الرئيسية / ثقافة وأدب
عندما يخوض الكِتاب «معركة وجود»: الحرب تغلق معظم دور النشر والمكتبات اليمنية
تاريخ النشر: السبت 16/06/2018 07:09
عندما يخوض الكِتاب «معركة وجود»: الحرب تغلق معظم دور النشر والمكتبات اليمنية
عندما يخوض الكِتاب «معركة وجود»: الحرب تغلق معظم دور النشر والمكتبات اليمنية

صنعاء ـ «القدس العربي» من أحمد الأغبري: أغلقت الحرب المستعرة في اليمن، منذ أكثر من ثلاث سنوات، عدداً من أشهر مكتبات بيع الكُتب في البلاد؛ كما أصبح جميع دور النشر، التي يضمها اتحاد الناشرين اليمنيين، ما بين متعثر أو متوقف، وحسب تصريحات رسمية لـ«القدس العربي» فإن تسجيل إيداع الكتب اليمنية الجديدة تراجع، خلال النزاع، بنسبة تصل إلى 98٪ عما كان عليه قبلا.
سوق النشر اليمني، الذي كان صغيراً وبسيطاً قبل الحرب، ولا تتوفر عنه أي قاعدة بيانات رسمية حديثة ومكتملة… يمكن القول إنه، الآن، صار شبه مشلول، ذلك أن ما تبقى منه لا يتجاوز الدور التقليدي للمكتبة، وفق تعبير ناشر محلي. مكتبة الارشاد، التي هي من أكبر وأقدم دور النشر في صنعاء والكائنة في شارع 26 سبتمبر، لم يعد نشاطها يتجاوز بيع مخزونها من الكُتب، وحسب محمد حمود منصور، وهو مدير مسؤول لديها؛ فإن «الارشاد» خسرت أكثر من 80٪ من مبيعاتها ونشاطها قبل الحرب، وصار يقتصر نشاطها، حالياً، على بيع الكُتب من مخزون مشترياتها واصداراتها السابقة، ومعظم مبيعاتها لا يتجاوز الكُتب الدينية والتاريخية والمصاحف.
بالنظر إلى ما صارت إليه المكتبات الناشرة جراء الحرب من تعثر عن الإصدار والاستيراد والمشاركة في المعارض؛ فإن وضع المكتبات غير الناشرة يبقى أسوأ؛ لأن الأولى اقتصر نشاطها على بيع مخزونها، علاوة على أن إمكانات بعضها ساعدها على البقاء والاستفادة من أنشطتها التجارية الأخرى، بينما المكتبات غير الناشرة لم يكن أمامها سوى بيع ما كان لديها خلال اندلاع الحرب، ونتيجة تعثر نشر الكتاب في الداخل واستيراده من الخارج بسبب الحرب… واجهت هذه المكتبات تحديات كبيرة تضخمت معها الخسائر؛ ما دفع بمكتبات ذائعة الصيت في صنعاء إلى الاغلاق؛ كمكتبة أبو ذر الغفاري ومكتبة الشروق ومكتبة أبو صلاح وغيرها.
هذا الواقع المتفاقم هناك بلغ ذروته لدى دُور النشر التي وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة تداعيات الخسائر الناجمة عن توقف النشر وصعوبة الاستيراد وتوقف المعارض؛ لاسيما وأن إمكانات الناشر اليمني هي أقل بكثير مما هي عليه لدى الناشر في بلاد الشام ومصر ولبنان، فعدد الناشرين الذين يمكن أن نقول عنهم إنهم ناشرون حقيقيون قد لا يتجاوز عددهم 25 ناشراً، وفق نبيل عُبادي الرئيس السابق لاتحاد الناشرين اليمنيين.
كانت سوق النشر في اليمن قد بدأت، قبل الحرب، تخطو خطوات قليلة للأمام لتعود به الحرب خطوات كثيرة للخلف، ومقابل ذلك لم يتوقف الكاتب اليمني عن الإنتاج في زمن الحرب؛ إلا أن الناشر المحلي يرفض الإصدار، وحسب الناشر عبدالرحمن الحزمي مدير دار ومكتبة خالد بن الوليد «يحتاج النشر إلى أن يمر الكتاب بمراحل حتى يشتريه القارئ؛ وهذه الحالة لم تعد موجودة في اليمن». «مازلتُ أتلقى، منذ بدء الحرب وحتى الآن، طلبات بإصدار كُتب جديدة؛ إلا أنني أوقفت النشر منذ بدء الحرب» يقول الناشر نبيل عبادي صاحب مركز عبادي للنشر، الذي يعد أكبر ناشر يمني من حيث عدد الإصدارات.
تعثر نشر واستيراد الكِتاب ضاعف من معاناة دُور النشر المحلية، بما فيها التي تمارس أنشطة تجارية في بيع القرطاسية والورق والمستلزمات المدرسية، وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة قد مكنتها من الاستمرار، إلا أنها، وعلى الرغم من ذلك، تعرضت لخسائر كبيرة؛ ما دفع دار نشر ومكتبة كبيرة هناك، مثل دار ومكتبة خالد بن الوليد للتخلي عن 70٪ من عمالتها، ووفق مدير الدار عبدالرحمن الحزمي، فإن «مبيعات الدار اليومية كانت تصل قبل الحرب لثلاثمئة ألف ريال، بينما اليوم لا تصل لثلاثين ألف ريال (أقل من مئة دولار أمريكي)، وربما أن عملنا مقتصر على المحافظة على التواجد والاستمرار في السوق». ويعرب الحزمي، وهو عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الناشرين اليمنيين، عن الأسف لما آل اليه وضع سوق النشر والكِتاب في اليمن.


