الرئيسية / الأخبار / فلسطين
أبو عماد:أحلامي الضائعة تتغنى بنجاح أل حلاوة
تاريخ النشر: السبت 15/02/2014 20:51
أبو عماد:أحلامي الضائعة تتغنى بنجاح أل حلاوة
أبو عماد:أحلامي الضائعة تتغنى بنجاح أل حلاوة
 
بقلم:هديل أبو شهاب،عطاء الكيلاني،سامية علاونة /
 
بشعر رأسه الابيض  ، وبتجاعيد بشرته المتآكلة على جبينه وكفيه، وعيونه الخضراء اللامعة لجسمه الهرم، يروي أبو عماد السبعيني قصة شعب لم تكتمل قضيته بتحقيق النصر؛ بالرغم من التضحيات التي قدمها من أجل الوطن والأرض.
 فؤاد حلاوة ذلك الطفل الذي تربى في حارات البلدة القديمة، متنقلا بين حارتي الياسمين والساعة لتكتب جدرانها حكاية الطفل الفلسطيني الذي عاش وترعرع على شروق شمسها ورائحتها الزكية، تجلس لتحدثه، فتشعر وكأنك تحدث موسوعة تاريخية عريقة، فهو يملك من الوصف ما لا  يملك احد غيره، عاش ظروف سياسية صعبة وقاهرة، تحدى الحياة فصنع الأمل والتفاؤل. 
يوم الحادي عشر من شهر آب عام 1936، أصبح فؤاد على وجه الخليقة، بعد صيحات والدته التي خرجت بصوت مرتفع، في بيت ضيق بحارة الشيخ مسلم في البلدة القديمة لمدينة نابلس، والتي  توقفت بسماع صوت  بكاء مولودها الذي أتى ليضيء العائلة بنوره. 
مرت الأيام، وبعد أن بلغ فؤاد من العمر ثلاث سنوات، بدأ والده رضا يمسك بيديه ويصطحبه معه إلى مكان عمله في مطعم المشاوي، ذلك المكان الذي كان مصدر عيش العائلة لسنوات طويلة، والذي افتتحه والده بعد ولادته بعامين عام 1938.
بدء فؤاد الصبي الشقي يخرج إلى الساحة المنارة التي كانت مقابل مطعم والده ليختلط مع أولاد حارته بعمر أربعة اعوام، حيث كان اتفاقهم الالتقاء تحت الشجرة الكبيرة، ليلعبون في ظلها البنانير ولعبة البلبل ولعبة البالون وغيرها من الألعاب الصبيانية من الصباح وحتى غروب الشمس.
أيام الدراسة
"ما زلت أتذكر لحظة استيقاظي من النوم في صباح صيفي حار عندما كانت أمي تصرخ (اصحى يا ولد عندك مدرسة)" هذا ما قاله فؤاد واضعا يديه على رأسه ويضحك بصوت مرتفع قائلا " يا الله كبرت يا أبو عماد".
   في عام 1942 التحق فؤاد بالمدرسة وكانت والدته كباقي الأمهات تمسك بيديه وتدخله إلى باب مدرسة الغزالية شرق المدينة (التي حل مكانها اليوم غرفة التجارة والصناعة)، وبعد انتهاء الدوام تأتي لانتظاره حتى خروجه من المدرسة من باب الخوف عليه، لأن في ذلك الوقت، كان في المدرسة طلاب كثيرون من أهل القرى، يأتون إلى المدرسة على الدواب، فكانت تخشى عليه من الذهاب معهم.
ويكمل فؤاد حديثه محدقا إلى أعلى قائلا " كنا في ذلك الوقت نخشى أن ننظر في عيون أساتذتنا لان المعلم كان بمثابة  الأب القاسي، فكان له درجة كبيرة من الاحترام والتقدير، وإن حاول أحد الطلاب أن يخطئ مع أستاذه فان ذلك يؤدي إلي فصله من المدرسة".
لم تشأ الأيام أن يكمل فؤاد تعليمه الابتدائي، متوقفا عنه في الصف السادس نتيجة بداية نكبة 48، التي حلت بالشعب الفلسطيني فاستشهد الكثير من الناس منهم أهل اللد والرملة، التي حلت بهم مجزرة حطمت بيوتهم ورملت نسائهم ويتمت أطفالهم.
"تركنا المدرسة ليس برغبة منا، بل لأن أبوابها قد أغلقت أمام العلم وفتحت أمام اللاجئين"، يتنهد قليلا ويسترسل في كلامه "جاء أهل اللد والرملة حفاة باكين، كسوناهم وأطعمناهم، على عكس لاجئي حيفا ويافا الذين جاءوا وهم يرتدون الملابس الفخمة".
وفي ذلك الوقت خرج أهالي نابلس من بيوتهم ليقضوا وقتهم مع اللاجئين، فازدحمت الشوارع  والمساجد وخاصة شارع النصر لدرجة أن الوجوه اختلطت عليهم فالأب لم يعد يعرف ابنه من كثرة الناس، والمساجد أغلقت ليسكن بها اللاجئين، حتى المنبر لم يسلم ليتحول الى قاعة مناسبات يجتمع فيه الناس  .
استمرت الأوضاع هكذا بين العذاب والتهجير وتراجعت الأوضاع الاقتصادية وتذبذبت الحياة الاجتماعية، فالجميع خرج من النكبه لا وراءه ولا أمامه، فكان فؤاد من الأشخاص الذين ضحوا بعلمهم ليخرج من المدرسة بعد النكبة مكملا لطريق والده في المطعم سنة 1952 بعمر 18 عام ولم يسمح له الوضع المادي السيئ حينها بالرجوع إلى المدرسة.
الأمي في بيت العلم 
لم ينسى فؤاد في حديثه أن يتكلم عن عائلته التي خرجت منها المهندسين والاطباء ليجعله الزمن الأمي الوحيد في بيت العلم بين 6 من الأخوة ثلاث  منهم إناث.
ظروف الحياة الصعبة التي مرت على فلسطين والتي أجبرت أبو عماد على الخروج من المدرسة في الصف السادس ومساعدة والده في المطعم  جعلته يساعد إخوته في المال والنفس لتعويض الحلم الغائب عنه في الدراسة.
"رفعت، الذي يصغرني بعامين أكمل دراسة التجارة، وجواد أهّلته الحياة في الحصول على درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعه الإسكندرية، وأخي الأصغر جمال حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة الخرطوم وهو ألان محاضر في جامعه بيرزيت".
لم يكتفي فؤاد بتقديم هذا الدعم لأشقائه بل قدم مثله وأكثر لشقيقاته ولم يميز بين الذكور والإناث مؤمنا بعبارة "المثقف متعلم" التي قالها جمال عبد الناصر، يرفع صوته قليلاً ويحرك يده في هذه اللحظة ويقول: "شجعت شقيقاتي على إكمال تعليمهم من خلال استعدادي لتغطية مصاريف التعليم، وكان هذا التشجيع ايجابي حيث أنهت شقيقتي - فائدة - التعليم وأصبحت معلمة في مدرسة طولكرم إضافة إلى أن شقيقتي - نائلة - أنهت المرحلة الثانوية بينما الزواج فرض نفسه على فاتن ومائدة ولم يكملا تعليمهما، افتخر بنفسي لما فعلته من اجل عائلتي وما يزيدني شعورا بالنجاح هو أنني أمّي فالأمّيّة لم تأخذ حيزا في حياتي بل صنعت مني من يرسم الأمل لتعويض النقص الإجباري الذي عاشته في تعويضه بنجاح لعائلته، وهناك كلمة كان يرددها أخي رفعت دائما (أنت شمعة احترقت من اجل الآخرين) وكنت أجيبه: أنا شمعه احترقت ليس من اجل الآخرين بل من اجل إخوتي)."

