الرئيسية / الأخبار / فلسطين
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين
تاريخ النشر: الأحد 15/10/2017 05:11
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين

كتبت تيماء حسون
أكوام من الحجارة يتصاعد منها الغبار الأبيض المتطاير في السماء، ليشكل سحابة يطغى على المنظر العام لبلدة جماعين، وأصوات الجرافات والكسارات تملأ المكان، لتهتز بها السفوج والجبال، وكأنها تحذر بحدوث زلزال، فيما المحاجر والكسارات تنتشر على المرتفعات والوديان والمنازل، مشكلة لوحة تمزج بين الامتداد العمراني والمصانع.
على بعد 16 كيلو متراً جنوب غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، تتربع بلدة جماعين التي يشتهر حجرها بأنه من أفضل أنواع الحجر، ليس فقط في فلسطين وإنما على مستوى العالم، وأزدهرات تجارة الحجر في جماعين، ليصل عدد الكسارات نحو 6 كسارات و33 مقلع حجر، وتعمل بشكل متواصل من الساعة السادسة صباحاً حتى الثامنة مساءً.
وبالرغم من هذه النعمة التي يتمتع بها اقتصاد جماعين، إلا أنه يعتبر بالنسبة لشريحة من أهالي البلدة، ذا اثر سلبي على البيئة حيث يعاني بعض السكان من أضرار صحية، سببها مقالع الحجارة والكسارات التي تقع ضمن المخطط الهيكلي للبدة، فهي تؤدي إلى تشويه المنظر الجغرافي لبلدة جماعين من حيث تجريف الأراضي الزراعية، وعدا عن ذلك انتشارها بين المنازل، وتهديد البيوت المحيطة بها بالانهيار، وكما تساهم بإنتشارالأمراض بفعل تلوث الهواء والضوضاء الناجمة من الجرافات والكسارات.
حمد زيتاوي رئيس بلدية جماعين، ورئيس اتحاد المحاجر في منطقة الشمال وصاحب كسارتين في بلدة جماعين يقول لموقع (أصداء الإخباري) تبلغ مساحة أراضي جماعين حوالي 28000 دونم، أغلبها مقام عليها محاجر وكسارات، فهناك نحو 33 مقلع حجارة جميعها منشآت صناعية من مناشير وكسارات.
وينوه إلى أنه لا يوجد في بلدة جماعين بطالة، حيث أنها معدومة لأن جميعهم يعملون في المحاجر، عدا عن أن حجارة جماعين جميعها من الصخور الرسوبية وليست البركانية، لذالك تأخذ جميع الصخور ميزة الرسوبية، وألوانها القريبة من بعضها، ولكن ليست نفس الألوان.
ويتحدث زيتاوي عن المحاجر قديماً، حيث كانت جماعين تشتهر بصخور بن العامود، والتي تعتبر أنظف أنواع الصخور، ولكنه الآن غير موجود ويوجد فقط في منطقة (س)، أما الصخر بعد بن العامود فهو الصخر الأزرق.
الصخر الأزرق


يعرف الحجر الجماعيني باسم " الجماعيني الستيني " أو الحجر الأزرق، ويتراوح سعره للكوب الواحد الخام في الوقت الحالي، مع ارتفاع سعر المحروقات، بين 1300 و 1400 شيقل، ولكن سعره لم يؤثر سلبا على استهلاك الناس له، نظراً لجودته وتميزه عن باقي الحجارة.
ويتابع زيتاوي، حديثه بأن حجارة جماعين يمتاز بصلابة عالية، فنسبة شربة للماء ولونه قليلة جداً، لذالك فأنه يحافظ على لونه الأزرق والكريمي، عدا عن الألوان الأبيض والأحمر والأصفر الفاتح، حيث أنه أفضل أنواع الحجارة قاطبة في الأراض الفلسطينية .

ويذكر رئيس بلدية جماعين أن معالم الحضارات القديمة، والتي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه في العديد من دول العالم، دليل على عدم استخدام الإنسان للحجر الطبيعي من زمن بعيد، فها هي منازل جماعين وعصر بني قدامه، ليدل أن الإنسان قديماً كان يعمل بشكل يدوي، وبعدها تطور حسب الفترات الزمنية، فتحول من اليدوي إلى ماكينة التفجير البارود، ولكن تم منع هذا النوع لخطورته.
ويقول أن البلدية ألزمت أصحاب المقالع الحجر، على الإلتزام بالقواعد والإرشادات التي سنتها وزارة البيئة، والتي تتمثل بوضع سواتر للمحاجر، وزراعة أشجار واستخدام الماء في جاروشة الكسارة، وفي حال عدم الالتزام بهذه القواعد يتم رفع تقرير للوزارات، إلى أن دور البلدية ينتهي، ماعدا ذالك أن لبلدية جماعين المخطط الهيكلي والذي يحدد المناطق، التي يسمح بإقامة المنشآت مراعية بعدها عن المناطق المأهولة بالسكان.

