كتبت: إسراء بشارات وهاله حسون
على بعد كيلو مترات من وادي الفارعة الواقع جنوبي محافظة طوباس قررت سلطة المياه الفلسطينية عام 2013 إقامة سد بتمويل من الحكومة الهولندية بمبلغ ربع مليون دولار،الذي كان الهدف من بناءه تجميع مياه الأمطارلتغذيه المياه الجوفية، وتعزيز آبار الري في السهول الزراعية المجاورة.
السدالذي بلغ ارتفاعه20متراً، وأمتد عرضه 40متراً، ويتسع لتجميع من300-250 ألف متر مكعب من المياه،فشل في تحقيق هدفه إذ أضحى يشكل عبئاً على السكان والأراضي المجاورة، وتحول إلىمنطقة لتجمّع المياه العادمة والحشرات، والتي تستطيع أن تتخذ من رائحتها سبيلا لتستدل عليه من مسافة بعيدة، في حين كان من المفترض أن يكون السد الثاني في الضفة الغربية الذي يمكن أن يقفز باقتصاد الاغوار الشمالية زراعياً.
يقول المزارع خالد الحمود أحد مزارعي الأراضي القريبة من السد: "جميع المزارعون كانوا ينتظروا استكمال بناء السد على أحر من الجمر ولكنه من أول غزواته كسر عصاته، فبعد أول شتوة من نفس العام الذي استكمل فيه بناء السد، توجهناإلى مكان السد، لكننا تفاجأنا بأن جميع المياه التي هطلت بلعها السد دون تجمع أي نقطة مياه فيه، بغير ما توقعنا ويا ليتها وقفت الكارثة إلى هذا الحد، فبعد عدة أشهر بدأ السد بتجميع مياه الصرف الصحي."
ويضيف الحمود:" عندما سمعنا بفكرة إنشاء السد تطلعت أمالناإلىأنه ستتحول هذه المنطقة إلى واحة خضراء، فنحن نتكلم عن حوالي أكثر من2500دونم من الأراضي الزراعية تحيط في هذه المنطقة".
ويعتقد الحمود أن السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو أن مكان السد ليس جيدًا بما فيه الكفاية، كما أن تنفيذه لم يكن بالشكل المطلوب، وأصبح يشكل مكرهة صحية، ويخرب الأراضي الزراعية، ويضيف ربما أدى تخطيط بناء سد عن بعد إلى ما هو عليه الآن.
وفي الجهة المقابلة للسد توجد بركة بعمق عشرة أمتار مُلئت بالمياهالعادمة جراء تسربها من المخيم الفارعة للوادي في حين تلقي سيارات النضح حمولتها في هذه البركة مما أصبحت تشكل هاجساً مخيفاًيلاحق المواطنين القريبة بيوتهم من السد، خصوصا أنها غير محاطة بسياج مما تشكل خطر السقوط فيها.
وفي السياق ذاته يقول المواطن أحمد أحدالسكانالمقيمين بالقرب من السد:" هذا المشروع صمم على أساس أنه سيفيد المزارعين بتغذيه أراضيهم بمياه الأمطار، إلا أنه انعكس علينا بشكل سلبي حيث تحول من مكان لتجميع مياه الأمطار إلى مكره صحية تجمع مياه الصرف الصحي والخنازير".
ويضيف:" نحن الآن مقبلون على فصل الصيف ونعاني كثيرا في هذا الفصل من انبعاث روائح كريهة ضارة بالصحة بفعل تجمع مياه المجاري في السد ومن انتشار البعوض والقارص والخنازير الضخمة، متسائلاً من سينقذ هذه المنطقة من بحيرة المجاري!".
ويؤكد أحمدأنهفي حال لو نجح هذا السد لكان سيوفر المياه الجوفية بشكل لا بأس به، ويرتقي باقتصاد المنطقة خاصة وأن السد أقيم بالقرب من سهل السميط في منطقة الفارعة بالأغوار والتي تقدر مساحته بستة آلاف دونم يعمل به مزارعون ومستثمرون وتعتاش منه مئات العائلات التي تزرعه.
