الرئيسية / ثقافة وأدب
الاحتلال لا تطربه كلاسيكية بتهوفن
تاريخ النشر: السبت 03/05/2014 21:17
الاحتلال لا تطربه كلاسيكية بتهوفن
الاحتلال لا تطربه كلاسيكية بتهوفن

 ما زال البريطانيون يتذكرون الخنافس الاربعة خنفسا خنفسا، في اوائل الستينات،  كانت كل اسطوانة تباع لهذه الفرقة بمثابة اسطورة تروى على كل لسان، تهز ارجاء بريطانيا بموسيقى الجاز الصاخبة، واول من كان يرقص ويغني مع فرقة الخنافس، الجنود البريطانيون بعد عودتهم من ويلات الحرب العالمية الثانية، يفرغون طاقات القتال والمشاحنات ليعودوا اكثر اتزانا في اليوم الذي يليه.

لم تستمر الحرب طويلا، كما لم تستمر الخنافس الاربعة في الظهور، وبعد اتفاقيات السلام التي تلت الحرب الباردة، بدأت كلاسيكيات بتهوفن وموزارت في الظهور بشكل مفاجئ في الاسواق البريطانية و الامريكية وغيرها، بالتزامن مع اخر اغنية للخنافس "ليكن ما يكون".

 وان ارتباط الحرب بالصخب الموسيقي، والسلام بتذوق الموسيقى الخالدة، تدعونا للتساؤل هل الايقاعات الموسقية السريعة الصاخبة هي لغة تطور ام لغة حرب؟

ولنجيب على هذا السؤال لنتذكر قليلا  لقطات من الرسوم المتحركة  توم وجيري، ربما غالبية الناس لا يعلمون انهم يستمعون الى موسقى خالدة لموزارت، مما يقودنا الى ان سرعة عجلة التطور ليس شرطا ان ترتبط بالتذوق الموسيقي الصاخب كمخرج من مخرجات التفريغ للمشاكل المصاحبة عن التطور المعلوماتي الهائل، بل يمكن ان تهذبها وتكملها وليس شرطا ان تقصي احداهما الاخرى.

اما عن كون الموسيقى الصاخبة لغة حرب، وان صدق التعبير لغة "التفريغ" عن الهزائم والويلات   في الحروب والتوترات السياسية، فانها  تساعد على انشار (حمى الفن) كما اسماها نبيل راغب، ويعني بذلك ان الموسقى تذهب وتاتي بشكل سريع، ولا يكتب لها البقاء طويلا، ونحن نلاحظ ذلك جليا في التذوق العام للموسيقى في الوطن العربي حاليا، فيظهر على المجتمع عزوفه عن الموسيقى الخالدة وارتباطه بالموسيقى التي تعيد توازن جهازه العصبي الى ما كان عليه، وتنتهي شحناته  نهاية بغير مكانها، وبعيدة كل البعد عن المسبب الاساسي  لعدم استقراره في حياته.

ولا يجب ان نغض الطرف عن مدخل ومخرج موسيقي من الصراعات بين الدول، المتمثل ببروز الاغاني الوطنية او الشعبية، وهي قيمة قد يسلبها شعب من اخرعبر الاحتلال او الهجرة، كما سلبت الموسيقى الافريقية الارتجالية الى شمال الولايات المتحدة عبر الهجرة، وكما سرقت الاغاني التراثية الفلسطينية الحكائية وانتسبها الاحتلال الاسرائيلي كدليل وجودي لكينونته .

وان البعثات الموسيقية ايضا يمكن ان تعتبر احد وسائل نقل الموروثات الموسيقية، وغالبا ما يكون مصدرها من الغرب الى الشرق،  ويمكن اعتبار النقل هو تفرع للتطور الحضاري الذي يجب ان تصل اليه الدول الفقيرة موسيقيا، بشكل يساوي مرحلة من مراحل تطور الموسيقى البرجوازية في الغرب، وهذا يدعو للشك في النية الحقيقية من تلك البعثات، فان كان الغرب يطمح كل الطموح برقي الذوق الموسيقي في دول العالم الثالث، فلما لم يطمح بجعل شعوبه تطرب على موسيقى الاوبرا،  وان تقِّبل نساءها حين تنتهي؟

وفي النهاية اقول، ان كثرة فرق مثل فرقة الخنافس في الدول تحت الاحتلال، تحول فنهم الموسيقى من فن حقيقي الى فن تجاري، يجمع ملايين المشاهدات في ثلاثة شهور مثلا وينتهي به المطاف في الشهر الرابع الى رصيد بنكي لا اكثر، والخوف الاكبر ان تتعود الشعوب المكبوتة  على الموسيقى التجارية ولا تستريح الا بها، ككرسي هزاز تعودت عليه.

 

مجد حثناوي

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017