الرئيسية / الأخبار / فلسطين
فتح ما قبل أوسلو...مذكرات معلم ثائر
تاريخ النشر: الخميس 04/01/2018 12:47
فتح ما قبل أوسلو...مذكرات معلم ثائر
فتح ما قبل أوسلو...مذكرات معلم ثائر

"هذا صوت فلسطين، صوت الثورة الفلسطينية، يحييكم ويلتقي بكم، مؤكداً عهده معكم، على مواصلة مسيرة النضال، بالكلمة الأمينة، المعبرة عن الطلقة الشجاعة، من أجل تحرير كامل الوطن المحتل، وبالجماهير العربية، معبأةً ومنظمة ومسلحة، وبالحرب طويلة الأمد أسلوباً، وبالكفاح المسلح وسيلةً، حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين..."
صوت المذيع يتردد من إذاعة صوت الثورة الفلسطينية والفتى خالد ياسين من قرية عصيرة الشمالية يرهف السمع لكل همسة تخرج من المذياع الصغير، الذي احتضن آماله الثورية وتوقه الفتيَّ للانضمام إلى صفوف الثورة.
لم يكن عمره يتجاوز السادسة حينما احتل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 الضفة الغربية وقطاع غزة، لتظل صور الهزيمة عالقة في ذهنه، يصف المشهد قائلاً: "أتذكر كيف رأيت الجنود الأردنيين يهربون من بين البيوت، حتى إن منهم من ارتدى ملابس النساء للتخفي، وبقيت مجموعات فردية تقاتل ولكن لم يستطيعوا التصدي للاحتلال".
ويتابع: "أما نحن وعائلاتنا فاختبأنا في المغارات والكهوف، والكثير من العائلات هربت إلى الأردن، ومنذ تلك الأيام ظلت الذكرى في رأسي".
كبر الفتى على صوت الثورة، وصوت قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) من أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وسعد صايل، يتحدث عن نفسه: "كنت أبحث عن أي شيء يشبع حاجتي الثورية، تابعت خطابات القادة لأدرك فيما بعد أن فتح هي النموذج الحقيقي للثورة التي أبحث عنها، ومن هنا بدأت أشارك في الفعاليات والمظاهرات التي كانت تنظم في البلدة والإضرابات".
عام 1979 أنهى خالد الثانوية العامة وقرر الذهاب إلى العراق لإكمال دراسته الجامعية هناك، ولإكمال خط سعيه للانضمام إلى صفوف فتح، فزار اتحاد الطلبة الفلسطينيين هناك، وهو الذي يعود وجوده إلى أيام الانتداب البريطاني وأولى محاولات الطلبة الفلسطينيين تنظيم أنفسهم، ولكنه عقد مؤتمره الأول عام 1959، وكان يهدف إلى إبراز الشخصية الفلسطينية المستقلة وإعداد شباب فلسطيني ثائر.
فرع الاتحاد في العراق الذي توجه إليه خالد لم يكن كما هو متصور، فالعلاقات المتدهورة بين فتح والنظام العراقي آنذاك وعلى العكس منها علاقات الأحزاب القومية كالجبهة الشعبية وغيرها، أدت إلى منع التواجد الفتحاوي في الاتحاد.
يستذكر خالد تلك الفترة: "حينما وصلت كان مسموحاً لكل الفصائل أن تبدي رأيها وتتحدث باستثناء حركة فتح، وهو ما جعلني أقف دائماً بالعداء ضد أي كلام ضدها. وفي إحدى المرات حاول أحد قادة الأحزاب القومية منعي من الدفاع عن الحركة، لكنني سألته يومها: ما هو أقوى تنظيم في العمليات الفدائية؟ وعلى الساحة السياسية من الذي يعمل؟ فلم يجب واستمررت على ذلك الحال حتى صدور نتائج القبول في الجامعات العراقية".


