الرئيسية / مقالات
فلسطينيو الداخل والنظرة الى المعرفة... بقلم: أ.أشرف سلفيتي
تاريخ النشر: السبت 05/08/2017 15:20
فلسطينيو الداخل والنظرة الى المعرفة... بقلم: أ.أشرف سلفيتي
فلسطينيو الداخل والنظرة الى المعرفة... بقلم: أ.أشرف سلفيتي

يقول صاحب كتاب قدرات غير محدودة الامريكي انتوني روبنز "على مدار التاريخ اخذت السلطة اشكالا مختلفة ومتناقضة من أجل التحكم في حياتنا ففي العصور الاولى كانت السلطة مجرد نتيجة للبيئة الجسمانية ...ومع تطور الحضارة أصبحت السلطة نتاجا للتراث فالقائد كان يحيط نفسه برموز حكمه ...وكان الاخرون يستمدون سلطتهم من الارتباط به، وفي بداية عهد الثورة الصناعية اصبح رأس المال يأتي قبل السلطة والقوة ...ومع ذلك فان أهم مصادر السلطة في العصر الحديث هي تلك التي تنبع من المعرفة المتخصصة.
ثمة نظرة مقلقة للمعرفة في الداخل الفلسطيني،والتي تنتج لنا مفاهيم خاطئة عن المعرفة وهذه بدورها سرعان ما تتحول الى مرجعيات أصيلة تتبناها العامة والخاصة،على اعتبار انها مسلمة مقدسة من تراثنا الفكري،ومجرد مناقشتها يلاقي الاعتراض الشديد في الحد الادنى وتهمة الكفر بالتراث في الحد الاقصى.
وتتلخص هذه النظرة عند العامة بربط المعرفة بالشهادة الجامعية فمن دخل الجامعة بنظرهم فهو عالم ومن لم يدخلها فهو جاهل،وهم بذلك حصروا مصادر المعرفة بمصدر واحد في الوقت الذي تكاد مصادر المعرفة لا تعد ولا تحصى وتحديدا في عصرنا الحديث حيث يشهد ثورة في عالم الاتصالات، ثم ان العامة بقولها هذا أسقطت- من حيث لا تدري- تجربة من تسميه جاهلا في الحياة مصدرا من مصادر المعرفة.
تقول الحكاية ان مثقفا ركب القارب مع شاب أمي في البحر فسأله المثقف هل تجيد القراءة والكتابة؟ فاجبه الشاب بالنفي فقال له المثقف: لقد اضعت نصف عمرك.


ثم ما لبثت ان هبت عاصفة في البحر وقبل ان ينقلب القارب سال الشاب المثقف: هل تجيد السباحة؟ فرد بالسلب فقال له الشاب: لقد اضعت كل عمرك.
على ان العامة في لحظة غضب ممن تسميهم بالمتعلمين تقذف بمعيار الشهادة الجامعية خارج دائرة مواصفات العارف وتتبنى التجربة معيارا وحيدا للمعرفة، وهذه الحدية تجعل الشهادة ضد التجربة ويكأن التجربة والشهادة في حالة صراع حتمي وأبدي واحتمالية اجتماعمها وتوافقهما وتكاملهما مستحلية استحالة التقاء النار والحطب. اما عندما تنال عين رضا العامة العارفين تحيطهم بهالة مقدسة وتجعل منهم علماء يعرفون كل شيء عن كل شيء وهي مبالغة ضررها أكثر من نفعها.
اما النظرة الى المعرفة عند الخاصة فتتلخص بربط نهاية المعرفة بالحصول على اللقب الجامعي الثالث فيتوقفون عن طلب المعرفة بعده، وهنا يمكن الخطر الحقيقي على حصيلتهم المعرفية من ناحية وعلى تقدم المجتمع من أخرى.
إن توقف الخاصة هذا يقود الى تقادم حصيلتها المعرفية في عالم تجدد فيه المعلومات بسرعة فائقة وكمية هائلة في شتى مجالات المعرفة وحقولها المختلفة، اما المفارقة فهي ان الخاصة عملت بجد واجتهاد حتى تصل الى اللقب الجامعي الثالث- الذي يعني ان الشخص اصبح يمتلك ادوات انتاج المعرفة بمفرده بعد ان كان يعتمد على ما انتجه الآخرون- فلما وصل توقف فاضر بنفسه واضر بالمجتمع الذي ينتظر منه تحويل معرفته الى منتج يلبي حاجات الناس ويسهل عليهم الحياة ،كتاجر كان يستورد ما يصنعه الاخرون فلما امتلك مصنعا خاصا به لم يشغل مصنعه وتوقف عن الاستيراد فلا هو استفاد ولا الناس استفادوا ولكنه بذات الوقت يريد ان يحتفظ بلقب تاجر .
ليتحول الحصول على شهادة الدكتوراة في مجتمعنا الى نوع من المفاخرة الاجتماعية بالإضافة الى الحصول على علاوة اجر.


يقولون: العلم ثلاثة اشبار من وصل الشبر الاول تكبر، ومن وصل الثاني تواضع، ومن وصل الثالث علم انه لا يعلم شيا فلا تكن ابا شبر.
التكبر ظاهرة ملحوظة في اوساط الخاصة بسبب المفاخرة الاجتماعية بالشهادات العلمية. وقد تسبب في رفع نسبة العنوسة والطلاق في المجتمع وحرمت الكثير من الزوجات العلم لان الرجال خافوا تكبرهن. وقبل ذلك زاد التكبر الفجوة بين الخاصة والعامة وغير وجة الخاصة للعمل في حقول لا يفقهون فيها الكثير وبالذات في حقل السياسية المحلية.
مركب اخر في نظرة الخاصة الى المعرفة هو ربطها بالمال فاختيار كثير من شبابنا لمجال دراستهم الجامعية مرتبط بالدرجة الاولى بالمال قبل الرغبة والميل والملكة الشخصية مما ينتج لنا بطالة ومهنيين فاشلين وان نجحوا نتيجة الاجتهاد فإنهم لا يصلون الى الابداع.
أراد انتوني روبنز ان يقول لنا ان المعرفة المتخصصة هي سلعة القادة في القرن الحادي والعشرين،وأردنا ان نقول اذا كان هذا القرن قرن خير امة اخرجت للناس فلا بد لنا من تغيير نظرتنا الى المعرفة.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017