الرئيسية / مقالات
من يزرع الشوك ..لن يقطف الرمان بقلم سامر عنبتاوي
تاريخ النشر: الثلاثاء 05/01/2016 06:51
من يزرع الشوك ..لن يقطف الرمان بقلم سامر عنبتاوي
من يزرع الشوك ..لن يقطف الرمان بقلم سامر عنبتاوي

 الحالة الامنية ضمن حدود فلسطين التاريخية في حالة انحدار كبير نحو العنف المتنوع الاشكال و المواقع ...حالة من الاشتباك اليومي متعدد الاوجه و الضربات متلاحقة و حالة من انعدام الامن و الطمأنينة تسود و تؤثر على جميع من يعيش بين النهر و البحر ..فلسطينيين و اسرائيليين ..و الفارق الوحيد ان الفلسطينيين يعانون من انعدام الامن منذ عشرات السنين رغم ازدياد الوتيرة في المرحلة الاخيرة ..و ان الاسرائيليين اعتادوا ترف الحياة و رغدها رغم مرورهم بحقبات زمنية تعرضوا فيها لعمليات التفجير و الطعن و سقوط الصواريخ ..الا انها مرت بفترات متباعدة استطاعوا ما بينها الحصول على حياة حرم منها الفلسطينيون عقودا طويلة ...و المحصلة الآن حالة من هيستيريا الموت و الخوف من المستقبل تسود المرحلة .

ساحاول في هذه المقالة تحليل اسباب الوصول الى هذه الحالة و انعكاساتها و تأثيرها على الطرفين ..و القدرة على التحمل من كلاهما ..و افاق التعامل المستقبلي معها ..و باختصار الاجابة على سؤال : الى اين تتجه الامور؟ و مدى تأثير الطرفين في توجيه مسارها ..

ان الحالة التي يحس بها الفلسطينيون و خاصة الشباب منهم ان القتل الممنهج و الاعدام الميداني هو مصير الفلسطيني سواء كان فعله متمثل بالتظاهر السلمي او رشق الحجر او الطعن او اطلاق النار او التفجير ...فاي الطرق سيختار ...سيتوجه الى اقوى الاعمال التي تحقق اكبر الخسائر بالعدو طالما انه يقدم اغلى ما يملك مقابلها - حياته –و طالما ان الحالة تتمثل في شعب يرفض الاحتلال و يقاومه فان المقاومة تصبح مشروعة و بكافة اشكالها ..و طالما ان غالبية اعمال مقاومة الاحتلال اصبحت فردية و غير حزبية فانه لا ضوابط و لا حسابات ستحكم اداء المقاوم سوى الخيار الشخصي ..و بما ان دولة الاحتلال تقوم بما تقوم به من اعدامات ميدانية و اعتداءات همجية فان ذلك يستدرج اعلى درجات العمل المقاوم في مواجهة سياستها بعد غياب اي افق سياسي و فشل كل المفاوضات للتوصل لحل سلمي يحقق بعض الحقوق الوطنية للشعب ....و في الوقت نفسه فان من يقوم بالاعتداءات من غلاة المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني يؤشر بان المستوطن المعبأ بالعنصرية متأكد بانه لو قام بالاعتداء بالحجارة او حرق الاراضي او كافة الاعتداءات من قتل و حرق للاطفال و النساء .. فالنتيجة تتمثل بمحاكمات صورية تنتج عنها احكام مخففة تنتهي بالعفو ..فضمن عقليته العنصرية يصبح القتل و الحرق افضل الطرق التي تحقق ارتواء العنصرية لديهم و الانتقام من كل ما هو فلسطيني ...و الامر عند الجنود لا يختلف فاسهل طريقة هي الضغط على الزناد بهدف القتل لادنى اشتباه لان الاوامر بالقتل صريحة و لا عقوبة لاي جندي حتى لو قتل دون سبب او لاشتباه غير مقنع ...اذن فان حكومة الاحتلال و سياستها تجر الى مربع اقصى درجات العنف و العنف المضاد و تحول الارض الى ساحة معركة دموية ارضاء لساديتها و عنصريتها و تسريعا لتطبيق مشاريعها العنصرية التي تعتمد على الدم و على الميكافيلية التي من خلالها تزهق الارواح تنفيذا للمشاريع العنصرية .

نجد هنا ان من اوصل الامور الى ما آلت اليه من دموية هي دولة الاحتلال بممارستها الظلم و القمع ضد الشعب الفلسطيني و اطلاق العنان للاستيطان و افلات عقال المستوطنين بل و حمايتهم و تقديم الدعم و السلاح لهم مع اعطاء الرخصة بالقتل بذريعة (حماية النفس) اما الفلسطينيين فلا حماية لهم لا في بيوتهم و لا في مدارسهم او مساجدهم او طرقاتهم الخارجية التي يسيطر عليها الجيش و المستوطنين ...اذا كانت هذه هي الحالة فما تأثيرها و انعكاسها على الفلسطينيين و الاسرائيليين ؟

