الرئيسية / الأخبار / عربي
يتركون الصنبور مفتوحاً لأنهم لا يعرفون متى تعود المياه.. سكان الجنوب المغربي مهددون بالعطش
تاريخ النشر: الأربعاء 11/04/2018 06:32
يتركون الصنبور مفتوحاً لأنهم لا يعرفون متى تعود المياه.. سكان الجنوب المغربي مهددون بالعطش
يتركون الصنبور مفتوحاً لأنهم لا يعرفون متى تعود المياه.. سكان الجنوب المغربي مهددون بالعطش

قبل أن تغادر رقية منزلها للتسوُّق، كان هناك أمر يجب أن تتأكد من أنها فعلته.. وهو ترك صنبور المياه مفتوحاً!

ليس هذا إسرافاً ولا إهمالاً؛ بل إن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان مصدرها الوحيد للمياه -وهو خرطومٌ صغير يخرج من حفرةٍ موحلة في الأرض- تدُب فيه الحياة.

وجميع الأسر تقريباً، التي يصل عددها إلى 600 أسرة، تسكن في حيًِّ رقية، بمدينة زاكورة في جنوب المغرب، تفعل الشيء ذاته، حسب تقرير لصحيفة USA TODAY الأميركية.

وإذا عادت رقية ورأت الماء يتجمَّع أمام منزلها، تهرع لملء الدِّلاء والأحواض البلاستيكية بما يكفي أعمالها اليومية. لكنَّ هذا لا يُهدِّئ مخاوفها.

المعاناة مستمرة حتى عندما تعود المياه

المياه مالحةٌ للغاية إلى درجةٍ لا يمكن شربها؛ لذا يصطف المقيمون للحصول على مياهٍ للشرب من شاحنةٍ تأتي مرةً كل أسبوع. وفي الصيف الماضي 2017، حتى الماء المالح لم يتدفَّق عبر الصنابير.

لم تكن المياه وفيرةً قط في هذه المنطقة من الصحراء. وتحصل المنطقة على أكثر قليلاً من بوصتين (5 سم) من الأمطار كل عام. وحتى وقتٍ قريب، لم يكن السكان قادرين على استخدامها.

اعتادت أشجار النخيل على المناخ، ولا تزال تزدهر في أماكنها. لكنَّ نقص المياه، الناتج عن تغيُّر المناخ والزراعة التجارية واسعة النطاق، قد أثار احتجاجاتٍ العام الماضي (2017)، ما قد يُعد علامةً على أمورٍ ستحدث بينما تصبح المياه أكثر شُحاً في المغرب وغيرها من البلدان.

إذ تقول الأمم المتحدة إنَّ 40% من سكان العالم يتأثَّرون بنقص المياه، والأعداد آخذةٌ في التزايد.

فعلى بُعدِ آلاف الكيلومترات إلى الجنوب من زاكورة، خفَّض سكان كيب تاون، عاصمة جنوب إفريقيا، استهلاكهم من المياه بصورةٍ كبيرة؛ لتجنُّب نفادها.

أزمة يعقبها احتجاجات ثم اعتقالات

 

ويُحذِّر المسؤولون في كيب تاون من أنَّ نقص المياه سيكون هو السائد. وهناك قائمةٌ من المدن العالمية التي تواجه نقصاً في المياه، تشمل بكين، وموسكو، وطوكيو، وميامي.

وكان سكان زاكورة الغاضبون من نقص المياه قد نظَّموا اعتصاماتٍ واحتجاجاتٍ خلال العام الماضي (2017).

وأغلقت الشرطة الشوارع لمنع الناس من التجمُّع، علاوةً على أنَّها ألقت القبض على 23 رجلاً؛ لمشاركتهم في مظاهرةٍ من دون ترخيص حين اندلعت الاضطرابات في سبتمبر/أيلول 2017 وأوائل أكتوبر/تشرين الأول 2017، حسبما قال عتمان رزقو رئيس إحدى المجموعات الحقوقية.

وحُكِم على 8 منهم بالسجن مدةً قصيرةً بتهمة "إهانة المسؤولين الحكوميين والاعتداء عليهم"، وفقاً لتقاريرَ إخبارية.

وأُبلغ عن احتجاجاتٍ مماثلة في مختلف المناطق الأخرى من المغرب؛ إذ تصدرت أزمة المياه في المناطق الشرقية، الأحداث بالمغرب خلال الآونة الأخيرة، بعد الاحتجاجات التي عمت المنطقة، وكذا حملة الاعتقالات التي تلت هذا الحراك الاحتجاجي.

تصل المياه إلى المدينة في ساعاتٍ غير مُحددة

وأوضح جمال أقشباب رئيس إحدى المجموعات البيئية المحلية، أنَّ بلدة زاكورة التي تضم 25 ألف نسمة، خلت من المياه الجارية مدة 3 أشهر في الصيف الماضي.

وقال: "تخيَّلوا أنَّ النساء والأطفال لا يغتسلون طيلة شهرٍ كامل؛ لعدم وجود مياه صالحة للشرب، ولا يمكنهم استخدام المياه المالحة"، حسب قوله.

وبعد انتهاء الاحتجاجات، حفرت الحكومة بشكلٍ سريع آباراً عامة على عمق 656 قدماً، بعمقٍ يماثل عمق آبار الري. وكانت الآبار تُحفر في السابق على عمق 46 قدماً فقط.

