الرئيسية / الأخبار / فلسطين
الدكتور نصر نجاحٌ خرج من رحم معاناة
تاريخ النشر: السبت 17/05/2014 11:24
الدكتور نصر نجاحٌ خرج من رحم معاناة
الدكتور نصر نجاحٌ خرج من رحم معاناة

 

الدكتور نصر نجاحٌ خرج من رحم معاناة

روزين أبو طيون-صفاء ديريه

يجلس خلف مكتبه ببدلته الرمادية متكئاً على الطاولة، بنظارته الطبية وشعره الشائب وملامحه العفوية التي تروي الماضي الجميل، يضع أمامه كوب من الشاي ناظراً إلينا ليبدأ قصصه التي لم ولن ينساها فرحاً لتذكيرنا له لهذه الروايات التي غطاها غبار الزمن، ولكن في ذاكرته ما زالت كما هي كأن كلُ هذه السنين حصلت في يومٍ واحد, تذكرها بتفاصيلها وكأنها حصلت بالأمس, يبتسم ويأخذُ رشفة شاي ويبدأ حديثه.

 

شاب عاش في عائلة فقيرة للغاية في قرية الجديدة (جنين) عانت الأمرين، لم يكن لدى أبيه أي موردٍ للمال تزوج ولده وعاشا في غرفة، كانت هي الحمام والمطبخ ومطرحٌ للنوم في آنٍ واحد، رزقهم الله بـ ابنهم البكر(نصر) في تاريخ 3\2\1968 وبولدين أثنين من بعده, لم يكونوا يستطيعوا أن يقدموا لهم مستلزمات الحياة الضرورية والعيش الكريم.

 

يتحدث نصر مستذكراً أولى أيام حياته ومعاناة طفولته سارحاً مطلقاً لذاكرته العنان "كانت حياتُنا صعبه مليئه بالأوجاع والمعاناة، فمنذ طفولتي وأنا أعاني من أمراضٍ كثيره وأعاني حساسية من أبسط الأشياء وكنت أصل الى مرحلة الموت، فكانت أمي تحملني على يديها وتمشي بي مسافة 5كم ذهاباً الى ميثلون و5 كم إياباً حتى تقوم بمعالجتي، في عمر 6 سنوات بدأت العمل لكي أوفر حاجياتي أنا وعائلتي، فقمت ببيع البقدونس والفجل وكان الأساتذة يشفقون علي فيقومون بالشراء مني مع أنهم ليسوا بحاجة فهم فلاحين ويزرعون بأرضيه، وكنا ننزل من الجديدة إلى الفارعه 5 - 7 كيلو من أجل أن نأتي بالخيار ونبيعه أنا وإخوتي في القرية لكي نستطيع أن نسد مصروف المدرسة".

 

ويكمل القصة "عملت في أرض طوباس وكنت أجيراً، بحيث كنت أقوم انا وأخوتي بتنظيفها وإزالةِ الحجارة منه، ولكن حتى هذا اليوم كلما أمر بجانب الأرض أشعر بأنها ملكي وأستذكر الماضي هناك، استذكر كل لحظه عملت بها في تلك الاراضي الحارة، ويعود الى مخيلتي كيف كانوا يعاملوننا كالعبيد وكيف كانوا يطعموننا حب زيتون واحدة فقط مع قطعة خبز صغيرة".

 

يتابع الدكتور قصته "في عمر 16 في عام 1984 أصبح لدي هوية، وكنت قد علمت أن مصنع لتعليب المعلبات في مدينة الخضيره يدعا (البريزيه) كان قد طلب عمال فوق 18 من عمرهم، وأنا في وقتها كنت قصيره القامة وضعيف البنية وعمري 16، وكنت بحاجة كثيراً لهذا العمل لأنه إن لم أعمل فلن أستطيع ان أكمل دراستي، فعملت على تزوير هويتي بحيث قمت بنزع بعض الأرقام التي كانت على دخان الأمبريال ووضعتها مكان تاريخ الميلاد في هويتي عن طريق نزع اخر رقمين من الدخان(66) بحيث انها كانت تشبه ارضية الهوية بنفس اللون البرتقالي وقمت بلصقها، حتى في النهاية كانت قريبة جدا من الهوية الحقيقية، وبالتالي انطلت هذه الخدعه عليهم، وبهذا اصبح عمري في الهوية 18 عاماً وعملت لديهم ما يقارب الثلاثة أشهر اي طوال العطلة الصيفية، حتى في المدرسة كان الطلاب يعتقدون بأني أكبر منهم بسنتين ولكن في الحقيقه انا كنت من عمرهم، وعندما كانوا يسألوني ع السبب أقول لهم بأني تأخرت في دخول المدرسة لهذا أنا أكبركم بسنتين".