الأم بلاد الشام 
ما بين فترة العشرينات من القرن الماضي وحتى قبل نكبة 48 بفترة وجيزة  يسرد لنا فؤاد قصة بلاد الشام التي تقسمت إلى دويلات في العهد العثماني قائلا: "كما حدثني أبي فترة 1924 لم يكن هناك ما يسمى بفلسطين والأردن وسوريا بل كانت جميعها تسمى بلاد الشام"، وقف أبو عماد متوجها نحو باب الساحة مؤشرا بيديه قائلا "هنا كان يوجد ثمانية شجرات للزينة تسمى (زان زلختي) وهو اسم عثماني، وفي منتصف الخمسينات كان لهم من الظل ما يكفي، وكان الداخل والخارج من نابلس يأتي إليها ليتصبب على فنجان قهوة ويستمع لكلمات عذبه من أغنية لأم كلثوم منطلقة من مقهى شقو المجاور لتلك الشجرات، وكان الناس يأتون من خارج المدينة على الدواب كونها كانت وسيلة النقل المتوفرة حيث كان يربط الفلاح دابته بالشجرة الوسطى لكي تكون أمام مرأى عينيه".
"وكانوا ينامون ليلة مجيئهم في نابلس نظرا لطول الطريق، ومن أشهر الفنادق التي عرفت آنذاك  فندق فلسطين حيث كان يقصده الارستقراطيين (الطبقة العليا في المجتمع) لسعره المرتفع الذي لا يقدر عليه عامة الشعب، وكان يقصده صاحب المال والجاه ليضع رأسه نائما فيه أمثال ملك المغرب حسن الثاني والرئيس التونسي بورقيبة والمطرب فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب".
رشف جرعة من الماء وعدل في جلسته وقال: "البلدة القديمة كانت عاصمة نابلس وسنترال المدينة وأطلق عليها اسم باب السرايا وذلك لوجود كافة الدوائر الحكومية بها وقيادة المنطقة التي كان يحكمها القائم مقام وهو بمثابة المحافظ في أيامنا هذه".
نقل نظره تجاه ساعة المنارة (حالياً) وأشار بأصبعه "هنا كان مقر الحكومة برئاسة القائم مقام حامد شكر فضله، ومن بعده الحاكم العسكري البريطاني اللورد كردونمسترفوت واضع قرار 242 وكان هناك معتقلين احدهما مكان مصنع القوقا حاليا"، ومع بلوغ الساعة الثانية عشره ظهراً أثناء جلوسنا وإذ بدقات ساعة المنارة تنطلق فالتفت أبو عماد إليها وقال: "هذه الماكينة التي ترن مستوردة من لندن".
وبصوت امتزج بالفرح والألم لفراق هذه الأيام تحسر أبو عماد على فلسطين قبل النكبة حيث كان يأتي الحكواتي من لبنان إلى فلسطين لأنها كانت آنذاك وجهة العمل والعمال ولكن ما بعد النكبة تغير كل شيء وأصبح الانتعاش الاقتصادي ذكرى الماضي والفقر هو المستقبل.
 "كنا نجتمع وسط الساحة لنستمع لأقوال الحكواتي أبو حسين طورية الذي كان يلقي القصة على مسامعنا بطريقة مشوقه على نهج مسلسل إخوة التراب السوري،وكنا نجلس في دائرة كبيره تحت خيمة واسعة كلنا آذان صاغية ، وبعد انتهاء الحكاية التي كان يرويها لنا كل أسبوع مرة  واحدة بعد صلاة المغرب كنا نخرج نتحدث عن ما قاله لنا ويظل فكرنا شارد بها والتي كان اغلبها أساطير وهميه لا يصدقها العقل "
وقال أيضا انه قابل الكركوزي في لبنان عام 1959وهو بشدة الفرح بذلك لان في ذاك الوقت كان الالتقاء بالفنان أو الممثل شيء عظيم وصعب المنال.
ملابس أيام زمان
في الماضي كانت الملابس تعبر عن طبقة الشخص  فالكبار في السن كانوا يرتدون القمباز وأصغرهم سنا يرتدون السراويل، أما عن والد فؤاد المتواضع فقد كان لبسه قميص وبنطال كعامة الشعب بحكم عمله.
"النساء في زماننا كنا يرتدن ما يسمى بالكاب وكان هناك ثلاثة أنواع من المناديل مناديل براق وراقين وثلاث راقات، هذه البناطيل الدارجة لم نكن نعرفها يوما ما مع أنها اختراع مريح وان كانت في زماننا لم أكن أعارض لزوجتي  وبناتي في ارتدائه".
طرائف مقهى الهموز
بصوت قهقهة مرتفع كاد الجميع أن يجتمع حولنا عندما حدثنا أبو عماد عن طرفة حصلت مع فريد الأطرش بينما كان يحيي حفلة غنائية في مقهى الهموز في بداية الخمسينات .
"بدأ الأطرش يغني ويقول عشك يا بلبل ده جنى هيش هيش يا بلبل، حيث كان الأطرش ينتقد الحكام لكن اللغة لم يفهما الأميون الذين كانوا يستعملون هذه الكلمة لتمشية الحمير وبادروا برمي حبات البرتقال باتجاه المسرح غضبا"، سكت قليلا ليمسح دموعه من الضحك ويتأمل صافنا وكأن ذاكرته أخذته إلى ذلك المكان  ليتابع قائلا: "المهم بعد رمي الحبات، سقطت إحداها على صينية القهوة مما أدى سكبها على فستان الراقصة تحيا كاريوكا، وتم إيقاف الحفلة وأخذ فستان الراقصة لتنظيفه وكويه عند المكوجي الذي ما زال محله حتى اليوم أمام درج مكتبة البلدية، واذكر وقتها حلف فريد الأطرش يمين ما يدخل فلسطين ثاني مرة ".

