نابلس:من غادة اشتيه وانوار دويكات
محل لتصليح البوابير في أزقة أسواق البلدة القديمة في نابلس, تتوجه بوابير نحاسية صفراء تفوح منها رائحة التراث, ومصابيح وذكريات الماضي العريق, ورؤوس الأرجلية المصنوعة يدويا, وزخارف واكسسوارات كأنك في قصر العثمانية , وبداخله مواد نحاسية متراصة فوق بعضها تتدفن تراث اسفلها شارف على الإنقراض, لتتمازج كل الألوان في تلك المساحة الصغيرة لترسم لوحة التراث الفلسطيني العريق.
يزين المحل ابتسامة وترحيب رجل ستيني, محي الدين محمد حاشوش الذي توارث المهنة عن والده, وخلال تحدثه لطاقم أصداء يقول "المحل تجاوز عمره 50 عاما حيث فتحت أبوابه من السبعينيات".

منخفض الرأس ومحني الظهر يستذكر الحاشوش "مرض والدي جعلني أضحي بمستقبلي ودراستي وأتعلم مهنة والدي وأزاولها من السبعينيات للآن".
ويوضح الحاج محي الدين أن حركة العمل في مهنة تصليح البوابير في السبعينيات والثمانينيات كانت أفضل, والإقبال عليها أكثر, ويكمل "كان كل منزل لا يخلو من البابور, حيث كان الناس يستعملون واحد أو اثنين منه, حتى إن اشتهى الشخص فنجانا من القهوة كان يستخدم البابور لصنعه".
"يا حسرة على التراث بدهم تراث ما بدهم يدعموه", يتحسر الحاج الحاشوش على أيام مضت وعلى تراث شارف على الإنقراض ويشير "منذ التسعينيات بدأت تتعرض مهنة تصليح البوابير, فظهور الكهرباء والبويلرات والحمامات الشمسية وأضواء التخزين والغاز, كل ذلك لعب دورا كبيرا في تقليل الإقبال على شراء البوابير".
ما يقارب سبعون عاما والحاشوش يتمسك بمحل والده, يحاول ايجاد حل لإبقاء المحل على قيد الحياة, فزاول مهنة إلى جانب مهنة تصليح البوابير, عن طريق أخد دورة إلكترونيات في مدينة رام الله ليتعلم صناعات وعمل آخر بجانب عمله القديم, ويضيف الحاشوش "بدأت في صنع الأراجيل والإكسسوارات وبيع الصوبات في فصل الشتاء, وتصليح أفران الغاز, فالناس هذه الأيام تشتري البوابير كمناظر تراثية لا لإستعماله".
لقمة العيش صعبة في هذا الزمن, فكل انسان أصبح يسعى لإيجاد مهنة مجدية في الوقت الحالي, فكثير من المهن القديمة المهمة تتسارع للإنقراض, أو تتحول لمناظر معلقة على الجدران تنتظر دعما ماديا, واهتمام للحفاظ عليها كموروث فلسطيني قديم.