الرئيسية / الأخبار / فلسطين
لطفي ... إرادة الحياة تتغلب على ظلمة الإعاقة
تاريخ النشر: الأربعاء 10/01/2018 16:39
لطفي ... إرادة الحياة تتغلب على ظلمة الإعاقة
لطفي ... إرادة الحياة تتغلب على ظلمة الإعاقة

من شذى عابد وخميس ابو النيل

في عتم الليل وشدة الانتفاضة، اعتلت صرخات الألم لتنتهي بضحكات مستبشرة بميلاد روح بريئة، أزالت الحزن والوجع من عيني أمه واستبدلتها بآمال، وأحلام، وفرحة لا توصف، ظنت أنها نهاية الألم، ولكنها كان البداية وحسب، واحتارت دموع الأم التي تيقنت للحظة أن ابنها ليس كباقي الأطفال، ونادت بأعلى صوتها ابني لا يتحرك، ماذا فعلتم؟!
أخطاء طبية قاتلة أحياناً، وتكلفنا عمر أحيانا أخرى، لطفي حسنين مواليد قلقيلية أحد ضحايا الأخطاء الطبية الذي حرم من حياة طبيعة في كافة مراحل حياته، نتيجة خلع ولادة في كتفه الأيسر تطور لاحقاً إلى ظلمة ظن أنه لن يرى النور بعدها أبداً.
تروي والدة لطفي ولادته العسيرة قائلةً "جاء لطفي في شدة الانتفاضة، عالجتُ في يوم شديد المواجهات الى المستشفى في طولكرم، لكنه لم يكن معداً جيداً، لا غرفة علميات، ولا كهرباء، ولا أثر للأطباء جميعهم مشغولين مع جرحى المواجهات، وكانت نيران الإطارات المشتعلة تضيء المستشفى فلمحت الطبيب ياسر أبو هنطش وطالبته أن يساعدني في الولادة بصورة طبيعية، لكنها كانت قاسية وصعبة وانتهت بقسوة صوته وهو يقول لي أن هذه الحالة تحدث مع 1% من الولادات بسبب الوزن الكبير، وكان يجب أن تولدي بعملية".
ألقى الطبيب اللوم على والدة لطفي وألقى معه الخبر الصادم بأن ابنها ولد بخلع ولادة في يده بسبب وزنه الكبير، ولكن والدة لطفي لم تستسلم وذهبت به الى طبيب اخر في نابلس ليصدمها بأن العصب ميت ولا يمكن العلاج بهذه الحالة الا بالعلاجات الطبيعية والمساج، فعاد الامل الى قلب والدة لطفي، وبقيت تتنقل به الى المستشفى الوطني ليتلقى المساجات اللازمة حتى أصبح عمرة سنة ونصف.

بصيص أمل.. وقسوة طبيب

والد لطفي لم يصبر كما زوجته على معاناة ابنه فسارع به الى الأردن بعد أن غطى ياسر عرفات تكاليف الجراحة المطلوبة للطفي، وأٌجريت الجراحة وتحركت يد لطفي قليلاً ، ويتحدث لطفي عن هذه الفترة من حياته قائلاً "بعد أن نجحت الجراحة الأولى وتحركت يدي قليلاً، تحرك الامل في قلب والدي معها، وأرسلني الى طبيب أعصاب في الأردن ليخبرنا ان الجراحة كانت ناجحة، وما أحتاجه في ذلك الوقت المزيد من المساجات" .
دعم والد لطفي ابنه طيلة العلاج الطبيعي، وبعد أن تمكن لطفي من تحريك أصابعه، تحمس والده الى تجربة شيئاً أكبر لعله يحرك يده كباقي الأطفال.
يروي والد لطفي ودمع الحسرة تخالط عينيه "لم استطيع أن أرى ابني يتعذب، كل ما كنت أريده أن يلعب مع باقي الأطفال، دون أن يحزن عليه أحد أو يعايره، فذهبت به بعد أن أصبح بعمر الخمس سنوات إلى بيت جالا، بعد توصية من العديد بتطور العلاج فيها، ولكننا لم ندخل غرفه الطبيب بعد، حتى مر بنا طبيب ورفع يد لطفي، وصفعنا بعبارته القاسية التي ترن في أذني إلى اليوم : عصب ابنكم السابعة والثامنة ميتة، وفروا أموالكم ولا تتعبوا في السعي هنا وهناك، هذا الأمر ليس له علاج نهائياً"
حرق الطبيب قلب والد لطفي، الذي أجابه بحزن كبير "لو أنك انتقيت العبارات وترأفت بقلب أمه وحسب"