تم النصيب 
 فؤاد حلاوة أجاد كل شيء، من إتقان العمل مع أبيه، وتحمل مسؤولية عظيمة ووصولا إلى الحب، فأنك تستطيع أن تفهم بأن لو كان للعشق وجها لكانت ملامحه مثل ملامح حلاوة عندما تحدث عن المرأة التي سلبت قلبه المليء  بالإحساس,ففي تاريخ 15 /7/1956 حقق فؤاد حلمه بالزواج من فتاه أحلامه التي صدفت عينه  جسدها عندما كان جالسا ع باب المطعم اذا بأعتماد تمر ونظرات عيونه تلاحقها في ممشاها.
 بصوت مرتفع غاضب"انتبه لي والدي وشتمني قائلا لي أتسمح لأحد ان يلاحق خواتك شرف عرضك " بلع ريقه ليشرب كوبا     من الماء متابعا حديثه "أجابته لا فهمس بأذني امشي ورائها دون أن تختلس النظرات إليها وان تتكلم معها كلمة واحدة ".

ذهب فؤاد  ورائها ليناله الحظ الأسود برؤية أبو عبدو له الرجل المحافظ الذي كان لا يقبل ذلك لأنه  كان في الوقت آنذاك حرام وعيب .

بضرب قدميه على الأرض وبصوت جهور تابع حديثه "جن جنوني عندما  رآني أبو عبدو ذهبت مسرعا الى والدي وأبديت له إعجابي بها  كثيرا ليس من باب إعجابي بها فعلا بل من باب خوفي احد يتكلم علي وتنتشر القصة وارتفض من قبل أهلها ".

 حدثنا فؤاد عن طقوس زواجه الذي كلل  بالغداء والعشاء على مناسف داعيا جميع افراد البلدة وجميع معارفه عليه واليوم الذي يليه أقيم حفل عرسه في صالون البيت على كرسيين من البلاستيك والنساء يجلسن تحت شجرة الدوالي أحداهن يصقف والأخرى تغني ع دلعونا ويا ظريف الطول.
سكن أبو عماد وزوجته مع أهله لمدة خمس سنوات ووصفها بالمأساوية لما يتخللها من مشاكل مستمرة بين زوجته ووالدته مشيرا أن الزواج استقرار وليس هناك أجمل من الاستقلال في منزل خاص، "العامل وصاحب العمل والمالك والمستأجر والحماة والكنه جمعيهم لا يتفقوا مع بعض على الإطلاق". 

