الرئيسية / مقالات
الـتـابـوهــات بقلم رامي مهداوي
تاريخ النشر: السبت 16/09/2017 19:52
الـتـابـوهــات بقلم رامي مهداوي
الـتـابـوهــات بقلم رامي مهداوي

رغم حُبي للكتابة، إلاّ أنني أجد ذاتي عاجزاً بالوقوف أمامها ومواجهتها والذوبان بها، كعاشق أصابه الشلل في اللحظة الحاسمة للنهوض أمام الجميع ومراقصة حبيبته. هذا العجز الذي أصاب عقلي بحالة من الخوف والرعب من أي محاولة في التعمق كَكاتب عامود أسبوعي بالقضايا المختلفة_ وما أكثرها_ التي تحيط بنا.
لا أعرف إذا ما كان الخوف هو من انتصر وتفوق على "أنا الكاتب"، وفي أعماق ذاتي أسمع صوتاً يهمس: لم ينتصر! أنت من ابتعد عن مواجهة الواقع في ظل الانهيارات المختلفة التي تؤثر على نزاهة معركة المواجهة والمساءلة والحفاظ على صاحبة الجلالة كونها السلطة الرابعة.
حالة الشلل التي أصابت الجهاز العصبي في جسم كتاباتي جعلتني أهرب أو/و أتهرب من التفكير بالمشهد العام، حتى أيقنت أنني لست موجوداً _بناءً على الشك الديكارتي_ ما دمت لا أفكر ولا أكترث بما هو حولي، لكن ما هو حولي أيضاً لا يكترث بما هو حوله! وكأننا أصبحنا مجتمعاً افتراضياً هُلامياً يهرب من الحقيقة بالاختفاء أو الانسجام والتأقلم مع ما نرفضه كحالة من الخلاص.


تابوهات مختلفة من حولي تتكاثر، بعد أن كانت الحقول المختلفة تزدهر بعملية النقد البنّاء، إلا أن هذه الحقول أصبحت تنمو بها الألغام لتشكل تابوهات يمنع المساس بها تحت ذرائع مختلفة: مواجهة الاحتلال أولاً! إنهاء الانقسام أولاً! المرحلة صعبة! الحذر من الطابور الخامس! الأجندات الخارجية! ازدراء الأديان! "بلاش تنحسب على أبو فلان"! "الموضوع أكبر منّا... اختصر"!
وأخطر ما في الموضوع هو أن التابوهات تنشطر إلى تابوهات متنوعة وبأحجام مختلفة، يمنع المساس أو الحديث أو التعامل معهم، وإن وقع المحظور وتم المساس بأي تابو تعاقب بمقدار الجرم الذي صنعته.. بمقدار حجم ونوع التابو.. تعاقب بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعندما ننعم النظر نجد أن هذه التابوهات منسجمة مع بعضها البعض، بل وأكثر من منسجمة فهي تحافظ على مصالح بعضها البعض، هناك شبكة غير مرئية بين التابوهات لتغذية وتقوية بعضهما. فنجد التابو الديني والتابو الاقتصادي والتابو السياسي والتابو الاجتماعي والتابو الثقافي وما يولد منها من تابوهات فرعية يسند بعضهما البعض؛ من أجل عدم انهيار منظومة التابوهات في المجتمع ويؤدي انهيار تابو إلى انهيار الجميع.
كلما حاولت الكتابة في قضية أصاب بشلل وعجز، لينجح الرقيب الذاتي بمنع "أنا الكاتب" من الكتابة بعمق ونقد بنّاء في التابوهات. ويربكُني كل يوم ما أشاهده وأقرؤه وأسمعه من قصص ضحايا التابوهات التي يتم تداولها كخبر عاجل وعابر فقط لا غير، لأنه أكثر من ذلك يعتبر مساساً بالتابو!!
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017