الرئيسية / مقالات
قراءة في الواقعية السياسية الفلسطينية
تاريخ النشر: الأحد 17/01/2016 10:30
قراءة في الواقعية السياسية الفلسطينية
قراءة في الواقعية السياسية الفلسطينية

 خالد معالي

 

عملت الهبة الجماهيرية أو انتفاضة القدس في شهرها الرابع؛ على زيادة الدفع والنقاش بين تيارين سياسيين رئيسيين في الساحة الفلسطينية وبشكل لافت؛ وفي تعريفهما للواقعية السياسية  والتي في الأصل تعرف على أنها: "الممارسة السياسية المستندة إلى القراءة الموضوعية العلمية للواقع، بهدف التعامل معه بحكمة، وبما هو معلوم وموجود؛ بقصد تحويله وتغيير معطياته؛ بما يوجد واقعا آخر مختلفا؛ وبشكل أفضل؛ وهي عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات على ضوء ما هو معلوم وملموس، وتوظف المعرفة في كشف أسرار الواقع واتجاهاته".

 

أمر عادي جدا أن تختلف الرؤى حول الواقعية السياسية  لدى قوى الشعب الفلسطيني؛ وهو ما جرى في ثورات سابقة عبر التاريخ؛ لكن لا يعني ذلك أن تنعطف بشكل حاد؛ ويصبح التناقض الثانوي هو محور الارتكاز والحدث الحالي؛ على حساب التناقض الرئيس وهو الاحتلال هنا؛ حيث توجد واقعية سياسية فلسطينية في اتجاهين مختلفين؛ برغم وجود احتلال جاثم على صدور الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة؛ يعد أنفاسهم عليهم عدا؛ وهو أمر غريب وغير معقول في عالم السياسية.

 

من خلال عمليات الطعن والدهس والتي من المتوقع أن تتطور لانتفاضة مسلحة - هو ما يتوقعه أيضا كتاب ومفكري دولة الاحتلال- يرى أصحاب الواقعية السياسية من قوى فلسطينية بعينها؛  والتي تعرف السياسية أنها؛ فن التغيير وهزيمة المحتل؛ بان طرد المحتل سهل جدا؛ وأسهل مما يتوقع الكثيرون؛ ودليلهم أن السكين برغم أنها سلاح بدائي؛ جعلت كل جندي ومستوطن يعيش في كابوس الذبح، وكذلك ما جرى من طرد المحتل من جنوب لبنان وقطاع غزة؛ بفعل العمل المقاوم فقط؛ ولغة الدم التي لا يفهم المحتل غيرها.

 

فيما يرى أصحاب الواقعية السياسية والتي تعرف السياسة بأنها فن الممكن؛ أن التضحيات المجانية لا تجوز ويتحمل وزرها من يقدمها مجانا للاحتلال؛ في ظل اختلال في موازين القوى واضح جدا يعمل لصالح الاحتلال؛ ومن غير المجدي التحليق في عالم النظريات والأحلام والأوهام الغير قابلة للتحقيق بنظرهم على الأقل في هذه المرحلة التي تحمل علامات الضعف؛ بانشغال العرب بحروبهم الداخلية وعدم التفاتهم للقضية الفلسطينية؛ فلا يوجد أي نوع من  الحكمة في هدر الطاقات بشكل مجاني دون نتيجة تذكر، أو عدم تحقيق الأهداف المرجوة بالتحرير وبناء الدولة.

 

من يسقطون فن الممكن على الواقعية السياسية، يرون إن الحقيقة لها عدة أوجه، وبالتالي لا مفر من اختيار المناسب منها، والمناسب هنا هو حقيقة وجود قوة مهيمنة ومسيطرة، لابد من التعاطي معها مؤقتا لحين تغير الظروف.