وبعد سنة من زواجه أراد الله أن يكرمه بمولود فتاة، الأمر الذي لم يهتم له فؤاد ففرحته بكونه أصبح أب لم توصله إلى درجة التفكير بأن الذكر أفضل من الأنثى حسب اعتقاد الناس في ذلك الوقت، وكان شعوره لا يوصف وقد اسماها سوزان، وحبه لحرف السين دون سبب جعله يسمي بناته الأخريات بأسماء تبدأ بحرف السين سوسن وسناء.
ومع مرور الأيام وتوالى السنين شاء القدر أن يكون له من الأولاد عماد الابن الأكبر المقرب إلى والده والذي يعمل مهندس في بلدية نابلس، وعمار دكتور الأسنان، وعلاء موظف في سبيتاني ولم يبخل أبو عماد  في حياته يوما ما على بناته المدللات ولا على دراستهن فسوزان الابنة الكبرى درست الانجليزي في بداية الثمانينات وابنته الوسطى سوسن تخرجت من قسم الاجتماعيات وسناء الصغرى كانت خريجة كلية التجارة.
عبر أبو عماد عن حبه واحترامه لزوجته قائلا "اعتماد إنسانة رائعة وأعطتني أكثر مما ينبغي أن تعطيني"، التي وقفت جانبه يوم بيوم ولم تتخلي عنه عندما سجن مرتين من قبل الاحتلال والعهد الأردني  حيث كانت تأتي لزيارته حاملة ابنيها على كفيه لكي تطمئنه على أولاده مضيفا إنها تحملت الكثير في الحياة من اجله ولم تبخل بحبها يوما ما اتجاه.
أصدقاء الطفولة
"كنا في البلدة  القديمة كالعائلة الواحدة الجار يحب جاره والصديق يوفي لصديقه وكان لدي من الأصدقاء الكثيرين، فكان صديقي سميح العكر من المقربين جداً جداً، وأخي رفعت أيضا لم أكن اعتبره فقط آخ فكان بمثابة العائلة كلها"، وقف قليلا وتابع بدموع تكاد تملئ وجهه "لكن للأسف لم يبقى أحد منهم اليوم فأخي رفعت توفي منذ أربعه سنوات أثناء عمله في السعودية وكذلك أصدقاء الطفولة بمن فيهم سميح".
وأشار أبو عماد إلى رفضه لجميع محاولات أولاده وأشقائه المستمرة في إقناعه من اجل ترك البلدة القديمة والعيش معهم آخذاً بعين الاعتبار المثل الشعبي "اسأل عن الجار قبل الدار".
"بيت كلبونة، العكر، المصري جمعيهم ما زالوا جيراني فبيننا لقمة عيش تقسمناها سويا منذ عشرات السنين، فلا استطيع أن اخرج من عندهم وأعاشر غيرهم في هذا العمر فزمنهم غير زماننا."


الأبيض والأسود
"أول مرة شاهدت بها التلفزيون في لبنان عام 1963 حين ظهر فريد الأطرش داخل الصندوق باللونين الأبيض والأسود، وفي نابلس عرف التلفزيون في منتصف الستينات في بيت كلبونة حيث كانت الناس تجتمع في بيتهم محاولا أن أجد زاوية ضيقة أضع بها نفسي فيها لأشاهد ما يحضرون وكأن البيت تحول إلى مقهى فالناس لم تغادره إلى حين أن تغلق الإذاعة".
وتابع بابتسامة بريئة، "لن أنسى هذا الموقف عندما شاهدت أول فيلم في السينما في غرناطة سنة 1950 لما كنت فيه من غباء وعدم الوعي لأنني أدركت أن ليلى مراد أثناء تمثيلها في فلم (غادة كاميليا) أنها ماتت فعلا صرت أبكي وأبكي والجميع من حولي يضحكون علي ويقنعوني بأنها لم تمت حقيقة وأنا لم استمع لقولهم إلا بعد مرور سبعة أيام عندما شاهدتها بفلم أخر بنت الأكابر".
لا زال أبو عماد متعلق بذكريات الأفلام القديمة ويحب مشاهدتها عدة مرات دون أن يمل منها فهي تسحبه معها إلى زمن جميل مضى ولن يعد،ومن أكثر الأفلام المفضلة لديه فيلم غزل البنات بطولة ليلى مراد وأنور وجدي، ولعل حبه الشديد وإعجابه بالفنانين المصريين جعله يعرف عنهم الكثير حيث اخبرنا أن ليلى مراد من مواليد القدس وأنها ابنة عازف العود زكي بيك، اكتشف صوت ابنته الجميل منذ صغر سنها واشتهرت وأصبحت من اكبر الفنانين المبدعين كما وصفها،  وقال ان بطلة فيلم رصاصة حب يهودية مصرية اسمها راشيل ابراهام فوجئ أثناء تواجده في مدريد أنها سكرتيرة  الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمدة 12 سنة.

وأضاف في سياق الحديث عن الزمن القديم "في منتصف الخمسينات كنت أتواصل أنا وأخي نهاد من خلال المكاتيب أذكر وقتها طلب أخي مني رخصة حتى يفتح مصلحة في برشلونة المكان الذي يتعلم فيه  حينها ذهبت إلى التربية والتعليم التي كانت في شارع فلسطين ومن ثم للحكم العسكري ثم إلى المستشفى الأردني الواقعة ما بين القدس ورام الله  لكي اخذ ختم حيث كانت عاصمة الضفة الغربية بسبب وجود جميع الدوائر الحكومية  فيها التربية والتعليم الصحة والزراعة كنا نأخذ ختم منها وأخيرا  نتوجه إلى وزارة المالية في منطقة دير ياسين واختمها من يهود."

الهشك بشك
 بصوت غاضب "بما أن الفن هو مرآة المجتمع ويعكس أحوالها سلبا وإيجابيا، فهل يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة ثورات على الفن الهابط، وتقوم المجتمعات بإسقاط أغنيات (الهشك بشك) والهواجز الفنية التي اغلبها يهدف إلى الإغراء والانحراف في أخلاق الشباب فأين فيروز، وأم كلثوم، والشحرورة صباح فلم يعد جيل اليوم يعرف إلا هيفاء وهبي ونانسي وغيرهم من الفنانات العاريات".
فعالم الفن الحالي يختلف في عيون أبو عماد عن غيره من الناس، ذلك العالم الجميل ببساطته وتفاصيله وكل ما فيه قائلا "لا اعرف اليوم ما يسمى أبو شهاب،  وباب الحارة فهؤلاء لا يعدون نجوم أمام ملوك الدراما القديمة، حتى عادل أمام بكل عظمتو فهو لا يصح له أن يصب ماءا على يدي نجم الكوميديا نجيب الريحاني وهو قال بنفسه هذا الكلام".
قسم أبو عماد شرائح المجتمع الفني القديم وذكر منهم يوسف وهبي الذي كان حينها رب البيت المسرحي، وملكة الدراما العنيفة فاتن حمامه، وملكة الإغراء هند رستم ووصفه بالفن العريق الأصيل على عكس فن وفنانين هذا اليوم.