يقول رامي رايق أبو عمر صاحب مقلع صخر في بلدة جماعين، والذي يعمل بالمجال منذ أن كان عمرة 17 سنة، أن المحاجر تعتبر بالنسبة له كل شئ، وأنه لا يواجه أيه صعوبات في عمله بالمحاجر، كما يؤكد أنه حر نفسه لا يضطر للعمل في إسرائيل أو العمل مع الآخرين.
ويعدد أبو عمر مراحل استخراج الحجر حيث في البداية يقوموا بالنزول نحو 20 متر تحت الأرض، ولكن هذه الفترة تحتوي على حجارة غير صالحة لعمل الحجر، حيث تسمى دبش، وكما أنهم يتأكدون في هذه المرحلة على مواصفات الحجر من حيث: (القوة، والصلابة، واللون، والمسامية: (وهي نسبة امتصاص الحجر للماء))، حيث يتم استخدام حفارات كبيرة تعمل على فصل الصخور وتقطيعها بأحجام كبيرة.
ثم تأتي مرحلة قص وتحضير الحجر وبعدها يتم استخراجه من الأرض لتنقل الصخور من المحاجر إلى مناشير الحجر، بواسطة شاحنات كبيرة لقصها حسب المقاسات، حيث تستخدم في قص الحجر والحفر عليه تقنية الليزر، أو بواسطة ضغط الماء والتي تعرف باسم (نفث الماء).
يليها مرحلة دقاقة ونقش القطع الحجرية، حيث نقوم بالنقش يدوياً أو آليا، بإستخدام الآلات الكهربائية أو بواسطة آلات ضغط الهواء، كما ينتج لدينا أنواع متعددة من البناء منها حجر ملطش(منقر)، مسمسم، طبزة، ومطبه( مطبوب)، مجلي .
ويشير رامي الرايق إلى ايجابيات وميزات الحجر الفلسطيني الذي يعتبر من أفضل الحجارة على المستويين العالمي والعربي، وخاصة تميزه بالجمال والبياض، بالإضافة إلى انه لا يتغير لونه مهما طال الزمن.
رامي أحد العاملين في مقالع الحجارة، والذي يبلغ 16 سنة، يقول انه يعمل في المحاجر منذ 6 سنوات حيث يتنقل من المدرسة إلى العمل مباشرة، كما أنه لم يتعرض لأي مخاطر، ويقول أنه عمل جميل وممتع.
يقول أحمد زيتاوي " صاحب مقالع صخر في جماعين"، أن الحجر يكون أحيانا في حالة جيدة أو خسارة، ويعتمد ذالك على نوعية الحجر، حيث يوضح أنه في بعض المناطق، يستخرج ما قيمته من 70 إلى 100 ألف دينار أردني للدونم الواحد من الصخر، في حين مناطق أخرى تشكل خسارة فادحة لا تظهر إلى عندما يتم الكشف عنها، وهي عملية إزالة طبقة سطحية من التراب للوصول إلى الحجر الصلب، ليظهر إذا كان الحجر جيد أو غير صالح للبيع.
ويتحدث زيتاوي عن الحجر الجماعيني حيث يعرف بصلابته وقدرته على التحمل، إضافه إلى قلة الفراغات فيه فهو يمتص نسبا قليلة جدا من الماء، نظراً إلى تراصي جزيئاته، الأمر الذي يساعد على الحفاظ على لونه فلا يمكن أن يتغير لونه أو وزنه عند نقعه في الماء، كما يمتاز هذا النوع من الصخر بأنه أبيض مائلا للأزرق فهو يستخدم في البناء بمختلف أشكاله.
وينوه زيتاوي أن جماعين من أكثر البلدات انتعاشاً على الصعيد الاقتصادي في محافظة نابلس، مبيناً أن حيوية جماعين تنبع من احتوائها الحجر المعروف " بالذهب الأبيض" فهذه الكسارات والمحاجر أعادة الحياة في جماعين لتجعل منها، أول المناطق في أنتاج حجر فائق الجودة وليس له مثيل.


وإلى جانب التمتع الاقتصادي التي تشتهر به البلدة، فهذه الكسارات وفرت فرص عمل لمئات الشباب الجماعييني.
أضرار هواء جماعين
يقول الدكتور تيسير زيتاوي وهو أحد سكان البلدة، على الرغم بأن المحاجر والكسارات في جماعين تساهم في تحسين الدخل الاقتصادي في البلدة، إلا إنها تتسبب في أضرار صحية, لا يمكن تجاوزها,
ويتطرق زيتاوي, إلى المشاكل الصحية الناجمة عن المحاجر والتي يتعرض له الإنسان, نتيجة الغبار المتصاعد من المحاجر والذي يعم أرجاء البلدة ومنها, تليف الرئتين ويحدث نتيجة استنشاق الغبار, والذي يصل إلى نسيج الرئة عدا عن التهيج والالتهاب نتيجة التعرض المستمر للغبار والأتربة, والربو .

إجراءات السلامة
بالرغم من كل ما تسببه المحاجر والكسارات, إلى أن العمال لا يأخذون الحذر عند العمل، فهذا ابو أمجد (50 عاما ) وهو عامل بأحد مقالع الحجر, يقول لا حاجة إلى أساليب الوقاية، حيث أنه لا يتبع أي وسيلة, من إجراءات السلامة. ويقول بعد محطة صمت " فنصيب الإنسان لا بد أن يصيبه سواء في عمله في المحاجر أو في مكان آخر".


 

المزيد من الصور
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين
الذهب الأبيض... كنز جماعين الدفين
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017