بقلم: الصحفي المعتقل د. أمين أبو وردة
ثلاث بوسطات في أقل من 30 يوما تعد عذابا من نوع آخر لا يعرف معناه إلا من عايشه، فالكلمات والوصف التعبيري لا يمكن أن تصل إلى محاكاتها تقريبيا بسبب فظاعتها.
بعد ساعات من حملة "العشب الناشف" وأثناء انتظار في معسكر حوارة (مركز توقيف)، انطلقت البوسطة الأولى بعد إجراءات فيها تفتيش جسدي لتكون بعدها في شاحنة كلها من الحديد قد يكون شكلها الخارجي حافلة محصنة، بل إنها اقرب إلى كرفان حديدي متحرك له عجلات لتكون الوجهة إلى معسكر سالم شمال جنين حيث هناك محكمة لأسرى شمال الضفة الغربية.
اجتازت البوسطة منطقة جنوب نابلس عبر حاجز عناب ثم باتجاه معبر جبارة عبر مناطق الخط الأخضر والوصول إلى سالم، ثم الزج بـ 16 أسيرا في زنزانة (امتناه) واحدة، وكان الأسرى يتبادلون الجلوس على مسطبة من الباطون وبأجواء تسودها العتمة.
جلسة المحكمة لا تستغرق سوى دقيقة أو أقل يتم فيها تجديد التوقيف لعدة أيام، ليكون المكوث في الزنزانة طيلة النهار حتى يكتمل عدد الجلسات بما فيها الاستجواب في معسكر سالم للبعض، ثم العودة آخر النهار بنفس الطريق إلى معسكر حوارة.
بعد أيام أخرى من المكوث في معسكر حوارة تأتي بوسطة ثانية للتوجه إلى محكمة سالم ليتكرر نفس المشهد فيها حتى آخر النهار، ومن هناك يتم النقل إلى سجن مجدو خاصة لمن أعطي قرارا بالاعتقال الإداري أو وجهت له لائحة اتهام.
قبيل الدخول إلى أقسام سجن مجدو الرئيسية يمكث الأسير عدة أيام قد تصل إلى ثلاثة أسابيع في معابر السجن، ثم ينقل إلى أقسام السجن الأخرى.
وللأسير الإداري رحلة صعبة خلال الأسبوع الأول من إصدار قرار الاعتقال بحقه، وهي محكمة التثبيت في محكمة عوفر برام الله والتي تستمر ثلاثة أيام لا يمكن وصف معاناتها حتى في صفحات معدودة، فالرحلة تنطلق فجر اليوم الأول والعودة ليلة إنهاء اليوم الثالث وسط إجراءات صعبة، وفيها المكوث ليلتين في معبر الرملة، والسير بمسار طويل ذهابا وإيابا، والجلوس موثوق اليدين والرجلين وعلى كراسي حديدية مخرمة تنهش من عظام ولحم الأسير.
الكثير من الأسرى الإداريين عندما يخيرون بين الذهاب لمحكمة عوفر ومن عدمها يختارون عدم الذهاب بسبب آلامها التي لا تتوقف أياما بعد تلك الرحلة المؤلمة.
واختار الأسير حسام البسطامي عدم الذهاب إلى محكمة عوفر، فيما اختار الأسير عمر حمد الذهاب إليها بسبب إلحاح محاميه والنتيجة كانت متشابهة للاثنين، ولا يمكن أن تمحى آثار الرحلة من ذاكرة الأسير الإداري بسبب كثرة مشاقها وآلامها.