الوحدة القومية 
"ما زلت اذكر جيدا تاريخ 15/4/1963 بهذا اليوم بالتحديد قامت وحدة عربية قومية بين مصر وسوريا والعراق واليمن فقط ع الورق  وقتها لم تعد هناك المملكة الانجلوهاشمية التي ذاق الفلسطينيون منها المرار ".
لم يسكت الهاشميون على ذلك لأنهم وضعوا الفلسطينين بزنزانة الاعتقالات وأصدرت الأحكام العرفية، وعقب فؤاد بصوت الحرية "أرممستم جمله نعم هي المعلمة التي وقفت في وجهة الجيش الأردني صارخة بوجهوهم أخرجوا الله يلعنكم ".
بهزات رأسه المتتالية وراء بعضها البعضو التي لا نجد لها تفسير تابع  ابو عماد قائلا"الوحدة جاءت نتيجة  المعارك التي خضناها مع أبو عبد الله لتحرير فلسطين من الجيش الأردني  الذي كان تحت قيادة علي أبو نوار ولكن بعد أن أسقطناهم جاء من بعده محمود الروشان الذي انهزم بنفس الطريقة، فالفدائيين الفلسطينيين في تلك الفترة ثاروا ضد الأردنيين لأنهم كان يسعون إلى أردنة فلسطين بالكامل".