 

"فيما بعد كبرت العائلة وأصبحنا أربعةُ شبابٍ وثلاثةُ بنات، في مرحلة أسميها صراعُ البقاء عمل أبي على تكبير البيت بإضافة غرفة واحده فقط، وهكذا أصبح البيتُ عبارة عن غرفتين والغرفة الثانية كنت أنام فيها أنا وأخوتي وأخواتي وهي نفسها التي كنا تستخدمها للإستحمام، وإذا أراد أحدٌ منا أن يقضي حاجته كان يفعلها بالعراء،  وفي الليل كانت أمي تضع وعاءاً في زاوية البيت لمن يريد ان يقضي حاجته، وفي الصباح تقوم بإخراجه لتنظيفه وإعادته مرةً اخرى إلى تلك الزاويه".

 

"أما الأن وبحمد الله انا وأخوتي حصلنا على أعلى مستويات من التعليم وحصلت على درجة الدكتوراه من أميريك، ولكن اخواتي لم يحالفهن الحظ مع أنهن كن يتمتعن بذكاءٍ حاد، ولكن بسبب الظروف الإجتماعية السيئة كن يخرجن من الصف الخامس ويجلسن في البيت منتظرات نصيبهن بالزواج، وأستذكر أيضا في يومِ خروج أختي الكبرى شهرزاد من المدرسة، أتت الست فوزية وهي مديرة المدرسة إلى بيتنا لتتحدث إلى أبي،  قالت له "انا حرمت من الأطفال وابنتك بالنسبة الي هي ابنتي, وأنا مستعدة أن أتكفل بكل مصاريفها وليس لدي أي مشكلة بأن تبقى في بيتكم، ولكن أريدهاُ أن تكمل تعليمهاولكن أبي بعقليته الشرقية رفض الموضوع، معتبراً هذا الكلام مؤثراً على كرامته فتحجج بأنه يريد من أختي أن تساعد أمي لأنها متعبه، عزة نفسه حرمت أختي من التعليم، ولكن هي اليوم تقوم بتعليم أبناها وتدخلهم أفضل المدارس لتعوض لهم ما تم حرمانه لها".

مكملاً حديثه وهو يضحك عما أستذكره من تلك الأيام "في مرحلة الأولى ثانوية كانت المدرسة في ميثلون وهي بعيدة عن الجديدة مسافة أربعة كيلو متر، فكانت تأتي الحافلة لكي تأخذ الطلاب فكنت أنا وأخوتي نقوم بدخول الحمام في كل مرةٍ تأتي فيها، بحجة أن وجعٌ أصاب معدتنا ونبقى هكذا حتى تذهب الحافلة ولكن كان السببُ الحقيقي هو أنه لم يكن لدينا مال لكي ندفع الأجرة، ولكن حتى لا يكتشف الطلاب والأساتذة حجتنا قمنا بإختراع حُجة أخرى، وهي أننا نريد التدرب لنشارك في الماراثون فنقوم بالركض ذهاباً وإياباً، وللصدف في نفس السنة حصل ماراثون فأجبرت على المشاركة به مع العلم أنني لا أحب الركض, ولا ارغب في المشاركة، ولكني حصلت وقتها على الميدالية".

أولاد الغريبه

 

في تلك الفترة كان عقد القران يتم على الأقرباء يأخذ الولد أبنة عمه وهكذا، ولكن ولد نصر كسر هذه القاعدة وتزوج من عائلةٍ أخرى، وبسبب هذا تعرض للتجاهل وكانوا أقربائه من جهة أبيه يطلقون على زوجته بالغريبه وأولاده بأولاد الغريبه، فلم تكن تعامل معاملة باقي النساء فقد كان هناكَ تحيزٌ واضح.