وتشتهر قرية الفارعة بامتداد السهول الزراعية على مساحة تقدر 15 ألف دونم زراعي ،وكان من المفترض أن يستفيد المزارعون في المنطقة من بناء السد بتغذية مزروعاتهم بمياه الأمطار.
من جهته يقول المهندس الزراعي رائد بشارات:" عندما قامت سلطة المياه ببناء السد لم تأخذ بمشورة وزارة الزراعة، على العلم أنه لو نجح المشروع لارتقى باقتصاد المنطقة من المردود الزراعي لأن المنطقة تشتهر باعتمادها على الزراعة البعلية والمروية."
ويعتقد بشارات أن بناء السد تم قبل التخطيط لحل مشكلة المجاري في وادي الفارعة والتي كانت تلقى بالقرب من السد، كما تم بناءه على أرضية غير مؤهلة لاستقبال السد وهذا ما ثبت صحته بعد عدة أشهر من استكمال بناءه، حيث ظهر هناك تشققات في الصخور أسفل السد.
ويكمن الحل بحسب رأيه أن يتم التخلص بداية من مياه المجاري الموجودة بالسد أهم بكثير من استصلاحه لتجميع المياه؛ لأن ذلك يكلّف مبالغ طائلة جداً، ومن ثم التجهيز لبناء برك تنقية للمياه أسفل السد وتركيب أنابيب ناقلة للمياه لكي تغذي سهل السميط القريب منه.
في هذا الصدد، يقول مدير دائرة الدراسات والرصد الهيدرولوجي في سلطة المياه عمر زايد لمجلة افاق للتنمية والبيئة بعد رفضه لمقابلتنا:"وصلتنا المخططات والتصاميم، وطرحنا العطاءاتوبدأنا بتنفيذه حتى بني السد، ولم تظهر مشكلة مجاري مياه مخيم الفارعة خلال إقامة المشروعولكن بعد إكمال البناء تفاجأنا أن مياه المجاري تتدفق إلى بحيرة السد".
ويوّضح زايد بأنه بعد أن تم الكشف عن المشكلة قامت سلطة المياه بحلّها من خلالتأسيس خطاً ناقلًا لمياه المجاري من خارج بحيرة السد، إلى إن تعرضت المناهل والأنابيب الناقلة للتدمير من قِبل جرافة قامت بتحطيمه، ما أدى إلى تجمع المجاري من جديد في بحيرة السد.
ويضيف:" وجدنا خللًا آخر خلال بناء السد، تمثل في عدم إيصال الاسمنت إلى المنطقة الصخرية في جزء من السد، وطلبنا من المقاول إصلاحه وإيصال الاسمنت إلى الصخر الأساسي بعمق إضافي، وقد أعدنا المناهل وخطوط المجاري إلى طبيعتها".
ويُعزى زايدفشل السد إلى الخبرة الغير كافية في بناء السدود والتصميم والتخطيط لبنائه والإشراف عليه عن بعد،معتبراً بأن هذا السد كان درساًللتعلم من خلاله للمشاريع المستقبلية وآملاً من الأهالي منح سلطة المياه القليل من الوقت لإصلاح السد.
ويشير إلى أن الاونرواوفرت مبلغ يُقدّر ب 40 ألف دولار للعمل فيالمرحلة الأولى إعادة تأهيل الخط الناقل للمجاري حتى لا تتحول المنطقة إلى مكرهة صحي، أما المرحلة الثانية هي تأهيل المنطقة الجانبية التي يحدث فيها تسرب المياه، طالبين الاستعانة بخبراء للمساعدة.
يطالب المزارعون والمواطنون الجهات المعنية وبخاصة سلطة المياه بحل عاجل وسريع لهذه المكره وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وتبقى التساؤلات تطرح كل عام منتظره الإجابات حولها، متى ستحل أزمة سد الفارعة؟ وما الجهة التي تتحمل ضياع ربع مليون دولار قدمت من الحكومة الهولندية بالإضافة إلى أكثر من 40 ألف دولار مقدمة من الاونروا لحل هذه الكارثة؟