الرئيسية / الأخبار / فلسطين
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
تاريخ النشر: الأثنين 08/05/2017 06:29
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر

قلقيلية:كتبت اصال هاني ابو سارة/اصداء
آثناء سير حافلة تجوال أصداء المحملة بفريق يتسم بشغف الاستطلاع، حطت رحالها في قرية سنيريا إحدى قرى قلقيلية الصغيرة التي تقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة، لتكون نقطة التجوال الاولى فيها البلدة القديمة، وما تزخر من مواقع ومحطات تاريخية وتراثية.
كان في استقبالنا من نشطاء البلدة البالغ عدد سكانها أربعة آلاف نسمة، كل من ماجد وباسل الرابي وقيس ابو سمرة، يتوارثون تاريخ البلدة، عبر روايات شفوية، يتناقلونها عن كبارهم للاجيال الحالية والقادمة.
مغارة أصحاب الكهف
هممتُ للخروج من الحافلة فكانت أشعة الشمس الارجوانية تمتد لتصل إلى أزقة البلدة القديمة والصخور المواجهة له لتترك شقه الشرقي في الظل، كنا نسير في الزقاق، واستوقفنا باسم الرابي عند مغارة مغلقة لم يظهر من بابها سوى طاقة صغيرة مقوسة غرسة فيها خمسة أو ستة قضبان من الحديد، وقال " هذه المغارة حسب اعتقاد ورواية البعض أنها مغارة أصحاب الكهف الذين اكرمهم الله، وانزل سورة كاملة في القرآن تروي قصتهم، الى جانب روايات اخرى.
يستمر باسل في الحديث عن هذه المغارة، وبدأت اغوص في مخيلتي وكأني عدت الى الوراء قرون من الزمن، وانا الان مع أولئك الناس يسيرون في الأزقة ويمارسون حياتهم اليومية، وانا انظر اليهم دون أن يروني، قطع باسم تخيلي في قوله "انظروا داخل المغارة هناك عظام وجماجم بشرية يعتقد أنها تعود لرجال دين وصُلاح وأن أجسادهم لم تتآكل، و الدماء كانت تسيل منها لمدة طويلة من الزمن، وهذا سبب إغلاق المغارة عليهم خوفا من العبث في الرفاة من قبل الصهاينة في حربي ٤٨ و ٦٧ " .
يتابع وكلنا في حالة ذهول بأن الرفاة كانت تسيل منها الدماء فعاودت السؤال، هل هذا حقيقي؟ هل أنت جاد فيما تقول فرد علي قيس ابو سمرا "انا رايتهم في عيني كان الجلد مهترئ قليلا والدماء تتقطر منه لم تتآكل الجثث الا قبل فترة وجيزة لا تتعدى النصف عقد" باسم وقيس وماجد أصحاب العقود الثلاثة والأربعة شاهدوا ما حصل للرفاة في عيونهم، ترى بماذا كانوا يشعرون عند الوقوف على شباك تلك المغارة، تكاد تظن نفسك في خيال أثناء حديثهم ،كل هذا حصل وانت لست هنا مغارة أصحاب الكهف والرجال الصالحين..



المنزل العثماني على أنقاض دولة رومانية

استمر باسل في الحديث وذكر تفاصيل الأماكن والأحداث، وهو الاخ الاصغر لماجد في أثناء السير والحديث توقفنا عند إحدى المنازل ذات البناء العثماني المقامة على آثار رومانية، باسم كعادته يبدأ سرد قصة المنازل، وكأنه شخص يمتلك المعلومة الكاملة، فيقول "هذه المنازل تعود للعهود ما بين فترة الحروب الصليبية الى حين الفترة العثمانية والبيوت التي كانت تهدم كان يقام على أنقاضها بيوت عثمانية، وهذا إحداها" توقفنا عند إحداها في آخر زقاق كان هناك مربط خيول الى الجانب الأيسر من البيت تدخل بابه تجد ساحة كبيرة مزروع على اول المدخل الياسمين الشامي في الساحة كان من المفترض أن يكون هناك نافورة شامية، إلا أنه غير موجودة الى جانب الأيمن من الباب وبعد سرداب صغير تقع غرفة المضافة.
هذه الغرفة كان يستقبل بها الضيوف والى جانبه ساحة صغيرة تفصل بينها وبين المطبخ الذي كان يتخلل اسقفه ثغرات صغيرة كأنها منافس له الى جانب المطبخ درج كان يودي بك الى سقف المنزل أو إلى طابق ثاني، لا اعلم بالضبط لان نهاية الدرج كانت مفقوده اي تصعد إليه ثم لا تجد سوى سقف المنزل، وهناك جزء اعلى من البناء المهدم الى جانب الدرج غرف المعيشة أو النوم كانت غرفة كبيرة جدا تتسع الى عشرين شخص تقريبا.
ولعلي أعزي سبب ذلك إلى أنه وفي القرن المنصرم كانت العائلة العربية في بلاد الشام تتزوج ويبقى الأبناء في منزل آبائهم ويرثون المنزل جيل بعد جيل ارسم للمنزل صورة في ذهني، واعيد تلوين المكان باشخاصه وزهوره وجدرانه اسمع حرير الماء من نافورة المنزل وصراخ الاطفال حولها والجد في أقصى ساحة يفترش له مقعدا على المقاعد الصخرية التي وضعت مع بناء المنزل حياة تستحق أن تستحضرها في ذهنك