نكسة 1967
ظروف اقتصادية صعبة للغاية رافقت فلسطين بأكملها منذ بداية النكسة عصر يوم الأربعاء متتالية أحداثها لتنتهي بعد 6 أيام بسقوط الضفة والقطاع وصحراء سيناء وهضبة الجولان ومزارع شبعا المتنازع عليها بين سوريا ولبنان.
"نتيجة النكبة ومرورا بالنكسة أصيبت البلدة القديمة بشلل اقتصادي فالناس خرجوا ولا يوجد معهم العملة فلم يكن أمامهم سوى الذهاب إلى الكويت في بداية السبعينات ليخرجوا في أوائل الثمانينات إلى إسرائيل".
في تلك الفترة خرج نحو20 باص من أمام مستشفى الوطني محملة النساء والرجال  ليعملوا الأعمال الشاقة هناك من اجل لقمة العيش. 
كان فؤاد حاله كحال الناس التي خرجت من حرب وظروف معيشية صعبة جدا فلم  يكن أمامه إلا فرصة الذهاب إلى إسرائيل والعمل هناك لمدة 6 أشهر ليعود بعد عناء طويل لا يطاق إلى مسقط رأسه نابلس ليفتتح مطعمه من جديد.
بعد النكسة  في منتصف السبعينات نطق فؤاد وهو يدور حولنا ويصرخ "رب البيت الفلسطيني هو الحج أمين الحسيني لعله بين ذلك عندما ذهب إليه الرئيس الراحل أبو عمار قائلا له لا توقع على أي وثيقة يا عرفات مع الاحتلال ففلسطين أجيالها سوف تحررها".
وفي عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت، وحاصرت منظمة التحرير الفلسطينية هناك، كانت الأحداث تتسارع وتزداد حدة وتوترا هنا في مدينة  نابلس وجنين ومخيماتهم، كان أبرزها تلويث الإدارة الإسرائيلية لخزانات المياه في مدارس الإناث في جنين، مما أدى إلى تسمم عدد كبير من الطالبات ونقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وبعد الاجتياح بسنتين بدأ الحراك الجماهيري، وبدأت معه المظاهرات التي خرجت تندد بالاحتلال، وتدعو لزواله، وتحيي ذكرى النكبة، والنكسة، ويوم الأرض، واجتياح بيروت، وغيرها من الذكريات التي تعيد إلى أذهان الفلسطينيين انتهاكات الكيان الإسرائيلي بحقهم، وجرائمه الوحشية، أما فؤاد وأولاده كانوا من أوائل المشاركين في تلك المظاهرات.
 وفي عام 1985 وقعت إسرائيل صفقة تبادل الأسرى مع أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية، وقد أضافت تلك الصفقة بما فيها من أسماء إلى قاموس ابو عماد مفردات جديدة، ساهمت في بروز الحس الوطني الذي كان ينمو بنمو الشباب الفلسطيني شيئا فشيئا، ويتحدث فؤاد عن تلك الحقبة قائلا: "كان يطلق على الشخص الذي يمارس العمل الوطني والنضالي ب(الأزعر) تماما كحال (المشاغب) في المدرسة، وكان الناس ينبذون الأسير بعد خروجه من السجن، ويبتعدون عنه، ويتجنبون الاختلاط به، أو تزويجه بناتهم، ربما كان ذلك نتيجة الإحباط الذي أصاب الناس، وفقدان الأمل في الأمة العربية، فضلا عن ضمور العمل التنظيمي والسياسي في الأراضي المحتلة".
خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وتشتتها في عدة أقطار عربية مثل تونس، وسوريا، وليبيا، والسودان، وتوجه قيادة المنظمة لتركيز الثقل التنظيمي والسياسي في الداخل الفلسطيني المحتل، وتحول لجان الشبيبة من العمل التطوعي المجرد إلى مجموعات عسكرية بدأت بتخطيط وتنفيذ عدد من العمليات النوعية في أهداف إسرائيلية تارة، ومجموعات لتنظيم العمل الاجتماعي والنقابي تارة أخرى، وتزايد الحواجز والقيود الإسرائيلية المفروضة على الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، ظروف مهدت لاشتعال انتفاضة أعادت للقضية بريقها، كل تلك الأحداث تتسارع وفؤاد يكبر معها ويحدثنا وكأن الماضي أمام عينيه بالكامل.
 "تأسست مجموعة الفهد الأسود في البداية على يد (ناصر البوز) في نابلس، ولكن مع الأسف استطاع الجيش الإسرائيلي القضاء عليها مع أول هجمة إسرائيلية على المدينة، بعد ذلك قدم البوزالى جنين والتقى عبد الكريم عويس، واتفقا على تأسيس الفهد الأسود من جديد، لكن هذه المرة في محافظة جنين الأمر الذي جعلني ابتعد عنها بعد إسقاطها من نابلس".
من ذكريات الانتفاضة الثانية عام2000
كما كان واقع أحداث الحرب على قلوب من عايشها أليما، وفيها من الذكريات التي لا تنسى، وحال أبو عماد، كغيره ممن عاشوا الحرب، ومنها يستذكر "كنت اسكن أنا وزوجتي وأبني الأصغر في بيتنا بالقرب من مسجد النصر، قبل نشوء الحرب بأيام كانت هناك مجموعه من اليهود المحاصرين في وسط الساحة في البلدة القديمة ومستشفى الوطني، كانوا  يتسللون ليلا لمهاجمة الأهالي من الناحية الشرقية والغربية ويعبثون فيها الفساد والتخريب، وفي ذلك الوقت كنا نخشى الخروج من البيوت لأنهم كانوا مثل الكلاب ينهشون لحمنا".
ويضيف "في احدى هذه الغارات بالقرب من ساعة المنارة حدثت مواجهة شرسة بين المقاومين في البلدة واليهود، أدت إلى إصابة العديد من جيراننا ومن بينهم المحارب أبو أحمد الذي ظل يعاني من عجز مزمن في إحدى رجليه طيلة حياته نتيجة هذه الإصابة، واذكر أيضا حينها قررت أن تذهب زوجتي وولدي إلى بيت عماد في المخفية وأنا رحلت عند جواد  نتيجة الوضع الصعب في البلدة القديمة خاصة".
ويتابع "اذكر معركة أخرى، طرد الناس من بيوتها وتحويلها إلى مراكز عسكرية لاكتشاف المنطقة  وتحركات المقاومين عدا عن قيام اليهود بمواجهة عدة بيوت سكنية وهدموا بيوت كثيرا من ضمنها خان الوكالة بهدم مداخله والممرات والجهة الشمالية الشرقية منها الذي كان حينها قيد الترميم بالاتفاق بين بلدية نابلس والاتحاد الأوروبي".
كل تلك الأحداث أثّرت على عائلة أبو عماد كتأثيرها على جميع العائلات النابلسية فتغيرت الأوضاع فلم تعد البلدة القديمة كما كانت فالشوارع أصبحت خالية من البشر، والبيوت تهّدمت والمحلات أغلقت أبوابها قائلا "تعرض مطعمي للهدم الجزئي وتكسرت جميع المعدات والأجهزة الموجودة".
أبو عماد والرئيس الراحل 
التقى أبو عماد بالرئيس الراحل ياسر عرفات مرتين في حياته، كانت المرة الأولى صدفة في مدينة أريحا بعد تأديتهم سويا لصلاة الجمعة في نفس الجامع فنال الشرف بالتسليم عليه، والمرة الأخرى تتجسد عندما جاء الرئيس أبو عمار قبل وفاته بسنة إلى البلدة القديمة  وصلى في جامع النصر، وكان أبو عماد بحاجه إلى طلب منه، وبسبب احتشاد الناس من حوله وقف أبو عماد صارخا " يا سيادة الريس يا سيادة الريس" الامر الذي جعل أبو عمار أن يطلب من حرسه مناداة الرجل العجوز الذي اعتقد انه بحاجه إلى مساعدة ماديه، لكن الأمر كان على عكس ما يتصوره، لان أبو عماد كان يريد منه توظيف ابنه.
يحترم أبو عماد شخصية ياسر عرفات ويصفه بالسياسي المحنك منذ كان بغوا ولديه بعد سياسي لم يحصل له مثيل في التاريخ، حيث ذكر حادثة ما زالت ترسخ في عقله أن موسى الدجاني احد كبار المذيعين لدار الموسيقى الإذاعية لفلسطين  قبل ال 48 ذهب ليقابله قبل أن يصبح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في خيمة القطمة الواقعة في سورية وسأله ماذا ترى بعد هذه الكارثة(كارثة أل 48) وأجابه "أني أرى دولة فلسطينية يعيش فيها يهود فلسطين مسيحيوا فلسطين مسلموا فلسطين"

