الرئيسية / مقالات
اليمن: اليوم التالي محمد فاضل العبيدلي*
تاريخ النشر: الخميس 28/04/2016 10:19
اليمن: اليوم التالي   محمد فاضل العبيدلي*
اليمن: اليوم التالي محمد فاضل العبيدلي*

 فيما هدأت جبهات القتال في اليمن قليلا بانتظار ما ستسفر عنه الدبلوماسية الدولية، ما يزال مستقبل هذا البلد يكتنفه الغموض. لكن من المؤكد فان الدولة اليمنية الجديدة لا يمكن ان تبنى على المفاهيم والتوافقات التاريخية القديمة التي حكمت هذا البلد قبل العام 2011 ولا على التوافقات الهشة التي سادت قبل انقلاب الحوثيين في اواخر 2014 على الشرعية وقيام الحرب. بغض النظر عن التصورات التي يمكن تطرح وتتداول لمستقبل اليمن، فان التفكير بصوت عالٍ قد يكون مطلوبا للنقاش وبلورة أفضل التصورات لمستقبل اليمن قبل الوصول الى تلك المرحلة. هذه بعض السيناريوهات التي قد تكون متداولة لدى المحللين والمراقبين:

 

السيناريو الاول: تسوية سياسية يبقى بموجبها الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح شريطة التحول للعمل ضمن حركة سياسية او احزاب تمثل تمثلهم ضمن مقومات الحياة السياسية وشروطها التي تم التوافق عليها في وثيقة الحوار الوطني (2013-2014). ورغم ان وثيقة الحوار الوطني هي وثيقة عقد اجتماعي يمني جديد، إلا أن ضمان الالتزام بها وتطبيقها على نحو امثل سيبقى مرهوناً بنوع التسوية السياسية التي يمكن التوصل اليها بين فرقاء الحرب. فالصيغة المطروحة ضمن هذا السيناريو ليست سوى صيغة اخرى لتقنين عناصر التأزيم وإعادة انتاج الأزمة من جديد لأنها صيغة غير قابلة للحياة بل هدنة مؤقتة. فلا الحوثيين سيوقفون التفكير في العودة من جديد للاستقواء ضمن خطة بعيدة المدى قد تتطلب سنوات ومن غير المستبعد أن يعيدوا تسليح انفسهم بشكل افضل. ومن المؤكد أن صالح لن يكف عن شراء الولاءات والذمم في سبيل هدف واحد فقط: الانتقام.

 الأهم من هذا كله هو نوع الصفة التي يتعين التعامل بها مع صالح. فعلى الرغم من ثروته (المغتصبة) ونفوذه فهو غير ذي صفة سياسياً بل انه يتحمل الجزء الأكبر مما جرى في اليمن وجريمته التي أضيفت لسجل جرائمه هي شق المؤسسة الوحيدة الضامنة لسيادة اليمن واستقلاله وهي الجيش عبر شراء الولاءات والذمم. اذا تعامل الفرقاء بما فيهم الامم المتحدة او اي طرف دولي او اقليمي مع صالح باعتباره قوة أمر واقع فهم لا يفعلون سوى إعادة انتاج الأزمة اليمنية من جديد. الشروط نفسها يجب ان تنطبق على الحوثيين الذين يتعين ان يلقوا السلاح ويتحولوا الى حزب سياسي. تبعات هذا السيناريو هي في الغالب اعادة انتاج "حرب/حروب" جديدة.

 

السيناريو الثاني: تسوية تقوم على استسلام الحوثيين وصالح عسكريا وتجريد الطرفين من السلاح مع ضوابط صارمة لمنع تسلحهما في المستقبل. المشكلة ستلوح من جديد مع علي عبدالله صالح. فصالح ليس مداناً بوقوفه في هذه الحرب مع الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية السياسية فقط، بل انه مدان على المستوى الشعبي لسجله في الحكم الذي امتد 32 عاما وخصوصا إستيلائه على ثروات بلغت مليارات الدولارات. هذه الثروة المغتصبة في يد صالح ستبقى مصدر تأزيم مستمر وبالتالي فلابد من اجباره على رد هذه الثروات عبر القوانين والمحاكم الدولية. هذا الاموال الضخمة يمكن ان تشكل اساسا لصندوق تعويضات او تنمية. باختصار، يجب ان يتحمل صالح مسؤوليته في اعمار بلده ومساعدة شعبه. بقاء صالح يجب ان يرتبط بتجريده من كل عناصر القوة وعلى رأسها الأموال. يتعين النظر لهذه الاموال لا من باب التسامح (عفا الله عما سلف) بل من باب التجريم في الحصول عليها اولاً باستغلال السلطة وإفقار اليمنيين وتاليا باعتبار ردها للحكومة شرطاً ضرورياً لضمان نجاح أي تسوية في المستقبل. عدا ذلك سيبقى هذا الرجل عقبة كؤود امام مستقبل أفضل لليمن. تبعات سيناريو مثل هذا قد تدفع الى اطالة عمر الحرب وحالة عدم الاستقرار في المدى المنظور وتزيد من اكلاف الحرب.

