الرئيسية / الأخبار / فلسطين
الإهمال يقضي على المسرح الروماني في نابلس
تاريخ النشر: الأثنين 19/03/2018 21:31
الإهمال يقضي على المسرح الروماني في نابلس
الإهمال يقضي على المسرح الروماني في نابلس

تقرير استقصائي
كتبت: هالة حسون
تندهش ناظراك عندما تتبع كتب تاريخ فلسطين القديمة، التي تعيدك الى ماضٍ مليءٍ بالقدامة والاصالة، ولأمم عريقة دخلت فلسطين منذ آلاف السنين، وتركت بصمةً ثقافيةً تشهدُ على عِبق تاريخها، ليتخلل داخلك رائحة تراثٍ عريقٍ تريد الوصول اليه لتغذي ذاكرتك بالمشهد، ولكن سرعان ما يختفي ذلك الاندهاش عند وصولك لهذه الأماكن، لتجد نفسك أمام مكان تاريخي أصبح مكباً للنفايات وتجمّع لمياه الامطار، فينشأ داخلك صراع تساؤلي حول من المسؤول عن هذه الكارثة بحق هذا الإرث العظيم؟
يُعدّ المسرح الروماني من أضخم المسارح في الشرق الأوسط، وأهم معالم مدينة نيابلوس الرومانية والذي يقع في منطقة رأس العين، انشأه الامبراطور سبستيان عام 73م، ويبلغ قطره 100 متر، ويتسع لأكثر من 10آلاف متفرج، وكان يُعرض فيه التراجيديا والكوميديا، كما تمتاز أحجاره برسومات ومساند فخمة كانت مخصصة للطبقات الاجتماعية والسياسية الرفيعة.
مدير دائرة الآثار في محافظة نابلس محمود بيراوي يقول ل"شبكة أصداء": " كانت بداية اكتشاف المسرح الروماني عام 1979م، عندما قامت بلدية نابلس بشق شارع وتطوير الخدمات في المنطقة، فأقامت حفريات أثرية حوله امتدت لخمسة سنوات حتى ظهر ثلث المسرح الروماني والتي ما زالت متوقفة حتى الآن ".
ويوّضح:" من أكبر المشكلات التي تعيق مضي الحفريات قدماً هي أن ملكية الأرض القائم عليها المسرح خاصة وتعود لآل المصري، كما أن هناك جزءاً كبيراً من الأبنية واقعة على الأطراف العلوية للمسرح، عوضاً عن العائق الأساسي الذي يقف أمام كل مشروع يتم تبنيه من قبل دائرة الأثار ألا وهو العائق المادي ".
ويؤكد البيراوي على اهتمام دائرة الآثار والبلدية بنظافة وترتيب المسرح بإرسال متطوعين إليه كل فترة، كما أن البلدية تسعى جاهدةً في تأميم الأرض، وشراء الأبنية، وتعويض أصحابها، وتأمين ساكنيها ببيوت اخرى لإزالتها وبدء عمليات التنقيب بتمويل من مانحين، إلا أن ذلك كان يُقابل بالرفض دوماً من مُلّاكها.
أما أبو بكر صاحب إحدى المتاجر القابعة أمام المسرح، سلك حديثه درباً آخر حول المسرح ومدى الاهتمام به عامةً وحول قضية الملكية خاصةً، ويقول:
" أن المسرح الروماني لم يعد سوى مسرحٍ لخردة حديد وللنفايات وللأعشاب التي تتجاوز طولها المتر، فليس هناك جهات مختصة تهتم به وتحافظ عليه وتتابع الترتيب الداخلي فيه، وعلى الرغم من أنه معلم تاريخي ثقافي مهم إلا أنّه متروكٌ! ".
وأكد أبو بكر:"طوال الخمسين عاماً التي مضت، لم أسمع يوماً بقضية الملكية الخاصة هذه فلو كانت ملكيته تعود لعائلة ما، لما تُركت أبوابه مفتوحة طوال اليوم، ولما جُعلت أرضهم تتحول إلى مكبِ نفايات، وإذا كان كذلك فلما نسبته وزارة السياحة إليها، كما هو مُعلن على اللافتة!".
ويناشد أبو بكر المسؤولين في وزارة السياحة ومديرية الأثار، ليعطوا المسرح حقه من الاهتمام، مؤكداً على الأعداد الكبيرة من السياح التي تقدم إليه بشكلٍ شبه يومي، كما أن هنالك معالم عدة مهملة في البلدة القديمة خاصةً، ولو أُهتم بها لجلبت للحكومة أموالاً طائلةً تعود بالنفع على اقتصاد البلد.
في السياق ذاته، ينوّه مهندس الإشراف داخل البلدة القديمة سامح عبده إلى مقترح طرحته اليونيسكو لإعادة تأهيل المسرح قبل خمسة سنوات والذي كان من المقرر تنفيذ مشروع ترميم وتأهيل ضخم للمسرح، لكن تبين بأن أمر التأهيل لا يقف عليه فقط، بل كان يجب إعادة تأهيل وتعويض أصحاب المباني وساكنيها، والتي أُقترح هدمها لاكتشاف المسرح بشكل كامل، كما وقد تقرر أيضاً هدم شارع عام حتى يستكمل إظهار الحدود الأصلية، معتبراً بأن المُكتشف لا يشكل سوى 40% من المناطق السفلية.
ويؤكد أن لو تم تنفيذه لأخذ الكثير من المساحة والوقت والجهد ولتتطلب ترتيبات تنظيمية هيكلية وأموالاً لا تستطيع جهة رسمية كاليونيسكو ان تحتملها لوحدها، لهذا أُلغي المشروع كحال أي مشروع سابق.

ولم تقتصر تحديات المدرج الروماني على قضية الملكية والضائقة المالية فحسب، بل طال الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو لم يسلم من العبث من قِبل لصوص الأثار فضلاً عن المضايقات المتكررة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي سعياً منهم لضم كل مكانٍ أثريٍ قيّم مثل هذا المسرح إليها، لتستخدمه وسيلة في روايتها الدينية الكاذبة.
ويعتبر عبده بأن الفوضى التي يسببها الاحتلال خلقت عدم الانتظام وعدم الالتزام للحفاظ على هذا الصرح الثقافي التاريخي، إذ يشتبه بدخول عدة سيارات بعلامات صفراء للمدرج، يقومون بسرقة اجحار مميزة في المدرج لبيعها بأسعار باهظة.
وحمّل عبده مسؤولية ما يحدث للجهات المختصة الغير قادره على حماية المدرج من خلال وضع حراس على ابوابه او كاميرات مراقبة، مؤكداً أن وفي ظل عدم الاستقلال التام للوجود الفلسطيني، قد يؤدي إلى فلتان ثقافي وتاريخي وانتهاك للمقتنيات التراثية الثمينة،
وعلى الرغم من جريمة الإهمال المرتكبة بحقة من جهة، ومضايقات الاحتلال ومحاولاته في طمس هويته من جهة اخرى، إلا أن المسرح الروماني ما زال آملاً بالاهتمام، وصامداً بأحجاره المندثرة والمتناثرة هنا وهناك.

 

 

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017