مسجد عيسى السنيري

ما أن انتهى باسل من الحديث عن المنزل عاودنا المسير، وفي الطريق وجدنا مسنة يكاد عمرها يجتاز المئة عام، واسمها ظريفة ترى على ملامح وجهة المتجعد فلسطينية اعتادت الحروب تبادلنا المزاح معها والصور، وعاودنا المسير حيث أوقفنا باسم عند اول مسجد في البلدة القديمة لسنيريا، وهو مسجد عيسى السنيري، الذي جاء مع صلاح الدين الايوبي في حروب المسلمين ضد الصليبيين، حيث كانت سنيريا معقولة لهم وتم فتحها على يد صلاح الدين.
وكانت المدن والقلاع التي تفتح توزع على الجيش بطريقة معينة فاهدي الشامي الشيخ عيسى السنيري قرية سنيريا ومنها جاء اسمها وكان له ثلاث اولاد هم احمد وزين الدين عمر والشيخ ومنهم خرجت ثلاث عوائل حكمت القرية لاحقا.
الى جانب المسجد مقام للسنيري وامام المقام أربعة أضرحة يقول باسم ان الاول لزوجة السنيري، والثاني يقال بأنه لأقدم خادم للمسجد والثالث لجد باسم الشيخ والمقرئ يوسف الرابي والرابع لابنه اي والد باسم الشيخ محمد الرابي.
إلى جانب الأضرحة تصعد قرابة ثلاث درجات تقف على بلاط تحته مغارة، يقول باسم" هذه المغارة كانت مقبرة القرية فعندما يموت الشخص كان هناك سلم ينزل من خلاله إلى قاع المغارة وتوضع الجثة هناك دون دفن اي تبقى كما هي، وايضا ذكر انه في الشتاء كان الناس يضعون الموتى هنا وفي الصيف يدفنونهم في الخارج.

البرك الرومانية
على سفح الجبل عدة حفر وبرك كبيرة يقول باسل الرابي " هذه البرك حفرها الرومانيون وكانوا يستخدمونها لري المزروعات وفي الاستخدامات البشرية، وسقي الحيوانات، وايضا برك خاصة للسباحة فكانت العساكر الرومانية تستخدم هذه البرك للترفيه عن نفسها ويسبحون فيها" .
البرك مستطيلة الشكل جوانبها مقطوعة من الصخر الذي زرع الجبل فيه في إحدى زواياها هناك خمس إلى ستة درجات صخرية كبيرة الحجم تنزل من خلالها إلى قاع البركة ,
في شرودي الذي أصبح يصيبني بين مكان وآخر كأنه زائر ثقيل، عدت استحضر فرسان الرومان يرتدون عباءة بيضاء خط في وسطها صليب احمر، وعلى رؤوسهم خوذة فولاذية امتدت مقدمتها على انوفهم وعن خيولهم يترجلون للوصول اليها.
اعود لزماني وقد انتهت الجولة عدنا الى مجلس القرية، وهناك قدم لنا ماجد وباسم وقيس المشروبات الباردة، وعدنا ادراجنا الى الحافلة التي عادت ادراجها الى نابلس تسير على الطريق والعجلات تصارع المطبات، وانا اتحرك بحركة تلقائية موائمة للحافلة احمل عبق التاريخ، تاركين خلفنا معالم تحتاج لمن يزيل عنها الغبار ويعيد ترميمها.
 

المزيد من الصور
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
سنيريا عبق من الماضي يرويه جيل الحاضر
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017