 

ومع هذا تربوا تربية صالحة وكان أبيه يقوم بمحاسبتهم على أي خطأ يقترفوه، ويقول لهم أن الحرام بين والحلال بين، فأمرهم بالحلال وأن لا يأخذوا من أحدٍ أي مال من دون عمل،  وكانت أمهم هي سندهم الأساسي وكانت تقولُ لهم "العلم هو سلاحكم الوحيد الأن فهتموا به،  فقد كان لها دورٌ كبير عما وصلوا  إليه الأن،  وقد ربتهم على عزة النفس أيضاً وأن يرضوا بالقليل مهما كان،  فعندما كانوا يذهبون إلى بيت جدتهم كانت الجدة تعد الطعام وتطلبُ من الاولاد أن يأيتوا ليأكلوا، وأحشائم التي تتضور جوعاً منذ الصباح تقول لهم هيا بنا لنأكل، فتاتي العزة وتسكتها ببضع كلمات "اكلنا في البيت" فترد تلك الأحشاء خائبة جائعة.

 

"وفي يومٍ من الأيام ذهب أخي الأصغر إبراهيم إلى بيت عم أبي الذي كان لديه دكانٌ صغير, فقد قام بسرقة بيضة أعجبه لونها وعندما عاد الى البيت أخرج البيضة من جيبه فرحاً بما فعله، فسألته أمي من أين لك هذا فقال لها من بيت عمي ولم يراني أي أحد، إلا أن أبي أخذ أخي إلى بيت عمه وأعاد البيضة وقال لهم هذا الطفل خان الامانه ولا تدخلوه على البيت، وقام بضربه ضرباً مبرحا حتى لا عيد فعلته وكانت هذه أخر سرقة له".

 

بهذه الطريقه يوصل الاب الام ابنائها الى كرسي الوزارة او الى اعواد المشانق، وأصبح ابراهيم الان يحمل درجة الدكتوراة في علم المكتبات، وأصبح رئيساً لجمعية المكتبات الفلسطينية ونائباً لرئيس الإتحاد العالمي للمكتبات.


معيداً لذاكرته مرةً أخرى إلى أيام الدراسة وخصوصاً اليوم الذي أخذوا فيه شهادتهم ويقول بفرحٍ عارم يدل على النصر " في فترة الإعدادي حصلت على أعلى العلامات وكنت انا وأخواني من المتفوقين،  ذهبنا راكضين إلى البيت لكي نقوم بإسعاد أبي وأمي، في ذلك الوقت كانت هديتنا هي عبارة عن حضن أبينا وبوسةٌ على رؤوسنا"، وكان  في ذلك اليوم في بيتنا قريب لنا يملك من المال الكثير جالساً بقرب أبي، أستذكر هذه اللحظة حتى الأن أذكرها بتفاصيله، قال لأبي لا تفرح كثيراً بأولادك وحتى إذا كانوا من العشرة الأوائل فلن تقدر أن تدخلهم الجامعة وتكمل لهم تعليمهم، وهنا نظرت الى عيني أبي فوجد الدمع عالقاً في مقلتيه، أريد الأن أن أشكر هذا الشخص على كلماته فهي أعطتني الدافع الأساسي أنا واخوتي لتًغلب على كل شيء لكي نصل إلى أعلى المراتب واليوم نحن حققنا هذا الهدف".

 

التعليم والعمل

ولأنه لم يكن بمقدوره الدراسة في الغرفة التي يقطن فيها مع عائلته، كان يجوب شوارع الجديدة لكي يصنع منها مكاناً يدرسُ فيه، يحفظ الكلمات ويفهم الارقام في مكتب سقفه السماء كما احلامه، فكانت كل شجرة زيتون على ناصية الطريق شاهده على معدل %92 التي حصل عليها في عام 1986.

أن تجعل من الشوارع مكاناً لتدرس فيه ليس سيئاً للغاية بالنسبة لنصر، بقدر الصعوبة التي درس فيها شقيقه الذي يصغرهُ سناً فيقول نصر "لقد درس شقيقي في غرفة أيلة لسقوط  ذات رائحة متعفنة، وهي بالأصل لعمي الذي كان يضع فيها الحيوانات خصوصاً الحمير، فكان أخي يدرس بغرفة وبجانبه غرفة للحمير".

