الرئيسية / ثقافة وأدب
التشفير و الألغاز والتعليم..وظائف غير اعتيادية للشعر
تاريخ النشر: الثلاثاء 12/09/2017 10:46
التشفير و الألغاز والتعليم..وظائف غير اعتيادية للشعر
التشفير و الألغاز والتعليم..وظائف غير اعتيادية للشعر
عرف العرب الشعر كنظم موزون له وزن وقافية وقصد، فالشعر الذي لا غرض منه لا يعد شعراً وسمي قائل الشاعر شاعراً لفطنته وذكائه وروايته، وتعارف العرب على أن أغراض الشعر تشمل الوصف والمدح والهجاء والفخر والغزل والرثاء وغيرها من الأغراض الأدبية التي تعارف عليها الأدباء للشعر والنثر، لكن هناك أغراضاً غير تقليدية وغير معتادة للشعر قصد منها بعض الشعراء إثارة الذهن أو القصة أو إثبات المهارة الشعرية أو الطرائف.. وفيما يلي عرض لبعض هذه الأغراض غير التقليدية للشعر.


 

الرسائل: ليس للبراق عيناً فترى
 

اختطف أمير فارسي ليلى بنت لكيز بن أسد العفيفة وهي شاعرة عربية في عصر الجاهلية من قبيلة ربيعة بن نزار، لابن عمها البراق بن روحان الذي كانت تحبه، وحاول الأمير الفارسي الزواج بها وعرض عليها العطايا والعقوبات لكنها رفضت وأرسلت ليلى لابن عمها مع راعي غنم قصيدة فأسرع بالكلمات لابن عمها وأنشده شعرها، فحشد البراق الفرسان واجتمع مع قبائل بيعة وأحلافهم وسار لقتال الأمير الفارسي ليستنقذ ليلى من الأسر وانتصر وأعادها بعد أن قتل أخاه غرسان في بلاد الفرس فرثاه بأبيات شعرية جميلة حفظها العرب.
تقول ليلى:
لَيتَ للِبَرّاقِ عَيناً فَتَرى ما أُقاسي مِن بَلاءٍ وَعَنا
يا وائِلاً ويا عُقَيلاً وَيلَكُم يا جُنَيداً ساعِدوني بِالبُكا
عُذِّبَت أُختُكُمُ يا وَيلَكُم بِعذابِ النُكرِ صُبحاً وَمَسا
يَكذِبُ الأَعجَمُ ما يَقرُبُني وَمَعي بَعضُ حِساساتِ الحَيا
قَيِّدوني غَلّلِوني وَاِفعَلوا كُلَّ ما شِئتُم جَميعاً مِن بَلا
فَأَنا كارِهَةٌ بُغيَتكُم وَمَريرُ المَوتِ عِندي قَد حَلا
أَتَدُلّونَ عَلَينا فارِساً يا بَني أَنمارَ يا أَهلَ الخَنا
يا إِيادُ خَسِرَت صَفقَتُكُم وَرَمى المَنظَرَ من بَرد العَمى
يا بَني الأَعماصِ إِمّا تَقطَعوا لِبَني عَدنانَ أَسبابَ الرَجا
فَاِصطِباراً وَعَزاءً حَسَناً كُلُّ نَصرٍ بَعدَ ضُرٍّ يُرتَجى
قُل لِعَدنانٍ فُديتُم شَمِّروا لِبَني الأَعجامِ تَشميرَ الوَحى
وَاِعقِدوا الراياتِ في أَقطارِها وَاشهَروا البيضَ وَسيروا في الضُحى
يا بَني تَغلِبَ سيروا وَاِنصُروا وَذَروا الغَفلَةَ عَنكُم وَالكَرى
وَاِحذَروا العارَ عَلى أَعقابِكُم وَعَلَيكُم ما بِقيتُم في الوَرى
ويقول البراق في رده عليها:
لا فرجن اليوم كـل الـغـمـم من سبيهم في الليل بيض الحرم
صبراً إلى ما ينظرون مقدمـي إني أنا البرَّاق فـوق الأدهـم
لأرجعن اليوم ذات الـمـبـسـم بنت لكيز الـوائلـي الأرقـم