 

بحسب منظرو مدرسة فن الممكن؛ فان المرونة، والموضوعية، ودراسة الإمكانيات المتاحة والتعاطي معها، وعدم الانجرار وراء الخطابات الحماسية، وعدم بعثرة الشعارات البراقة، التي تضر ولا تنفع؛ كل ذلك يمكن له أن يعيد الحقوق لأصحابها، وتضمن عدم تقديم تضحيات مجانية.  الواقعيون في هذه المدرسة رأوا – وما زالوا – أن أفضل وسيلة للتعامل مع تصارع القوى؛ هو التعامل معها دون التصادم، في حال كانت موازين القوى لا تلعب لصالحهم، وهذا  يقود بالتالي إلى الانصياع، أو التفاوض، أو التحايل على القوة المسيطرة، بدل مجانية التضحيات والتصدي لها بشكل عبثي وعلني متهور.

 

ويروا أيضا أن التحول نحو انتفاضة مسلحة وعنيفة و قرار مواجهة الاحتلال هي واقعية سياسية مغلوطة، وما هو إلا ضرب من الجنون والانتحار السياسي، يتحمل نتائجه تاريخيا، من اتخذ القرار دون التبصر والتمعن الكافي وبشكل عميق ومدروس في معرفة العواقب المترتبة عليه مسبقا.

 

 ويقولون أن أصحاب النظرية الثورية؛ قد استبد بهم وأعياهم طول وقت الانتظار، وتعايشوا مع اللحظة العابرة العاطفية، وبأنهم هؤلاء جميعا يحلقون كثيرا في الأوهام، وان خطاباتهم ووسائلهم وأساليبهم ما هي إلا دغدغة للعواطف، وتصلح للعوام ولجموع الناس العاديين البسطاء سطحيو التفكير.

 

تتعامل مدرسة فن الممكن بما هو موجود وحاصل، وبالتالي تبتعد قدر الإمكان عن سنة التدافع وحالة الجدل؛ وهو ما قد يقود لبطئ حركة التغيير أو وقفها، ويردون على ذلك بان التغيير ليس شرطا أن يوجد الأفضل؛ بل قد يوصل للأسوأ مما كان في السابق.

 

العالم الإسلامي الكبير ابن خلدون؛  يقول في مقدمته:" القوي يتبعه الكثيرون ويلحقون به لمجرد انه قوي"؛ ومن هنا ينطلق جزء كبير من الفلسطينيين بالبحث عن أسباب قوتهم، ويضربون الاحتلال في خاصرته الرخوة؛ وهي الأمن؛ حيث نجحت انتفاضة القدس التي هي قوة الثورة في ذلك؛ فبالكاد تجد مستوطن يتجول في الضفة لوحده كما كان قبل الانتفاضة؛ وحتى داخل دولتهم المزعومة الفانية يخافون التنقل والوقوف في محطات النقل خشية الذبح والقتل؛ فلا أمن ولا أمان مع الاحتلال.

ويتسلح مؤيدي ومعرفي السياسة بأنها؛ فن التغيير؛ بأنه لم يحصل ولو حالة واحدة عبر التاريخ ان تحرر شعب من الاحتلال دون مقاومة وثورة؛ وليس بالمفاوضات؛ وبان الضعيف لا يقلده ولا يقتدي به أحد، ولا يرغبه أيا كان؛ وبالتالي فان لحوق أي شخص أو مجموعة والتصاقها بالقوي دون أن تمتلك مصادر قوة وضغط؛ هو ليس بانجاز؛ ولن يغير من واقعها السياسي الضعيف شيئا؛ كون القوي الظالم يريد أن يحتفظ بقوته لنفسه؛ ولا يوزعها مجانا؛ ولا يعطي شيئا بالمجان.

 

جدليا؛ من حق كل مدرسة أن تدافع عن نفسها وتطرح ما لديها من بضاعة، وتعززها بالدلائل والشواهد، وتدعم فكرها وطريقة فهمها للأمور، فلا حجر على الأفكار، ومن يبني أفكاره على أساس متين؛ يدوم ويستمر وينتصر. وتبقى الأعمال بخواتيمها، وهو ما لا  تجيب عليه بشكل كافي مدرسة الواقعية السياسية التي تعرفها بأنها فن الممكن.

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017