 

ليس كما غيره يفرح بنجاحه في التوجيهي وليس كما تجري العادة يحمل المتفوق شهادته ويذهب ليسجل في الجامعة، فقد بقي حلمه بدراسة التمثيل والمسرح دفين ولم يخرج بنوره الى العالم، فمهما كان تحصيله في الثانوية العامه لن يتمكن من دراسة المسرح في مصر، فكيف لانسان لا يمكلك اجرة الباص ان يسافر الى بلد اخر ويدرس فيه ويتكبد تكاليف الجامعة والسكن.

تنحى ايها التعليم جانبا فاجراس اعالته لاهله قد دقت بابه، فسار نصر بطريقه للعمل في الاراضي المحتلة، لكن بقي التعليم على يقين بان نصر لن يتخلى عنه، والبرهان على ذلك عمل نصر سنة، تارة في تنظيف الحمامات وتارة اخرى في المطاعم، دون خلو باله من التفكيرٍ في التعلم والعوده الى اكناف الكتب.

بعد مضي سنه على انهاء نصر للتوجيهي كان اخاه الي يصغره بعام قد انهى هذه المرحلة الدراسية ايضا، واصبحوا بذلك اثنين يرغبان بدخول الجامعة، واثناء عمله في الداخل المحتل سمع بانعقاد دورة تمريض في كلية الاتحاد بمدينة نابلس، فاخذته امه و اخاه الى مدينة نابلس للالتحاق بكلية مستشفى الاتحاد، لكن ليست كل الامور تسير كما يتمنى المرء فعندها نطقت المسؤلة عن قبول المتقدمين الحاجه منيره عبد الهادي بكلمات ستكسر حلم واحد فيهم "لا نقدر سوى اختيار واحد منكم لتغطية تكاليف دراسته"، فراح نصر يرشح لها اخاه ليدرس في الكلية ومثله فعل شقيقه، ويذكر نصر "بتكرار تفضيل كل واحد منا الثاني على حسابه بكت الحاجه منيره متأثره بما كانت تسمعه منا، فما كان من والدتي الا ان تحكم الامر وتقول الكبير هو من سيدرس".

سنتان قضاها نصر في كلية مستشفى الاتحاد مرتدياً طولهما نفس القميص والبنطال حتى كاد كل من في الكلية يحفظه بها، وبهما عمل في مطاعم مدينة نابلس لكف حاجاته، ومع ذلك عمله لن يثنيه عن التميز والابداعه فكان دائما من اوائل الكلية.

طوال سنتان كلما رغب في زيارة قريته، كان يركب باصاً يوصله حتى مفرق جبع، ومن هذا المكان يكمل طريقة الى الجديدة مشياً على الاقدام ماراً بقرية صانور ومن بعدها الى ميثلون، حارة كانت الاجواء ام باردة، ليس حباً للمشي ولا رغبة في مشاهدة هاتين القريتين،  وانما توفير لاجرة الباص.

بروح كلها عزيمه و بروح كلها تحدي يمكن ان يصله بنعفوانه الى عنان السماء تمكن نصر من الحصول على منحة لدراسة الطب الطبيعي في برطانيا، في حينها يقول نصر"كنا 300 طالب وطالبة قد تقدمنا لنيل المنحه وتمكنت بفضل من الله ان اكون الاول عليهم بالامتحانين النظري والعملي".

ذلك النجاح كله ليس حبا بالتعليم وحسب وانما ليكون كما تريد من يعتبرها سر النجاح والدته، "فامي هي من كانت تحثنا على الدراسة اكثر من والدي"، فهي لطالما  كانت تريده هو واخوته ان يكون الافضل والاكثر تمييز بين افراد عائلتهم، كونهم كان يعتبرونها غريبة عن العائلة ويصفون ابنائها بابناء الغريبة.