«من بين 30 دار نشر ومكتبة ناشرة تقريباً في اليمن لم يعد يعمل منها بسبب الحرب سوى ما بين خمس إلى عشر دُور، ومعظم الدُور المتبقية ربما صارت تمارس أعمال مكتبات تقليدية، وبعضها حولت نشاطها لتستطيع الاستمرار» يقول الحزمي.
إلى ذلك تتحمل دُور النشر المحلية جزءاً من مسؤولية تعثرها وتوقف بعضها خلال الحرب؛ لأن إمكانات كثير منها كانت بسيطة ونشاطها في النشر بقي مقتصراً، في الغالب، على إصدارات مضمونة العائد، كالكتب الجامعية والتراثية والدينية. وفي ظل ما فرضته الحرب من زيادة في الأسعار ومشاكل في الاستيراد علاوة على تأثير الحرب المباشر على سقف الحرية؛ فقد كان استمرار نشاطها مهمة صعبة؛ وهو ما اضطرها لقصر نشاطها على بيع المخزون، في ما تراجع عملها في النشر إلى إصدارات قليلة جداً لعدد قليل منها وفق دار الكتب في صنعاء، فقد كان تأثير الحرب كبيراً؛ إذ وضعت دُور النشر في البلاد في مربع الحضور والحفاظ على الوجود، كخيار وحيد، أما مَن لم يستطع الاستمرار ومواجهة تداعيات الواقع الجديد؛ فاضطر لإيقاف أو تعليق العمل كحال مركز عبادي، دار النشر للجامعات، دار الحضارة، دار التيسير، ودار أقرأ، وغيرها.
وحسب وكيل الهيئة اليمنية للكتاب القائم بأعمال مدير دار الكُتب في صنعاء زيد الفقيه، فإن تسجيل إيداع الكُتب الجديدة لدوُر النشر المحلية تراجع خلال الحرب إلى ما نسبته 2٪ تقريباً عما كان عليه قبل الحرب، «بمعنى أن الحرب أفقدت سوق النشر المحلي ما نسبته 98٪ من الإصدارات التي كانت قبلها»، ويضيف زيد «من واقع سجلات أرقام الإيداع خلال الحرب فغالبية دُور النشر التي كانت حاضرة قبل الحرب توقفت عن الإصدار، ولم يعد يمارس دور الناشر منها سوى عدد قليل جداً إصداراتها قليلة أيضاً».
معتبراً توقف نشاط الهيئة اليمنية للكتاب في صنعاء في النشر منذ بدء الحرب هو جزء من هذا الواقع، على حد تعبيره.
إزاء ذلك لم تتوقف حركة الكِتاب في اليمن؛ إذ نشأ واقع مواز لتوقف إصدار الكتاب المحلي، وانقطاع استيراد الكتاب الخارجي… فإزاء ذلك ازدهرت تجارة الكُتب المستعملة كبديل بسيط ومتاح لمعارض الكتاب التي توقفت. ولمواجهة تعثر النشر المحلي اتجه الكاتب اليمني للناشر الخارجي، فشهدت فترة الحرب ازدياداً في عدد إصدارات الكتاب اليمني عبر دور نشر عربية. كما أن إيقاف إرسال واستيراد الكتاب الخارجي لم يحرم البلاد من قراءة الجديد؛ إذ نشأت في الداخل ما تعرف بالسوق السوداء للكتاب، التي يعمل عليها تجار كتاب يمنيون تقليديون معظمهم من العاملين في بيع الكُتب المستعملة، الذين يعملون على الحصول على نسخ إلكترونية للكُتب الجديدة الرائجة، ومن ثم ينسخونها بواسطة آلات تصوير المستندات، وتجليدها وبيعها؛ وهو أسلوب صار مستخدماً هناك في إصدار بعض الكتب المحلية بما فيها الكُتب التعليمية، ضمن معاناة كبيرة لها مظاهر وظواهر تناولت بعضها تقارير سابقة لـ«القدس العربي».

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017