كل الطلبة في تلك الفترة تم قبولهم في الجامعات العراقية باستثنائه، وهو ما كان سببه التقارير التي رُفعت عنه بأنه معادٍ للنظام العراقي ومنتمٍ لفتح.
تبلَّرت الرؤية لديه، وقرر الذهاب إلى سوريا التي كانت في تلك الفترة تحتضن وجودياً فتحاوياً حذراً، فتوجه إلى مكتب فتح المسؤول عن عمليات الداخل في العباسية بدمشق، والذي كان ينضم من خلاله الفلسطينيون لصفوف فتح، وكان مديره آنذاك المرحوم عز الدين الشريف المنحدر من عصيرة الشمالية.
يتحدث خالد: "من اليوم الثاني للتسجيل التحقت فوراً بمعسكر حمورية في سوريا حيث التدريبات العسكرية، تدربت على التصويب ومختلف أنواع الأسلحة، وأُعطيت الاسم الثوري "نور الدين ثائر" وقد اخترته لميولي الدينية الثورية، وهناك أيضاً كان متاحاً للثوار الإيرانيين الالتحاق والتدرب على السلاح".
بعد ذلك قرر خالد الالتحاق بجامعة اليرموك الأردنية، ومن هناك أكمل نشاطه الثوري، فقاد العديد من المسيرات والإضرابات مع الطلبة الفلسطينيين، واعتقل لدى المخابرات الأردنية بعد أن كان مسؤولاً عن تشكيل أولى خلايا حركة فتح في الجامعة من ثلاثة أشخاص، ولكن لم يُكتب لها الاستمرار، ثم اعتقل ثانية بعد فترة على خلفية عدم الكف عن الإضرابات والحركات الاحتجاجية.
بتاريخ 6 يونيو عام 1982 بدأت إسرائيل اجتياح لبنان، وذلك لإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان، فحاصرت بيروت سبعة أسابيع متواصلة ثم خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى أنحاء العالم في مشهد علق في أذهان الفلسطينيين خيبةً وخذلاناً.
في تلك الفترة كان خالد معزولاً في "الإكسات" أي زنازين التحقيق لدى الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد أن فشلت محاولته الوصول إلى لبنان للمشاركة مع قوات فتح، حيث أمره المسؤول آنذاك التوجه إلى الأراضي المحتلة على اعتبار أن رجلاً واحداً هناك أفضل من مدفع في الخارج وذلك لأن خالد كان مواطناً من الضفة الغربية، ومسموحاً له الدخول إلى فلسطين.
يقول خالد: "حينما رفض ذهابي لبيروت شعرت بخيبة أمل كبيرة، وهنا توجهت لزيارة عائلتي في الضفة، إلا أن الاحتلال اعتقلني ومكثت 65 يوماً في زنازين الاعتقال".
يصف خالد الغرف: "كانت الغرفة الواحدة لا تتسع إلا لشخص واحد، بلا تهوية ولا أدنى مقومات الحياة الإنسانية، ولكن الاحتلال كان يتعمد إدخال خمسة أشخاص بحيث ننام وأرجلنا على الجدار كي تتسع لنا. أما عن أساليب التحقيق فكانوا يتعمدون إرهاق المعتقل حتى يعترف بكل ما لديه، من الشبح على الكرسي، وتغطية الرأس بكيس قذر لا يسمح بالتنفس الاعتيادي".
ويتابع: "حتى أنهم أدخلوني إلى غرفة العصافير وهم جواسيس للاحتلال يمثلون دور الأسرى، يقوم عملهم على طمأنة الأسير لهم ودفعه للتكلم معهم عن كل ما مارسه مع التنظيم، حتى وإن لم يكن تحدث بها عند الاحتلال، وبالتالي ينقلون الكلام للجنود وهنا يصبح الأسير مداناً بالفعل، وهي طريقة أسقطت العديد من الشبان الثوريين الفلسطينيين على الرغم من حذرهم الشديد، لكنني وبحكم معرفتي لم يستطيعوا أخذ المعلومات مني وهو ما جعلهم يعيدونني إلى الزنازين".
تكرر الاعتقال لخالد ولكن كان ذلك بعد تخرجه في الجامعة، وهناك مكث 7 شهور حتى أفرج عنه مع قرار الإبعاد إلى خارج فلسطين خمس سنوات، وكان ذلك على خلفية انتمائه لحركة فتح ومشاركته في الإضرابات في تلك الفترة وهو ما دفع ثمنه فصله من التدريس.
استمر نشاطه مع حركة فتح، فتبنى رؤيتهم لحرب الخليج الثانية التي شنها العراق على الكويت، رغم المشاهد التي رآها معاكسة لما كان يروج له الجيش العراقي، وبسبب انتمائه الثوري رفضت وزارة التعليم الكويتية تجديد الإقامة له.
ثم خرج مع دفعة من المعلمين الفلسطينيين من الحال المشابه ضمن بعثة مع منظمة التحرير إلى اليمن، وحينما دخلت السلطة الفلسطينية عام 1994 إلى الضفة الغربية عاد إلى فلسطين متأثراً بوعود اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير مع الاحتلال عام 1993، فأكمل مشوار التدريس حتى عام 2017 الذي أحيل فيه للتقاعد.
ينهي خالد حديثه: "حينما دخلت السلطة الفلسطينية توقعت أن تتحول الضفة الغربية والقطاع إلى بيروت ثانية، ولكن مع مرور الأيام اكتشفت أنها كانت مجرد أوهام".
واليوم يقضي خالد أيامه في ذكرياتٍ يشك في عودتها إلى الحاضر أو المستقبل، فما كانت ثورة صارت ثروة.

 

 

المزيد من الصور
فتح ما قبل أوسلو...مذكرات معلم ثائر
فتح ما قبل أوسلو...مذكرات معلم ثائر
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017