لقد كشفت عملية تل ابيب الاخيرة – رغم انه حتى اللحظة لا زالت دوافعها غامضة – لكنها كشفت حالة الارتباك و الهيستيريا التي شملت القيادة السياسية و الامنية و الناس في دولة الاحتلال و لهذا اسباب متعددة اولها ان دولة الاحتلال اوجدت اكثر من طرف متضرر من سياستها و يمتلك الاسباب للقيام بمثل هذه العملية مما يربك عملية حصر الاشتباه و التعامل معها ...فمبرراتها موجودة كنتيجة لحالة القمع الدموي في الضفة و الاسباب التي زرعها و يزرعها الاحتلال تعطي احتمالية عالية لان من خطط لها هو من الضفة ...و كذلك فان حالة الاضطهاد و التمييز ضد الفلسطينيين خلف الخط الاخضر و سياسة افراغ المناطق السكنية و تهجير القرى و المحاكمات و لا يقل عن ذلك ما يراه اهلنا في الداخل من سياسة دموية ضد ابناء جلدتهم تحت الاحتلال يعطي مؤشرا لامكانية ان تكون العملية من الداخل و ليست مرتبطة باي تواصل مع المقاومة تحت الاحتلال و قد يكون الامر معاكس مما يجعل احد السيناريوهات التي يفكر بها قادة الاحتلال ان الفاعل مرتبط بافراد في الضفة و هم يوفرون له المخبأ بعد العملية و لهذا السبب طلب الاحتلال من السطة التعاون في البحث عن الفاعل ..و احتمال ان الفعل مرتبط بالمقاومات الحدودية الخارجية كحزب الله كنتيجة لاستهداف القنطار ليس باقل من الاحتمالات السابقة ..اذن تعددت الاحتمالات و النتيجة حالة من التخبط و الهلع ..سبقها حالات الدهس و الطعن و لحقها حالات القنص في الخليل و اصبحت دولة الاحتلال تتلقى الضربات المتنوعة بالكيفية و التوزيع الجغرافي مما اربك التعامل معها ...و من اهم اسباب فشل التعامل معها ان دولة الاحتلال كانت في السابق تتعامل مع الفصائل و عند ازدياد عمليات المقاومة كانت تستهدف قيادات الفصائل المسؤولة عنها بالتصفية و السجن و الابعاد ..اما الحالة الراهنة فتتميز بالحالات الفردية و التنوع و التوزيع الجغرافي مما يصعب التعامل معها .

لا شك ان دوامة العنف و الدم تؤثر على الطرفين و تزهق الارواح و تسيل الدماء ..و لكن اكيد هناك فرق ..فبالنسبة للشعب الفلسطيني هي حالة قدرية من دفع ثمن الحرية و الانعتاق من الاحتلال و انها ضريبة لا بد و ان تدفع في سبيل الحرية و ان حالة المعيشة السيئة تحت الاحتلال تعطي الدافع لتقديم اعلى التضحيات للخلاص منه ..و ببساطة هي بالنسبة للفلسطينيين معركة اخلاقية لاسترداد العزة و الكرامة و الحق و هي ملحمة بطولية اهدافها واضحة و عناوينها واضحة و باختصار ليس امام الشعب الفلسطيني ما يخسره سوى الاضطهاد و العبودية و هذا هدفه و هذا ما يسعى اليه ...اما بالنسبة للجانب الاسرائيلي فرغم وجود بعد عقائدي بنيت عليه الاكذوبة الصهيونية بارض الميعاد التي استغلت الديانة اليهودية لتطبيق اكثر اشكال الاستعمار عنصرية للاستيلاء على الارض و المقدرات رغم ذلك فان ارض الميعاد الموعودة بنت استقطابها ليهود العالم بالعيش في جنة الحرية و الديمقراطية و ليس ارض العنف و الدماء ..و لا استهين هنا بغلاة المتطرفين و العنصريين الذين يستمرئون الدماء خدمة لاطماعهم ..و لكن حالة التخلخل و الخوف التي تسود الحياة نمت و عززت القلق من المستقبل و من الامثلة على ذلك ما نراه على حواجز الضفة ..فصحيح ان الاوامر معطاة للجنود بالقتل لادنى اشتباه و ان هناك مبالغة شديدة بالقتل و استخفاف بالدم الفلسطيني ..الا ان ذلك يعكس ايضا حالة الخوف على الحياة و الهلع و الرعب من كل ما هو فلسطيني لان الجندي يشعر في قرارة نفسه بانه يظلم و يقمع الفلسطيني مما يسبب مقاومته له .

نحن شعب لا يدعو الى العنف و الدماء و نحن شعب ينتمي الى الانسانية نطمح الى العدالة و الحق في الحياة الكريمة ..لا نرغب بمربعات العنف و الدماء و لا نستمريء القتل بل نبحث عن العدالة المفقودة ..نرغب في السلام العادل الذي يلبي الحقوق و يحفظ الكرامة ..و انا شخصيا امقت الحروب و القتل و شعبي ايضا مسالم و له نفس القناعات و لكن ..ايها المحتلون ..لا تختبروا صبر هذا الشعب الذي يدفع دمائه ثمنا للحصول على الحرية .

قد يربح الاحتلال بعض الجولات و قد يستفيد من حالة المحيط العربي و التغيرات الدولية و لكن كل ذلك مرحلي و لن يستمر للابد فان تحويل الصراع الى حالة صراع على الوجود لن تكون نتائجه في صالح الظلم و الاحتلال ..هكذا علمنا التاريخ و عدالة السماء ...لن يدوم القهر و الظلم و سيتهاوى كما تهاوى من قبله و سيثبت اهل الارض على ارضهم مهما بلغت التضحيات ...و هذا الكلام ليس عاطفيا و لا انشائيا بل علميا و مستندا الى تجارب الشعوب و حركات التحرر عبر التاريخ ..و مستندا الى ان الامبراطوريات الظالمة عبر التاريخ تهاوت و ان الشعوب صمدت و حققت الحرية و الخلاص من الاستعمار و العبودية ...و في النهاية فان الاحتلال سيحصد ما يزرع فعندما يزرع الموت و الحقد و العنصرية فلن يحصد سوى مقاومته .. و من يزرع الشوك لن يقطف الرمان .

سامر عنبتاوي

4-1-2016

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017