مرحلة الظلمة .. الأشد قسوة

بدأ الم الرأس يتسلسل إلى لطفي في الثالثة عشر من عمره بشكل غير اعتيادي، وفي أحد الأيام بحث لطفي يبحث عن قميصه المعلق وراء الباب ولكنه لم يرى سوى غباشاً، فنادى على أمه التي دخلت في هلع شديد وسارعت به إلى الطبيب مجدداً، لتدرك ان العلاج السابق تسبب للطفي بضغط عالٍ في العيون وصل إلى معدل غير طبيعي أفقده بصره.
لقد كانت مرحلة حرجة في حياتي، يقول لطفي وهو يعيد مرارة ذاكرة مؤلمة "أذكر الطبيب سامي سختيان وهو يخبر والداي ان ضغط العين لدي تجاوز الحد الطبيعي، بصراحة لم أكن أفهم ما يقول ولكنني فهمت من دمع ووالدي وهلع أمي أنني في وضع سيء، وأدركت ذلك بعد أن سمعت الطبيب يقول لوالدتي أن نسبة نجاح الجراحة 1% ، جراحة مرة أخرى شعرت بالأسى والخوف وتمنيت لو أن الأمر كابوساً وحسب".
ويتابع لطفي "نصحنا طبيب اجنبي في حينها بأن نستبدل الجراحة بقطرة، فرحتُ من قلبي، ورغم أنها كانت باهظة الثمن الإ ان والداي استجابا لاستشارته وداومتُ عليها مدة تسعة شهور، ولكن الامر كان خطئاً وحسب وانقلب حالتي للأسوأ، فرجعنا إلى سختيان الذي أكد على ضرورة إجراء العملية، وأجريتها في العين الأولى وبعد أسبوع في العين الثانية وعاد ضغط العين إلى الطبيعي، ولكن عصبي البصري كان قد اتلف بفعل ضغط العين" .

ولكن الله موجود...

لقد كانت أسوأ مرحلة في حياة لطفي قبل أن يدرك بأنها المرحلة الحاسمة في حياته، فقد الأمل وبدأت الظلمة تتسلل إلى قلبه وليس عينه وحسب، وشعر بأنه عبئٌ على أسرته، فاعتزل الجميع .
يروى لطفى أسود لحظاته قائلاً" في ذلك الحين تمنيتُ الموت من كل قلبي ، فكم من مرة حرقتُ قلب والداي علي منذ البداية والي اليوم، لم أكن اطلب الطعام خشية أن أرهقهما،وشعرتُ بأنني مجرد عالة، واعتزلتُ كل شيء، وفي العزلة قرب من الله، ففي لحظة ما سمعتُ صوتاً يهمس في أذني "لن يتخلى الله عنك" شعرت بقرب الله وعادت لي الحياة من جديد، واستيقظت في اليوم التالي لأتطوع في الهلال الأحمر، وأُشغل فراغي، وأخدم مجتمعي، فأصبحتُ من المؤسسين لنادي المحبة وهو رياض للمعاقين، وحصلتُ بعد فترة وجيزة على جائزة بطل فلسطين
في دفع الجلة والقرص، وفعلاً وجدت الله بقربي في كل ما افعل".

تتابع الانجازات ...

حقق لطفي انجازات عظيمة بإرادته وقوته، ما لم يحققه الأصحاء، تغلب على خوفه وحزنه وعتمته بنور الله، ومحبة أهله التي دعمته منذ الولادة إلى اليوم ومنحته القوة ليصبح رجلاً مميزاً، ويتحدث لطفي عن مسيرته المهنية قائلا " بدأت كأصغر متطوع في الهلال الأحمر في عمر الثاني عشر، وأصبحت بعد سنتين منسقاً للأنشطة الشبابية فيه، في حينها فقدت بصري لمدة عام ونصف بفعل الأدوية وأجريت 6 عمليات في كل عين حتى رجعت لدي الرؤية بمستوى مقبول" .
ويتابع لطفي "وأصبح بإمكاني أن أقدم المزيد، فعملتُ مديراً للمخيمات الصيفية في الهلال الأحمر، وبعد ذلك أميناً لمكتبة الألعاب التربوية فيه، وكنا نعلم المعاقين كيفية صناعة ألعاب تناسب إعاقتهم، وبعد ذلك انتقلت للعمل في مستشفى الأقصى التخصصي لمدة سنوات، وعملت في مجال السكرتاريا فيه، ثم ترقيت إلى مدير شؤون الموظفين، وانتميت إلى منتدى المثقفين، وعملت فيه كمنسق للأنشطة الشبابية من 2003 إلى اليوم، وبعد أن أنهيت عملي مع المستشفى انتقلت إلى مكتبة البلدية وعملت فيها كأمينا للمكتبة، ثم في حراسة المدارس لمدة أربع سنوات، وبعد ذلك توظفت في المجمع كمراقب أمني، وبعد أن استقر بي الحال في العمل تزوجت قبل سنة من الان، ولدي اليوم طفلي مجد بعمر الشهرين، وأنا سعيد جداً في حياتي".
لطفي أحد أولئك الذين قدَر الله لهم الإعاقة الجسدية، بروح قوية، وإرادة حديدية، منحتهم التفوق في الحياة على الأصحاء، وتجاوز مرارة الحسرة على أخطاء طبية مستهترة، ليشق الأمل طريقهم، وينير عتمتهم لتحقيق أحلامهم، فلم تكن في يوم الإعاقة الجسدية حاجزاً لتحقيق الحلم، بل الإعاقة الروحية والكسل هي المعيق الأول في التقدم.
وشهد العالم العديد من الرياضيين الأوائل من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين أوصلتهم إرادتهم القوية إلى المشاركة في الألعاب الاولمبية على مستوى العالم، بدل البكاء على أخطاء طبية كان من الممكن أن تضيع فرصهم في الحياة لو أرادة اجتازت قسوة القدر، وشاءت أن تخلدهم صوراً يحتذى بها بين الأصحاء.


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017