 

ألغاز وأحاجي الشعر
 

استخدم بعض الأدباء أبيات الشعر لعمل ألغاز وأحاجي فقال أحد الشعراء:
يا نَابِهَ الفِكرِ قُلْ لي ما ساكنٌ في القبرِ
وليس فِيه حيـاةٌ ولا دمـاءٌ تسرِي
وليس صِنْفَ جَمَادٍ ولا نَـبَـاتاً بِبَرِّ
تراهُ فِي البَرِّ دَوْماً مَع أنَّه فِي البـحرِ
والجواب هو (حرف الباء)، موجودة في كلمات القبر والبر والبحر.
وقال الشاعر الصوفي ابن الفارض
ما اسمُ شيء مِنَ النَّباتِ، إذا ما قَلَبُوهُ وَجَدْتَهُ حَيَوَاناً
وإذا ما صَحَّفتَ ثُلثيهِ حاشا بَدأهُ ، كُنتَ واصِفاً إنسانا
والجواب هو (الليف) إذا قلبته كان حيوان الفيل وإذا صحّفته وصفت الإنسان بأنه وفي.
وقال ابن سارة الأندلسي عن (الشمعة)
ومشبوبة زهراء في فحمة الدجى لـها سطر تبر قام خط استوائه
كما انقض من أعلى السموات كوكب وخلى عموداً خلفه من ضيائه


 

التعليم
 

استخدم الشعر لأغراض التعليم، بغرض تسهيل حفظه في الذاكرة على شكل منظوم وموزون منذ القرن الثاني الهجري، واشتهرت عدد من المتون العلمية مثل متن ألفية ابن مالك ومنظومة الشاطبي في علوم القراءات، 
لا نستطيع أن نسمي "النظم التعليمي" شعراً بمفهومه الأدبي التقليدي، ولكنه نظم موزون لا يعبر عن وجدان وعقل صاحبه كما الشعر ولكنه نظم ومتون لها قافية تساعد على حفظ واستيعاب العلوم اللغوية والدينية.
وأشهرها ألفية ابن مالك العالم اللغوي الأندلسي، وهي متن يضم أغلب قواعد النحو والصرف العربي، في أبيات تصل للألف بيت تستخدم في الحفظ والاستشهاد للقواعد، ولها شروح وحواشي مختلفة لأبياتها.


poetry arabic

ابتدأ ابن مالك ألفيته بالمقدمة فقال:
قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِك.. أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ
مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى.. وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ.. مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ.. تَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ.. فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاً.. مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا
واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ.. لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
ثم قام بتعريف الكلام في اللغة العربية وما يتألف منه، فقال:
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ *** وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ
وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ *** وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُــؤَمّ


 

التشفير والتعمية
 

تستخدم اللغة الشعرية في التشفير الذي يسمى في التراث ب"التعمية"، وذلك من خلال إخفاء المعنى، بتحويل النص الواضح الدلالة لنص عادي غير مفهوم بالنسبة لعموم الناس أو حتى التحذير والإنذار، واستخدم العشاق الشعر العربي للتلميح بالحب والغزل الذي لا يفهمه إلا المحبوب، أو حتى للمواعدة، وروي أن أحد الشعراء أوصى عائلته بالثأر من قطاع الطرق الذين هاجموه واحتفظوا بوصيته وذاعت الوصية حتى ثأرت قومه من قتلته عبر شعر معمى "التعمية أو التشفير".
ومن أشهر الأمثلة أبيات نصر بن سيار المشهورة التي يحرض بها على بني أمية وخليفتهم عندما خرج العباسيين عليهم، وذاعت حتى أصبح المعنى واضحاً وغير معمى.
أرى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالزندين توري
وإن الحرب أولها كلام
وكتب نصر بن سيار أيضا إلى نائب العراق يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده قائلاً:
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه وقد تحققت أن لا خير في الكذب
بأن أرض خراسان رأيت بها بيضا إذا أفرخت حُدثتَ بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت ولم يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يحتل لهن بها يلهبن نيران حرب أيما لهب


