الرئيسية / مقالات
فوبيا السيارات بقلم احمد نبهان
تاريخ النشر: الثلاثاء 06/12/2016 08:44
فوبيا السيارات بقلم احمد نبهان
فوبيا السيارات بقلم احمد نبهان

 على عكس الكل؛ أخاف من أي مركبة تسير على أربع عجلات، بالعادة أفضل الجلوس في الأمام تفادياً لعملية نقل الأجرة بين الركاب، ولكن أثناء الجلوس بالمقدمة تصيبني بعض الهلوسات بشأن حصول حادث سير يصيبني خلال الجولة، فسائق سيارات الأجرة في العادة يسمع الموسيقى، يعيد الأجرة للركاب ويمسك سيجارة بيده وباليد الأخرى يلعب بهاتفه، ألا يشعر هذا السائق بمسؤولية حمل أرواحٍ معه.

أيضا خلاف معظم الناس، لا أخاف الطائرات، فأثناء رحلتي إلى الولايات المتحدة في الصيف جلست بالقرب من النافذة لمشاهدة المناظر الخلابة التي حرمت من رويتها في بلادي، وأثناء الرحلة جالت بعض الأسئلة في خاطري؛ في حال سقوط الطائرة يا ترى من أي باب سأقفز، وهل يأكل معنا الشيطان في حال لم نسمي بالله ونحن بالطائرة، أسئلة راودتني خلال الرحلة.

بعد إقلاعنا بساعتين أو أكثر همست في أذن أخي أن طائرة سقطت ومات جميع ركابها إلا شخص واحد لم يكن يضع حزام الأمان، فلم يستحمل كلامي فغضب مني.

 

أوراق تجعلك حرا

أوقفتني مجندة على حاجز؛ بين فلسطين والأردن، وطلبت جواز سفري، وبعد أن تفقدت الجواز نظرت إلى وجهي لتتأكد بأنني نفس الشخص في صورة الجواز، وفي نفس اللحظة تفحصت أنا وجهها، فَبدت لي فتاة أوروبية من النمش الذي نقش على وجنتيها، أما شعرها الأشقر؛ فقد كان كشعر فتاة أحلام أي شاب عربي يحلم بالزواج من فتاة أوروبية، ثم تفوهت ببعض كلمات بصوت منخفض لم أفهم منها شيء سوى " مقابلة" على ما يبدو، لأفهم لاحقاً بعد انتظاري بعض الوقت أن ما قصد كان "اجلس هنا ستجرى مقابلة معك"، قالتها بلغة عبرية يتخللها بعض العربية، ألا تخجل من نفسها تستعمر بلادنا ولا تعرف التحدث اللغة الأصلية للبلد التي استعمروها بالقوة، مللت الانتظار، فذهبت مرة أخرى لأسألها سبب الانتظار، فخرج جندي مدجج بالسلاح ليصرخ في وجهي "اجلس هنا"، تمتمت ببعض كلمات ألعن فيها "إسرائيل".

انتظرت ما يقارب الثلاث ساعات، فأصابتني نوبة غضب داخلية جعلت عقلي يلغي فكرة هذه الرحلة ويقرر العودة رغم شوقي للسفر، لكن كيف سأعود؟ وجواز السفر معهم، حتى عودتي إلى البيت متعلقة بذلك الجواز، ثم خرج بعد وقت قصير جندي بلباس مدني يحمل مجموعة من جوازات السفر، وبدء ينادي بصوت مرتفع على الأسماء، كأنه يقول لهم انطلقوا انتم أحرار، ولكن، أين اسمي !، اصفر وجهي وزادت ضربات قلبي، ثم أخيرا سمعت اسما يشبه اسمي، واستلمت الجواز منه، لأتذوق طعم الحرية بعد خطوتين.

من يومها وأنا أحاول أن أحافظ على أوراق ثبوتي أشد من محافظتي على صحتي، فالأوراق تلك التي لا تساوي ثمن بخس هي نفسها من يثبت وجودك، من أنت وابن من ،وأي نسب تعود إليه، والأهم أني من خلالها تذوقت طعم الحرية.

 

 

صراع بين فادي والموت

بعد يوم كامل أقضيه بالجامعة عدت إلى المنزل لأرتاح قبل مشاهدة مباراة الكلاسيكو، خلعت ملابسي وتناولت وجبة الغداء، وبدأت بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، كانت كل الصفحات قد تحول لونها إلى الأبيض والأزرق، فأصدقائي جميعاً تحمسوا للمباراة أكثر من اللاعبين أنفسهم الذي يتقاضون رواتب بالملايين شهريا، وبعض الأخبار لبعض المهتمين بالسياسة عن مؤتمر فتح السابع وماذا يخفي لنا هذا المؤتمر.

وأنا أكمل تصفحي، رأيت صورة "فادي طبخنا"،بعد أن لاحظت زيادة صور فادي في اليومين الأخيرين، فدعوت له بالشفاء العاجل وأكملت، أنا أعرف فادي من أيام المدرسة، قبل ما يقارب الثمانية أعوام، وبعدها التقينا في عدة دوريات لكرة القدم، وهو لاعب لنادي "ثقافي البيرة الغريم" التقليدي لمؤسسة البيرة الذي كنت أنا ألعب معه، ولكن؛ لا مشاكل كانت تواجهنا خارج الملعب، ففادي يتسم بأخلاقه العالية داخل الملعب وخارجه.

غبت بعض الوقت عن البيت، وبعد أن عدت لأتصفح مواقع التواصل مرة أخرى، وجدت أول خبر على "الفيسبوك" وفاة فادي، صدمت، ولم أفعل شيء غير أني همست بـ "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وأسرعت لصلاة العشاء التي كنت قد نسيتها، فلا أحد يعرف بأي ارض سيموت.

بين الضياع والتخبط في المدن

الآن أدركتُ أنَّ هذا العالم ليس عالمي ! صدقاً لا أعلمُ لماذا ….
لقد أصابني الجُنون ، لماذا الإستغراب ؟ فأنا من عالمٍ يصعُبُ فهمُه لِأسبابٍ كثيرة ! أتجولُ في شوارعِ المدن لكن … أجدُ نفسي غريباً لست منهم ! سَألتُ أحَدهَم : أين مِقبرةُ المسلمين في هذه البلدة ؟
لم يُجب
سألتُ رجلاً آخر فهبطَ عليَّ كمٌ هائلٌ من الكلمات ! ” أَظُنها شتائِم” ، سألتُ مجموعةً أخرى من الشَّباب فانهالوا عليَّ بالضرب !
في خطابٍ مع نفسي :
من هؤلاء ؟ ما الذي فُعلتُه ؟ انهم غُرباء لا اعرفهم ! أسألُ نفسي مُجدَّداً : من أنا ؟ وماذا أفعلُ هنا ؟
أضحكُ ثمَّ أضحك وتتعالى ضحكتي
النَّاس ينظرونَ اليّ ، سمعتُ أحدهم يقول : ” اتركوه انَّه عربيّ
عُدتُّ الى صوابي مُجدَّداً ، تمتمتُ وخرجَت مني بعض الشتائم ..
وجدتُ رجلاً طويلاً وجهُه منهكٌ من الحياة وأنفهُ يبدو كأنفِ الساحرات وعاريَ القدمين ..
سألته : ما اسم هذا المكانِ الذي أُوجدُ به ؟
أجابني بصوتٍ عميقٍ كعمق البحر : أنتَ هنا بهذا المكان !
فقلت له : أتمازِحُني يا عجوز ؟ لكن لا إجابةٌ تُذكر!…

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017