المصالح أم الاديان 
 بصوت مرتفع ويديه  كادت أن تخرق الطاولة  من شدة الضرب "لو القضية قضية أديان لكانت لبنان أقوى دولة في العالم لكن القضية قضية مصالح " حيث استشهد أبو عماد بمثال ربما كان يدلل على الأمر قائلا "رئيس البوسنة عندما كان في الجمعية العامة في الأمم المتحدة مد يده مصافحا الرئيس محمود عباس ويعتذر له عن عدم تصويته لعضوية  دولة فلسطين، وذلك لان مصالح البوسنة لا تتوافق مع التصويت مع أن البوسنة دولة مسلمة وفلسطين دولة مسلمة، لكن أمريكا أنقذت البوسنة من الصرب فلا تستطيع أن تعض اليد إلي مدت لها وان تعارض مطالبها".
وأضاف أن فلسطين هي الأرض العربية المقدسة لكنها لا تحصل على الدعم العربي بسبب وجود إسرائيل التي تتحكم بمصالح الجميع بالرغم من إنها قد عرفت بوقت متأخر منذ 1948.
لكل شخص وجهة نظر مختلفة عن الأخرى ربما يتجه رأي أبو عماد بأن الدولة اليهودية لم تنجب جميع أبناءها صهاينة لأنه يوجد بها من يرفض أفعالهم بشأن الملف الفلسطيني .
المحامية اليهودية ماليزيا من سكان القدس كانت أول محامية يوقفها فؤاد عندما سجنت أخته عند اليهود تاركة اثر قوي في عقله خاصة عندما رفضت أنا تأخذ  أجرة بنزين السيارة عندما كانت تأتي من القدس إلى نابلس لأنها تخجل من أعمال القتل والتعذيب التي يرتكبها اليهود بحق الفلسطينيين، وذكر أنها كانت تبكي له وتقول "أنا اخجل كوني يهودية لهذه الأفعال".
أوباما والقدس 
"زيارة أوباما للقدس الأربعاء الماضي في أول زيارة له إلى المنطقة منذ إعادة انتخابه لفترة رئاسية وتأتي في وقت تمر فيه محادثات السلام في الشرق الأوسط بمرحلة جمود، وهي المحادثات التي لعبت فيها الولايات المتحدة دورا كبيرا."
يستطرد في حديثه قائلا "أوباما يساعد إسرائيل فقط، ولا يفعل أي شيء من أجل الفلسطينيين، فالولايات المتحدة تقدم المال للإسرائيليين، لكن الفلسطينيين فقراء، والكثير منهم ليس لديهم وظائف، ويقضون أيامهم بحثا عن عمل، فإذا أراد أوباما أن يساعد الفلسطينيين، فعليه أن يبدأ بتقديم الدعم المالي لنا للمساعدة في خلق فرص عمل في فلسطين.
وأضاف بابتسامة صفراء "إذا أرادت الولايات المتحد أن تحل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية، فعلى أوباما أن يجبر إسرائيل على العودة إلى حدود عام 1967، فهذه هي أبسط طريقة لتحقيق السلام بين الجانبين،وأعتقد أن المشكلة هي أن أوباما يصدق الإسرائيليين أكثر مما يصدق الفلسطينيين، وهو أكثر تعاطفا نحوهم بشكل كبير".
ولا تزال الولايات المتحدة لاعبا مهما في هذا المجال، لكن إذا أراد الرئيس أوباما حقا أن يحدث فرقا، ينبغي عليه أن يبدأ بممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل.

مواقف لا أنساها 
"مع تساقط الثلوج  سنة 1991 اكتست البلدة  القديمة باللون الأبيض كعروس بطلتها والناس لا تسعها الفرحه، وأمي أيضا اكتست باللون الأبيض، لكن وأنا ادفنها تحت التراب ،كنت اعشق الثلج قديما لكن بعد هذه الحادثة أنا اكرهه لأنه لا يحبني، فما زلت اذكر دموعي التي تاهت على ارض بيضاء ويداي التي لم اكن احس ببرودتهما وأنا احفر لأضع أمي تحت التراب".
وبالصدفة دخل رجل على مطعم أبو فؤاد وهو يحدثنا عن انتخابات البلدية التي أجريت عام 1946 وصرخ قائلا "أخت هذا الرجل قتلت برصاصة طائشة وهي طفله نتيجة شجارات هذه الانتخابات، كان عمري 10 سنوات وقتها وحصلت مشكلة بين عدد من الأهالي المناصرين لفريق الحج أمين الحسيني وعدد آخر من المناصرين لعناصر الوطنية الفلسطينية في ساحة الساعة وتحديدا أمام المحل، بعدها جاء عدد من عناصر الجيش الانجليزي وفصلوا بينهم واقتادوهم إلى سجن يافا، وقبل أن يقتادوني معهم رماني والدي بداخل المطعم كي لا يعتقلوني وحتى الآن اذكر الألم الذي أصاب يدي اليسرى حين ارتطمت بالأرض نتيجة رمي والدي لي بقوة".
ذكريات وحنين 
توقف أبو عماد عن الكلام لبرهة من الزمن، وتنهد تنهيدة عميقة إعادته للزمن الماضي الجميل ،حنينه واشتياقه لتلك الأيام زادت من بريق عينيه ،وتجلى ذلك في قوله "ما زلت احن إلى الحياة البسيطة  وكل تفاصيلها مثل (بابور الكاز) الذي تعودنا على صوته قديما ومن يكون بحوزته مثل هذا الجهاز كما كانوا يقولون عنه في السابق يعد ثريا حيث يعمل على إراحة السيدات من عناء اشعال نار الحطب والنفخ وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان ،وفي أيام الشتاء والبرد القارس تجتمع كل العائلة  حوله لنتدفأ قليلا وتبدأ جدتي بسرد الحكايا علينا حتى ننام"، وتابع ضاحكا "حتى الإذاعات المحلية المتواضعة التي كانت آنذاك بحاجه إلى عدة سماعات يركبها من يرغب، كانت من الذكريات التي لا يمكن نسيانها ما حييت".