 

كتابة التاريخ
 

لأن الشعر ديوان العرب، لجأ مؤرخون للشعر لستجيل وتخليد الرواية التاريخية وأنشدوا التاريخ شعراً، ويعتبر الشعر من المصادر التاريخية منذ القديم، فقد استعان به المؤرخ الإغريقي هوميروس كمصدر قبل أن يعتني المؤرخين العرب بالشعر لدرجة تدوين أحداث تاريخية بالأرجوزات الشعرية لأنها أسهل أنواع الشعر ومنهم الطبري والمسعودي وابن عبد عربه والأصفهاني، ومن أشهر شعراء التاريخ العرب عبد الله بن المعتز الذي عاش في عصر الخليفة العباسي المعتضد وكتب عن أحداث تاريخية كثيرة منها ثورة الزنج، يقول فيها:
ما زال حيناً يخدع السودانا ويدعي الباطل والبهتانا
وقال سوف أفتح السوادا وأملك العباد والبلادا
فخرب الأهواز والأبلة وواسطاً قد حيل فيه حله
وترك البصرة من رماد سوداء لا توقن بالميعاد
وسجل عن خبر سفارة بيزنطية جاءت لبغداد في عصر المعتضد فقال 
وملك الروم أتى كتابه بزلة تزفه أصحابه
فأدخلوا بغداد في شهر رجب وأيقن الترك بصغر وغلب
وسأل الهدنة والفداء فلم يجد من دائه شفاء
وتوسع تدوين التاريخ شعراً عند الأندلسيين وبرع ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد في وصف الأحداث التاريخية، فيقول في وصف معركة بنبلونة في شمال شرق الأندلس:
وانصرف الناس إلى القليعة فصبحوا العدو يوم الجمعة
حتى تداعى الناس يوم السبت فكان وقتاً يا له من وقت
فأشرعت بينهم الرماح وقد علا التكبير والصياح
وقال ابن عبد ربه أيضاً يصف وقت دخول جيوش الناصر مدينة طليطلة بعد حصار أكثر من عامين لفتحها فيقول:
حتى إذا ما سلفت شهور.. من عام عشرين لها ثبور
ألقت يديها للإمام طائعة.. واستسلمت قسراً إليه باخعة
فأذعنت وقبلها لم تذعن.. ولم تقد من نفسها وتمكن
ولم تدن لربها بدين.. سبعاً وسبعين من السنين
ومبتدى عشرين مات الحاجب.. موسى الذي كان الشهاب الثاقب
وبرز الإمام بالتأييد.. في عدة منه وفي عديد
صمدا إلى المدينة اللعينة.. أتعسها الرحمن من مدينة
مدينة الشقاق والنفاق.. وموئل الفساق والمراق
حتى إذا ما كان منها بالأمم.. وقد ذكا حر الهجير واحتدم
أتاه واليها وأشياخ البلد.. مستسلمين للإمام المعتمد
فوافقوا الرحب من الإمام.. وأنزلوا في البر والإكرام
ووجه الإمام في الظهيرة.. خيلاً لكي تدخل في الجزيرة
جريدة قائدها دري.. يلمع في متونها الماذي
فاقتحموا في وعرها وسهلها.. وذاك حين غفلة من أهلها
ولم يكن للقوم من دفاع.. بخيل دري ولا امتناع

وقوض الإمام عند ذلكا.. وقلبه صب بما هنالكاِ

 

المصدر: HUFFPOST

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017