص الهادئ ذي الطباع الودودة.

حسن الحلبي من قرية التياسير/ طوباس  حل هديةً لوطنه في عام 1985م، عاش مع والده الفلاح تسع سنواتٍ في رحم الوطن ثم غادر قصراً مع عائلتهِ إلى الأردن، بسبب حرب حزيران 1967م، وأكمل دراسته الابتدائية، و الإعدادية  والثانوية في مخيمات الشتات في الأردن، التحق والده بحركة فتح عام 1968 م، و الذي ساهم بشكل مباشر بإيقاد شعلة الثورة بداخل ولده ، أما عن أخيه الأكبر فقد التحق بالجيش العربي الأردني و كان موقعة في عجلون مقابل موقع والده ، وفي عام 1970م بدأت أحداث أيلول فاحتار والده كيف يتعامل مع هذه الاحداث وولده مقابله في جهة الأعداء و انتهت الأحداث بوفاة الوالد قهراً.

كيف سيحكي قصصاً أكل الدهر عليها وشرب؟

يقول وهو جالس في بقالته لقد تفتحت عيوني منذ الطفولة على نواقص كثيرة يحلم بها كل طفل فلم أشعر يوماً بطعم الطفولة، بدأت بالفقر ثم النزوح عن الوطن عام 1967م، ومن ثم عادت عذابات الأخوة الأعداء، ففي مخيمات الشتات كان النقص في كل شيء في الماء، و الغذاء، و البطالة و محاصرة الأنظمة بأساسيات الحياة و كتم الأفواه.

هذا ما خلق ثورةً داخل الحلبي و بدأ يبحث عن طريقة لنيل الحرية، و ما زاد ثورته هي أحداث أيلول عام 1970م ، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل المخابرات الأردنية ووضع الإقامة الجبرية عليه بتهمة انتماء والده لحركة فتح، بعد ذلك هجر الحلبي مقعده الدراسي ليلتحق بصفوف منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان إثر قيام مجموعة فدائية بقيادة دلال المغربي، أصر بعدها الحلبي أن يكون موقعه مكان شهداء عملية دلال المغربي فالتحق بكتيبة طلابية (الجرمق) ومارس عمله الفدائي في منطقة جنوب لبنان.

و بعد صمت و بيده سيجارة نفث دخانها و الألم ظاهرُ بحركة شفتيه، و صوته المتهدج قائلاً لن يذهب دم الشهداء هدراً.

الاجتياح الاسرائيلي الثاني

بدأ الإجتياح الإسرائيلي الثاني و الحلبي ما زال في موقعه في قلعة شقيف جنوب لبنان، حيث سقط الكثير من زملائه أمام ناظريه، ولكن القدر أسعفه بالخروج من نفق القلعة التي تهدمت إثر قصف الطيران الإسرائيلي لها.

و يتابع الحلبي قوله "لقد عدت إلى الأردن وتم اعتقالي للمرة الثانية  على التوالي من قبل المخابرات الأردنية عام 1982م ، والحكم عليّ بثلاثة تهم و هي : الانتماء لجمعيات غير مشروعة، ودخول البلاد بشكل غير قانوني، والفرار من خدمة العسكرية، وكانت مدة الحكم ثلاث سنوات أمضيتها في السجون الأردنية، و بعد خروجي من السجن تم وضع الإقامة الجبرية مرة أخرى و مصادرة جواز السفر".

 و في عام 1985 بدأت أحداث جامعة اليرموك التي أودت بحياة 8 طلاب، وكان الحلبي يلقي بقصيدة شعرية بمناسبة وطنية قامت بها الجامعة، فشعرت الأجهزة الأمنية أن القصيدة فيها نوع من التحريض ضد النظام، فبداً البحث عن الحلبي و قد أحس بخطر يلاحق حياته فغادر متسللاً عبر الحدود السورية إلى لبنان مرةً أخرى ليلتحق بالنضال المسلح (حركة فتح ).

بعد ذلك استشهد علي أبو طوق قائد منطقة بيروت، و كان معلماً وفياً و مقرباً جداً لقلب الحلبي فرثاه بقصيدة أدبت قلوب المستمعين و بعد إلقاءه لقصيدته ناداه أحد الأشخاص و قال له نحن بصدد افتتاح محطة إذاعية و سيكون افتتاح المحطة بصوتك أنت فوافق الحلبي دون تردد،  فكان يهدف إلى توصيل صوته إلى الأحبة داخل الوطن.

من هنا بدأت رحلته النضالية الأخرى بالصوت و القلم عبر إذاعة صوت فلسطين مقدماً لبرنامج التعليق السياسي، و الأخبار، وبلادنا فلسطين، وأشعار من بلدي، واستمر عمله بالإذاعة لمدة ثلاث سنوات، فقام الطيران الإسرائيلي بإطلاق سبع عشرة غارة جوية على الإذاعة أدت إلى وقف البث الإذاعي، وبداً الحلبي العمل بإذاعة متحركة من خلال سيارة استمر البث لمدة سنة، و بعدها توقف بسبب العجز المالي و عمل بعدها بإقليم لبنان و كان محرراً في جريدة القدس.

بعد ذلك حصلت فوضى عارمة اجتاحت المنطقة، و ذلك بعد تدخل الجيش اللبناني في الأحداث فوصل أمر رئاسي إلى الساحة اللبنانية بتسليم الأسلحة الثقيلة و المتوسطة إلى الجيش اللبناني فأحس الحلبي بأن هناك عملية إذلال سيقوم بها الجيش، فكبريائه لن يسمع له بأن يبقى على هذا الوضع فغادر لبنان إلى الأردن مشياً على الأقدام تاركاً زوجته و أولاده متخطياً الحواجز و هو لا يحمل أي ورقة أو هوية تدل هلى شخصيته .

ويضيف الحلبي بأنه بدأ يطالب بلم شمل و استجاب القدر لذلك بعد معاناة طويلة، هنا انتهت رحلة العذاب بحصوله على الهوية الفلسطينية بموجب اتفاق اوسلو  بين الجانب الاسرائيلي و الجانب الفلسطيني عام 1994م.

 عاد إلى أرض الوطن والتحق بأجهزة السلطة الفلسطينية و قد عمل مفوضاً سياسياً في الشرطة و الأمن الوطني في نابلس.

ولكن ما زالت عذابات اللجوء تلاحقه في أرض الوطن حيث أنه لا يملك منزلاً و راتبه لا يكفي لتغطية متطلبات الحياة، ففي عام 2008م حصل على تقاعد و بدأ يبحث عن عمل، فعمل حارساً لمساكن الطلاب حيث أنه يعتبر أن الطلاب ما زالوا أمانة في عنقه، لم يكن حارساً فقط بل مارس فكره الثقافي في تعبئة الطلاب وطنياً حيث أنهم هم عماد الدولة القادمة كما يقول.

أبى إلا أن يتوّج القصة بكلماتِ يهواها فأنشد:

هذه فلسطينٌ و هذا القلب مفتاح

أني محبُ و بعدٌ الحب فواحُ

أنا اليعربييّ لو تعرفوا نسبي

فلسطين أمي و أبي للأرض فلاحٌ

اكتبوا عني أملوا جريدتكم

في البر سبعٌ كما في البحر سباحٌ

عالجت يوماُ بعض من عشقوا

و ما لجرحي إذا ما أصبت جراحٌ

هنا جدي هنا علمي هنا لغتي

عشقت الأرض فهل للعشق إيضاحٌ

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017