البلدة القديمة .. حياة بلا ناس 
بين أبو عماد الحياة الجميلة التي كانوا يعيشوها قديما في البلد حيث كانوا يتسامرون بوجود الناس التي تدخل عليها في الصباح والمساء حيث كان شارع النصر عامر بالحركة على العكس من اليوم قد لا ترى احد فيه.
وأضاف أبو عماد أن شارع النصر هو بمثابة البلدة القديمة الذي يعود تاريخ وجوده ل72 سنة ميلادية أي في زمن الروماني حيث يقطع المدينة من شرقها إلى غربها لاحتوائه عددا من المقاهي التاريخية، التي كانت وجهة كل أطياف المجتمع، باعتبارها مكان للسمر، كما أنها كانت عبارة عن مرصد لأخبار البلد السياسية والاجتماعية، كمقهى الشيخ قاسم في باب الساحة، حيث كان السياسيون والمثقفون من روّاد  تلك المقاهي، وقد تحولت إلى منتديات سياسية في عشرينيات القرن الماضي،أي فترة الانتداب البريطاني.
و ردد أبو عماد على لسانه مرارا وتكرارا كلمات تخرج من وسط قلبه تعبر عن حزنه الشديد عما وصلت إليه البلدة  قائلا "يا ريت نرجع مثل أول ،سقا لله على أيام زمان  ,وين الناس عنا".
"هذه البلدة أصبحت قاحلة لا يوجد بها شيء مهم بالرغم من إنها كانت عاصمة فلسطين بالماضي و لم يبقى الزمن لها أي شيء فالشباب اليوم لا يأكلون فيها ولا يأتون عليها فالحياة بها قد ماتت"، وأضاف أبو عماد إن "كل قطعه توجد بالبلدة القديمة هي ارخص من المحلات المتناثرة على أطراف الدوار الذي بسببه عدنا لم نرى الناس ولم نرى الحياة الاقتصادية".

 بحديث حزين "إن أغلب العائلات النابلسية التي كانت تقيم في هذا الشارع أغلقت بيوتها، وبقي منها  عائلات  بسيطة من آل طوقان، وآل عبد الهادي، والباقي، خاصة بعد انتفاضة الأقصى وما سجلته من قسوة المحتل".
وعلى الرغم من ذلك عندما تصطحبك قدميك إلى البلدة القديمة وبالخصوص عندما تسأل أي شخص في باب الساحة عن أي معلومة بخصوص المنطقة يشير لك بيده ويقول "اسأل المختار أبو عماد"، أبو عماد ليس مختارا ولا يوجد مختار للمنطقة لكن الناس تلقبه بالمختار لكبر سنه وتميزه بالحكمة والذكاء وكونه أقدم شخص فيها، فلا احد يعرف معلومات عن المنطقة أكثر منه.

عادات العيد
مثله كباقي الرجال في مدينة نابلس يخرج أبو عماد صباحا لتأدية صلاة العيد في الجامع ثم يذهب إلى المقبرة لزيارة أقربائه، وقراءة الفاتحه لهم ،وبعدها يباشر بزيارة الأقرباء للتعييد عليهم "أنا ازور 17 بيت  مع أولادي ذاهبين عند خواتي وعند بناتي وكنايني "

رزق العائلة 
المطعم الذي فتحه والده منذ كان عمره سنتين والذي اسماه مطعم النصر نسبة إلى ثورة النصر عام 1936 كان مصدر رزق العائلة لسنوات طويلة، وما زال أبو عماد حتى الآن يسترزق من هذا المطعم الصغير والذي لم يختلف به شيئا منذ تأسس حتى الآن سوى انه اليوم ليس له اسم لأنه ليس بحاجه إلى تعريف فهو أشهر من النار على العلم إذ انه أقدم مطعم في المنطقة والجميع يعرفه ويدل عليه، والزبائن القلائل الذين يقصدونه هم من المعارف أو أشخاص يدلون عليه.

منذ صغره وفؤاد يحب تناول طبق المقلوبة فلها محبة خاصة بين أصناف الطعام لا يضاهي طبق آخر فوقها إلا الفاصوليا التي تأتي مرتبتها  الثانية لديه بعد المقلوبة وصدفة كان غذائه الذي بعثته إليه زوجته من البيت إلى المطعم  فاصوليا خضراء، وهو يفضلها على جميع اللحوم والمشاوي التي يبيعها.
وتابع قائلا " الواحد بحب يحلي سنانه بعد الغدا فأنا واحد من الناس بفضل أتناول من الحلويات الكنافة، والمدلوقة، والعوامة".
أيام العمل الطويلة كان لها تأثير سلبي على صحة أبو عماد الرجل العجوز الذي ما زال حتى اليوم يفتتح مطعمه من شروق الشمس حتى غروبها والذي ربما لا يدخله احد في اليوم قائلا "العمر له دور وأنا لا ارحم نفسي أبدا  أفضل الجلوس ع باب المطعم ولا البقاء في البيت، فحتى يوم الجمعة انزل إلى المطعم بعد الصلاة."
بعد صلاة الجمعة التي يؤديها في جامع النصر المقابل لمطعمه يفتتح أبو عماد المطعم ويجلس فيه رغم يقينه بان لا احد سوف يمر عليه فجميع الناس يوم الجمعة تفضل البقاء في بيوتها، لكنه لا يعرف إلا وان يجلس في هذا المكان الذي دار به قصص وحكايات لا ينساها أبدا، وبعد فترة من الوقت يقوم بإغلاقه ليعود إلى منزله الذي يكون مكتظا بأولاده وبناته وأحفاده، والفرحة التي تملأ قلبه، مع وضع يده على الباب لفتحه وإذ بحفيدته تفاجئه بفتحه له والتي تكون تنتظر جدها بفارغ الصبر على باب المنزل فيحملها ويقبلها بعد فرحة أدخلتها لهذا القلب المسكين، ثم يجمعها مع بقية أحفاده في دائرة ليحدثهم القصص مثلما كان يفعل معه جده في الماضي.
ويذكر أبو عماد سعادته عندما اجتمعت عائلته كاملة في يوم عيد الأم  الواقع ب21  من آذار ويقول "أجمل يوم في حياتي كان الخميس الماضي، لان بناتي المتغربات بعمان جاءوا ليعيّدوا على أمهم".
 ومع ختام جلستنا الأخيرة  معه وقف  أبو عماد لحظة متأملا شريط حياته قائلا "وين كنت ووين صرت يا أبو عماد"، موجها نظره اتجاهنا بابتسامة أعادته إلى شبابه "ألا ليت الشباب يعود يوما لأخبره بما فعل المشيب " . 

 
 
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017