الرئيسية / الأخبار / فلسطين
أم الشهيد الرضيع..رهام: معلمةٌ لن تشهد اليوم الأول في المدرسة
تاريخ النشر: الأحد 16/08/2015 21:01
 أم الشهيد الرضيع..رهام: معلمةٌ لن تشهد اليوم الأول في المدرسة
أم الشهيد الرضيع..رهام: معلمةٌ لن تشهد اليوم الأول في المدرسة

إعداد: حياة أنور دوابشة

هيا أفيقي، سأبقى أناديك،  فالمدرسة تنتظر منك حلوى العيد، ومكتبك هناك حزينٌ يبحث عنك، الطالبات متشوقات لعام جديد معك، قُرع الجرس... رهام لم تحضر، هي كلمات خطتها معلمة اللغة العربية في قرية قصرة مريم دوابشة تناجي بها رهام.

 

لا زالت مريم وكثيرٌ من جموع نساء القرية، من معلماتٍ وطالباتٍ، وربّات بيوت، يذكرن رهام دوابشة بدعوة بين كل جملة يروينها عنها، عن طيب خلقها، عن ابتسامة لا تفارق ذلك الوجه الجميل، عن أحلامٍ بسيطة عليهم عصية عليها، أمٌ تشتم رائحة علي الصغير وتهرب منه خلسة إلى المدرسة، تبقي معه غطاءً معطراً برائحتها، يشتمه فيهون عليه الفراق حتى إذا عادت أمه الحنون لتحتضنه صوب البيت الوادع ألقى بنفسه على الأرض عتاباً لفراقها الطويل، أمٌ ستبقى في ذاكرتها ولعة وبقية من عتابٍ لشعب لم ينتقم لدماء رضيعها بالصورة التي ترضيها.

 

معلمةٌ لم تأل طالباتها جهداً في السؤال عنها، بين كل كلمة تخط على مواقع التواصل الاجتماعي عن رهام الطيبة، ترى طالبة من مدرسة جوريش حيث تدرس رهام تكتب دعوة من شغاف قلب يحترق على معلمة لن تكون بينهن في بداية هذا العام الدراسي.

 

هي رهام، ليست مجرد قصة وليست مجرد أم ولن تكون مجرد معلمة، هي قبل ذلك إنسانة يقترن ذكرها بالخير في كنفات أحاديث أهالي القرية، معلمة تدرِّس مادة الرياضيات في مدرسة جوريش الثانوية للبنات، مضى على التحاقها بركب الأمانة التعليمية خمس سنين بدأتها من مدرسة دوما الأساسية لمدة سنة فقط، ثم انتقلت بعدها لقرية قصرة وبقيت هناك سنة، حتى استقرت رحلتها التعليمية في قرية جوريش وستكون قد قضت هناك لغاية يوم المحرقة البشعة ثلاث سنوات.

 

علا نضال دوابشة معلمة (32 عاماً) تستقل مقعداً مجاوراً لرهام منذ ثلاث سنين في سيارة لا تريد أن تقلها هذا العام الدراسي خوفاً من أمواج الذاكرة التي ستتدفق عليها تباعاً، تروي علا" كانت تأتي كل يوم لبيت عمتي تبقي لديها علياً الصغير أمانة لغاية انتهاء اليوم الدراسي، نتسامر حتى تأتي تلك السيارة التي ستقلنا، نشرب القهوة وتخبرنا رهام الرائعة عن أحلامٍ كثيرة، عن بيت تأمل أن يكتمل بناؤه، عن ديونٍ ترغب وزوجها في تغطيتها، عن سيارة ترغب في اقتنائها بعد أن حصلت على رخصة السياقة أخيراً، عن مناطق تود لو تزورها يوماً، عن أمورٍ بسيطة لكثيرين... كبيرة عندها".

 

رهام كما تصفها رفيقة الدرب علا..إنسانة وادعة اجتماعية ما تلبث أن تحل على مكان حتى اعتادها مالكوه، تضحك في كل حين، تثق بالجميع، كل من عرفها حتى ولو لمدة يومٍ واحد اتصل يسأل عنها ذاك اليوم الكئيب.

 

تستذكر علا عشرة أيام قضتها رهام في مدرسة قصرة، عشرة أيام فقط، ويوم المحرقة كانت هذه العشرة أيام بمثابة عشر سنين، الكل اتصل بعلا يسأل عن رهام وعائلتها، الكل دون استثناء، فكيف لا يفعلون على حد قول علا ورهام تثري قلب كل من يلاقيها، تعتبر الجميع جزءاً من حياتها.

 

لم تستطع علا وعمتها التي استضافت علياً لديها سنة إلا وان تستذكر علوش الصغير، تشير صوب الأماكن التي كان يحب قضاء وقته فيها، صوب قوس من الطوب ذو لونٍ ذهبي كان يقف علي يرقب عودة أم لن تراه بعد اليوم.

 

أنسام عواد طالبة جامعية ساعدتها رهام في تخطي سنة الثانوية العامة ولم تترك أحداً إلا وسألته عن معلمتها، تصف أنسام معلمتها قائلة: كانت من أجمل الحصص حصة الرياضيات لأن معلمتي رهام هي من كانت تلقيها، دائماً مبتسمة، تعتبرنا أخواتٍ لا طالبات، تشاركنا فرحتها، وأذكر يوم كانت متلهفة لترينا صورة ابنها الصغير علوش وتقول أنه يكره التصوير".

 

تسترسل أنسام "أذكر آخر لقاءٍ بها في حفل معلمين أقيم في جوريش، عرفتني من بعيد وألقت علي السلام، وسألتني عن أحوالي وأين وصل بي مركب التعليم، وماذا درست" تلهمك لهفة أنسام عندما تتحدث عن معلمة ربما لن تراها مجدداً، يؤلمك ذلك.

 

مديرة مدرسة جوريش الثانوية أحلام المصري علقت على ما ألم برهام من جراحٍ قائلة: "منذ أن عرفتها وهي مثال للمعلمة الرائعة المنتمية المخلصة العطوفة المنظمة، ضحتكها تخفف عن الطالبات عبء المادة وإخلاصها لا مثيل له وجودها وأثرها يملأ المكان فرحة، عرفناها أختاً وصديقةً ومعلمة متميزة، وأماً حنونة، ماذا أقول لك الآن ونحن بحاجه إليك بيننا".

 

رهام ما تزال ترقد في العناية المكثفة في مستشفى تل هشومير هي وطفلها احمد ذو الأربع سنوات، لن تكون حاضرة يوم بدء العام الدراسي، لن تحمل علياً صوب الحضانة، ولن تحضر أحمد استعداداً للروضة، رهام ستكون غائبة حاضرة في عقول كثيرين.

 

 "عزيزتي استيقظي" هي كلمات أنهت مريم بها حوار البداية تنادي بها رهام وتخاطبها كما لو كانت حاضرة، وتزيد من جرعة الحنين وتقول: "أما زلت تحلمين! ها قد انتهت العطلة وحان الدوام، ألن تجهزي أحمد ليومه الأول في بناء المستقبل، لطالما حلمتما بهذا اليوم، وحقيبته الزرقاء على ظهره، كالعصفور فرحاً يلعب مع أبنائنا في الروضة، أفيقي هيا تأخرت، أم تريدين الوقوف على المفرق تبحثين عن مكان تضعين فيه علياً، فعلي وجد لنفسه حضانة، ونعم تلك الحضانة".

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017