وكما تمطر السماء على الارض بشكل مفاجئ عند حاجة النباتات لها كانت مؤسسة انقاض الطفل البرطانيه هي من امطرت عليه بتبنيها له من الناحية الدراسية فوفرة له تكاليف السفر والاقامة في برطانيا حتى انها كانت تعطيه مصروف جيب بشكل شهري، وهنا تراجع نصر للخلف واتكئ على كرسيه ونظر قليلاً للاعلى وقال "الان كلما اقرأ في الجريدة مناشده لطلب منحه او عن توفير منح للطلاب اتذكر كل ما عشته في حياتي اثناء دراستي".

بالمنحه وتبني مؤسسة انقاض الطفل سافر نصر الى برطانيا ودرس الطب الطبيعي، وما ان انهى دراسته حتى عاد مسرعاً الى احضان موطنه، فعندها قد ابواب كل المؤسسات باحثاً عن عمل لكن هيهات هيهات ان يجد عمل فلم يكن هناك من يعرف ما هو الطب الطبيعي حتى، فثنى ذلك فرحة العوده الى فلسطين وابدلها بخيبة امل.

المبدع يثنى ولا يكسر وان اغلقت جنين ابوابها في طريقه، فكان كله امل ان تفتح له مدينة نابلس اوسع ابوابها، تلك المدينة التي يصفها بقوله "نابلس هي جهاز التنفس بالنسبة لي، هي ام فلسطين"، تكملتو لوصف نابلس بكرا بنشوفهم عن الدفتر

 

العلم لم ينضب في حياة الدكتور نصر، فمن كلية مستشفى الاتحاد النسائي و برطانيا حلت سفينة تعليمه في جامعة بيت لحم ليدرس فيها بكلوريس العلاج الطبيعي، ولان الحياة لا تسير بدون عقبات ولا يمكن لاي انسان ان يعيش بحياة مكلله بالخطوات الناجحه، وجد نفسه ذاك البسيط الذي يجوب كل مكان طالباً للعم في جامعة بيت لحم وسط دوامة كبيرة من المصاريف التي لم يقدر بكل قواه تحملها.

منحة ثانية اشرقت في سمائي وبخيوط نورها استطعت ان اكمل البكلوريس، لكن سرعان ما امتلئت تلك السماء بالضباب الاسود بقرار الجامعة بسحب هذه المنحه التي كانت شمعة املي ومنحتها لطالبة اخرى وفق قوانين الجامعة، فعزمت امري واتخذت قراري ولملمت كل اغراضي لاعود ادراجي انا وبقايا حلمي في التعليم.

يأخذ الدكتور نصر نفس عميق وبصره الثاقب الذي لا تعرف اين يتجه وهو يتذكر الماضي كأنه يعود للخلف عشرون عاماً وهو جالس معي، ويروي ما جرى معه حينها "جاءت معلمة التمريض سناء ابو حجله وقالت لي اذهب واكمل تعليمك وانا ساتحمل كل المصاريف"، لكن ما كان منه الا ان يرفض هذا العرض فكان وما زال الكبرياء والعزة تسيطر عليه.

السماء تمطر على الدكتور نصر كثيراً، فالمنحه الثالثة لاحت في افقه وسارت بطريقها لتجعل يد العلم تمسك بيده من جديد ليكمل مسيرته التعليميه، وزهور صبره بدأت تتفتح زهرة تلوى الاخرى.

من يخطر على باله بإن حياته كانت علميه فقط فهو على ابعد الحدود من الواقع، فهو لم ينسى ما حلم به في بداياته ولم يبقي حلمه الفن والمسرح حبيس نفسه، فاثناء دراسته في جامعة بيت لحم بدأ هذا الحلم يحطيم القيود ويخرج الى الملأ فيقول "اسستٌ الفرقة الموسيقية والمسرحية تحت اسم الصرخة للفنون الشعبية، وكان على راسها الشاب غالب ومحمد ابو خديجة، وبدعم من جمعية بيت لحم لتاهيل المعاقين كنا نحصل على الالات الموسيقية"، وها هنا تلمح لمعه في عينيه فيما يتذكر الماضي ويتابع "كنت اكتب اغاني واشعار الفرقة، وانتجنا كاسيت طرح في الاسواق تحت اسم الصرخة".

أصحبت اشاهد هذه اللمعه تشتد عندما ذكر بانه لازال يحتفظ بهذا الكاسيت في سيارته، وانه كلما سار بسيارته لزيارة قريته يقضي طوال الوقت في سماعه حتى اصبح ابنائه يملون سماعه.