 

السيناريو الثالث: إعادة بناء بشكل تدريجي في المناطق المحررة ترتكز على مخرجات الحوار الوطني مع مواصلة الحرب ضد الحوثيين وصالح دون هوادة. يبدو البناء التدريجي واجباً اخلاقياً ضروريا قبل ان يكون ضرورة سياسية. في بعده كضرورة سياسية، سيؤكد مثل هذا الخيار العزيمة القوية للحكومة الشرعية واليمنيين وحلفاؤهم الخليجيين والعرب على تحقيق الاهداف السياسية لهذه الحرب. لا يتعلق الامر بتوفير الخدمات الضرورية بل قد يتجاوز المطلوب هذا بكثير. اهم التحديات التي تقف حائلا دون السير بسرعة في هذا الاتجاه هي التحديات الأمنية التي بات يمثلها تنظيم "القاعدة" في الجنوب.

وعلى الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها تنظيم القاعدة في اليمن قبل سنوت وفي هذه الحرب ايضا، فإن الحرب ضد القاعدة هي حرب ضد علي عبدالله صالح الذي اخترق تنظيم "القاعدة" في اليمن منذ سنوات طويلة وسخرها لخدمة اهدافه. ضرب بقايا "القاعدة" في الجنوب يتطلب حملة عسكرية قائمة على استخبارات واسعة ودقيقة ضد انصار القاعدة تعتمد على العناصر اليمنية بالدرجة الأولى بإسناد من قوات التحالف. هذا السيناريو يقوم على تقديم النموذج السياسي المنشود من اليمنيين وفق مبادى الحوار الوطني للحكم والإدارة ووضع الحرب واقعياً في اطار "التمرد" المدعوم خارجياً اكثر من كونها حرباً أهلية أو حربا تتعلق بمظالم من اي نوع: طرف مذهبي انقلب على مخرجات الحوار الوطني نفسها وسعى للهيمنة على البلاد كلها بالتحالف مع رئيس مخلوع بعد ثورة شعبية.

 

سيناريو غير مطروح: تقدم في جبهة الحرب ضد الحوثيين وتقدم مماثل في التهدئة السياسية لكن مع تصاعد تذمر الجنوبيين وتزايد احتمالات اندلاع حرب محدودة يقودها الحراك الجنوبي مدعوما ببعض قبائل الجنوب للضغط على الحكومة اليمنية من اجل استقلال الجنوب. سيعتمد مصير الجنوب كثيرا على مدى استيعاب وفهم قيادات الحكومة الشرعية اليمنية الحالية والنخبة السياسية اليمنية بشكل عام لمتطلبات المرحلة. ان استيعاب مطالب الجنوبيين قد لا يتعلق بصحة او خطأ خيار الانفصال بل بالضرورة التاريخية. فالانفصال يبدو خياراً صعباً لكنه مطلوب. سيرتبط مصير الدولة الجديدة في اليمن بتطورين حاسمين لا بد من حسمهما: الأول مصير الجنوب والثاني تصحيح العلاقة المختلة تاريخياً بين القبائل والدولة في الشمال لصالح الدولة القائمة على المواطنة. ستتطلب مواجهة سيناريو مثل هذا نضجاً سياسياً عالياً ورؤية بعيدة يملكها رجال دولة حقيقيين قادرين على استيعاب كل دروس التاريخ الحديث لليمن ومعالجة عناصر التأزيم المتجددة فيه وعلى رأسها العلاقة المختلة بين الدولة والقبيلة. توفر الحرب ومناخاتها ظرفاً مؤاتياً جدا لإعادة صياغة الاسس التي يتعين ان تقوم عليها دولة عصرية في اليمن. ابرز المصاعب التي تقف امام سيناريو اعادة البناء هو استمرار نمط عقلية النخبة اليمنية القائم على المحاصصة القبلية ضمن نفس التوازنات الهشة التي حكمت اليمن قبل ثورة الشباب عام 2011 وقبل الانقلاب الحوثي في 2014.

 

المحصلة النهائية: محرجات الحوار الوطني توفر الأرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإعادة بناء الدولة في اليمن من جديد، لكن مثلما اثبت التاريخ دوماً، فان المبادئ تحتاج الى قوة اجتماعية تفرض الالتزام بها. ليس المقصود هنا القوة القسرية او التحالفات السياسية بالضرورة بل تطويع هذه القوة القسرية بيد تحالفات اجتماعية أوسع تضم جميع المواطنين باختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم دون استثناء.

 

 

 

مترجماً عن غلف نيوز – 27 ابريل 2016


تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017