تصل المياه إلى المدينة على مدى نصف اليوم في ساعاتٍ غير مُحددة، وتكون مالحةً للغاية، على حد قول وابي، وهي عجوزٌ تبلغ من العمر 60 عاماً، وتدفع ما يُقارب 30 دولاراً أسبوعياً مقابل الحصول على مياه صالحة للشرب، وهو ما يُعد مبلغاً باهظاً بالنسبة لها.

وتقول وابي إنَّها ستغادر المدينة إن أمكنها ذلك. لكنَّ أحداً لن يرغب في شراء منزل يخلو من المياه أو الكهرباء.

الأمطار تتراجع والزراعة تسحب المياه الجوفية

ومن غير المُحتمل أن يتحسَّن الوضع، وبالأخص مع علامات الاحتباس الحراري التي تظهر بالفعل؛ إذ قالت وكالة التنمية الدولية الأميركية إنَّ درجات الحرارة في مختلف أنحاء المغرب ارتفعت بنسبة 1 درجة مئوية منذ عام 1960.

وسترتفع بنسبة 1 إلى 1.5 درجة مئوية أخرى بحلول عام 2050، وبنسبةٍ أكبر في المناطق الداخلية، علاوةً على انخفاض هطول الأمطار في المنطقة الصحراوية بنسبة 30% خلال القرن الجاري.

وسيُصبح الجفاف أمراً مُعتاد الحدوث، فضلاً عن انخفاض معدل الكتلة الثلجية في جبال الأطلس.

ويستهلك الري الزراعي نحو 90% من مخزون المياه المُتاحة بالمغرب؛ وشهدت زاكورة طفرةً في إنتاج البطيخ للتصدير في السنوات الأخيرة. يمكن أن ينمو البطيخ ليصل إلى ما يزيد على 60 رطلاً، لكنَّه محصولٌ يستنزف مخزون المياه الجوفية.

وفي هذا الصدد، قال رزقو، الناشط في مجال حقوق الإنسان، إنَّه حتى في الوقت الذي بدأت تجف فيه المياه بالصنابير في العام الماضي (2017)، كانت تغادر قرابة 300 شاحنة مُحمَّلة بالبطيخ المنطقة يومياً.

الرجال ذوو الحقائب يستولون على أجود الأراضي

ويقول رزقو وغيره من المنتقدين إنَّ المواطنين هنا وقعوا ضحيةً لرجال الأعمال الذين يستخدمون علاقاتهم بالحكومة لإحكام السيطرة على أجود الأراضي، حسب الصحيفة الأميركية.

معظم الأراضي الزراعية في المغرب بحوزة صغار المزارعين، في ظل افتقار الكثير منهم إلى سند ملكيتها. وفي السنوات الأخيرة، شجَّعت الحكومة على دمج تلك الأراضي في عملياتٍ أضخم وأكثر فاعلية.

وقال رزقو واصفاً إياهم: "نحن نسميهم (الرجال ذوي الحقائب). فهم يأتون إلى هنا ويشترون الأراضي، الأراضي الخصبة، والحقول التي تحوي المقدار الأكبر من المياه الجوفية. وتُباركهم الحكومة، وتمنحهم تلك الأراضي، في حين من المفترض أنَّها تنتمي إلى المواطنين".

رفض مُحافظ زاكورة التعليق على الأمر، وهو ما فعله كذلك الممثل المحلي للمكتب الوطني للكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وفقاً للصحيفة.

مدن تتوسع بفوضوية واستخدام عدواني

تأثيرات التغير المناخي وما ينجم عنها من نقصٍ في معدل المياه، يمكنها جعل الإنتاج الزراعي أقل فاعلية؛ ما قد يدفع القرويين للنزوح إلى المدن، حسبما قال ريكاردو فابياني المحلل السياسي والاقتصادي في شركة "أوراسيا"، مُضيفاً: "هذا ما يؤدي بالضرورة إلى توسُّعٍ حضري فوضوي، أي إلى مستوياتٍ عالية من البطالة في المناطق الحضرية".

هذا ما يحدث في المغرب حيث يتفاقم الضغط على الموارد المائية، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صدر عام 2014؛ بسبب تضافر عوامل عديدة، منها عادات غير اقتصادية في استهلاك الموارد المائية؛ بل وغير معقولة أحياناً، والأنماط المتَّبعة اليوم في استغلال الموارد المائية، صارت أحياناً تكتسي طابعاً عدوانياً وضاراً؛ بسبب الخطوات التكنولوجية المستخدمة، ويمكن أن تقضي بالفناء على منظومات بيئية كاملة.

"الناس يرغبون فقط في الحصول على ما يعتبرونه حقاً إنسانياً أساسياً"، هذا ما يقوله سيد عبد الجليل، الشاب الذي يبلغ من العمر 29 عاماً وصاحب متجر داخل زاكورة، والذي يتزعَّم حركة الاحتجاجات بالبلدة.

وأضاف مُستنكراً ما يحدث: "لهذا السبب ينبغي أن نتساءل: هل نحن بشر؟! هل نحن بشر حقاً إذا كنا نُعامَل على هذا النحو؟!".

اقتراح تصحيح

عربي بوست

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017