لم تقف حدود هذه الفرقة عند الاعمال الموسيقية، بل طالت الاعمال المسرحية، وكانت اول مسرحية وليده لهذه الفرقة تحت عنوان شوف الدول العربية، التي كتبها تحت تاثيره الكاتب محمد الماغوط، وقدموها لاول مرة في عرس احد دكاترتهم في بيت لحم.

وبابتسامة تحمل في طياتها الكثير من التجارب يصف هذه المسرحية "مسرحيتنا كانت تصف معاناة الفلسطيني بشكل عام ومعاناته عند تنقله من دوله لاخرى بشكلِ خاص"، وبملامح تبدلت باخر وكانما انتصار ما قد حققه يتابع وصف هذه المسرحية "من المفروض ان ترسم الابتسامه على وجوه من في العرس لكن وبعد مشاهدتهم لعرضنا سرعان ما توشحت الدموع وجوههم لشدة تاثرهم بالمسرحية".

سارت بعدها الفرقة بنجاحات كبيرة، وبسلسله واسعه من العروض جابت معضم المدن الفلسطينية، فحطت رحالها على خشبة مسرح الحكواتي في القدس اكثر من مره وفي مسرح جامعة بيرزيت في رام الله وايضا في مسرح جامعة النجاح، وفي الكثير من المسارح في بيت لحم.

وهنا يصف الدكتور فنه قائلاً "كان لدي هم اكبر، فان الفنان الذي لديه رسالة واضحة هي كافية لتكون مثل الرصاصة اما تبني مجتمع او تهدمه".

تخرج ورفاقه من الجامعة وتشتت فرقة الصرخه بهذا التخرج، فبداية هذه الفرقة كانت جامعة بيت لحم وهناك كانت نهايتها، وهذه النهاية كانت بداية لانجازات جديدة من نوع اخر، ففي السنه التي تخرج فيها خطا اول خطوة في مسيرة نجاحاته بتاسيسه ومجموعة من رفاقه مركز الامل للعلاج الطبيعي الذي كان باجتهاده مديرا له،  ومن بعدها سار بخطٍ مستقيم في هذا النوع من الإنجازات، وبدأ يتنقل من تأسيس جمعية تلو الاخرى، فأسس نقابة العلاج الطبيعي الفلسطينية وجمعية رعاية الأطفال ذوي الأحتياجات الخاصة، التي هي الأن من أفضل الجمعيات المتخصصه في هذا المجال على مستوى الضفة الغربية، فيما تلاها أسس جمعية الابتسامة الجميلة الفلسطينية فكانت أخر ما أسس من الجمعيات.

 
بصماته في هذه الجمعية كانت واضحة أكثر من غيرها، فكانوا يقدمون خدمات نوعية على مستوى الضفة، وعندما تطلب منه التحدث عن الدعم الخارجي الذي قُدم لهذه الجمعية يبتسم ويشعر بالفخر ويبدأ حديثه "أبو عمار الله يرحمه كان يساعدنا كثيراً وبالأخص في الأنفاق على الوفود الأجنبية"ثم يصمت قليلاً ربما لانه تذكر شيء اخر عن أبا عمار فتابع قائلاً " قام بدعمنا في طائرة اسميناها بطائرة الأمل لانها كانت الامل الوحيد لأهل غزة, فقام أبا عمار بالإنفاق, وتم إنزالها في مطار غزة وكنا نقوم بعلاج المرضى ونقوم ببعض العمليات الجراحية لبعضهم الأخر".
 
 

 الدكتور نصر أبو خضر مدير مركز الإبتسامه الجميلة في نابلس, اليوم يبلغ من عمره 48 عاماً, متزوجٌ ولديه ثلاثة بنات وولدين, يعيش الأن في نابلس, شخصٌ عاش الأمرين ورغم هذا تحمل الكثير, وتعب أكثر حتى وصل إلى هذه المرحلة من حياته, مهتمٌ بقضايا المجتمع كثيراً كتبَ حتى الأن ما يقارب التسعة أبحاث نالت إعجاب وإهتمام الكثير.

 

 

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017