الرئيسية / ثقافة وأدب
في حب أمي. بقلم: يحيى عقل
تاريخ النشر: الثلاثاء 19/06/2018 16:22
في حب أمي.  بقلم: يحيى عقل
في حب أمي. بقلم: يحيى عقل

في حب أمي...

ما خطت يداي هنا هو إهداء إلى أمي العظيمة هيام وأمهات العالم أجمع...
كلما أردت أن أصف أمي وأتحدث عنها حتى لو ببضع كلمات وخصوصا في مناسبات سعيدة كيوم ميلادها أو يوم الأم, أكتب كلمات بسيطة وبعد انتهائي من الكتابة أمسحها فورا!
لطالما شعرت بأن تلك الكلمات التي أكتبها لا تساوي حبر قلمي الجاف التي كتبت به، ولطالما شعرت بعجز تام عن وصف ما يدور بخاطري ووجداني حول أمي ملاكي، فرغم طلاقة لساني الذي يعرفني الناس بها أقف صامتاً حائراً عاجزاً عن وصف حضرتها، فأهرع إلى الاستعانة بما كتبه الشعراء والأدباء والمفكرين والفلاسفة لأقتبس زهرة من كتاباتهم أهديها لأمي وأقول في نفسي: لن أستطيع وصفك يا أمي كما وصفك درويش و سقراط والمعري، ولذلك أهديك زهرة من زهراتهم فهم ملوك الوصف والأدب...
ولكني اليوم ما عدت أحتمل!
وها أنا اتجرأ لكسر حاجز الصمت والخوف...
ها أنا اتجرأ على أساتذتي من الأدباء والفلاسفة والشعراء، ربما ليس باللغة وإنما بحبي لك! أحبك حكرٌ على الشعراء والأدباء؟ ألا يفهمك إلا الفلاسفة والقديسين؟ فلا والله ليس لهم نصيب فيك قدري!


فمهما خطّوا في حبك ووصف رونقك لن يفهموك بقدر ما أفهمك أنا، فالفهم معايشة.
ربما لا أجيد الشعر ولا كتابة الروايات والفلسفات ولذلك قررت أن اكتب في حب أمي عن طريق انعكاس شعاع من مرآة حبها لي، فأخط ما يلي مشاهداً حياتية يومية في حبها لي وعلى قدر أهل الحب تأتي المحبة.
المشهد الأول: حين تغضب منك أمك لتصرف أحمق ارتكبته لا يرضيها، وبمجرد أن تأتي الجارة لتحتسي فنجان القهوة معها في الصباح الباكر ويبدأ حوارهن حول مواضيع جمة وتكون أنت أحد أطرافها فتجدها محامية بل قاضية تترافع وتدافع عنك بكل ما لديها من قوة وبسالة، تتباهى بك وكأن أما لم تنجب ابناً سواك قط لتصبح ذلك البطل الأعظم والقائد المبجل الذي يحتذى به حتى بحماقاته وأنت واقف خلف ستارة شباك الغرفة تستمع بهدوء فتذرف عيناك دمعاً ويرسم وجهك ابتسامة خافتة على الشفتين ... ففي حب أمي لي... أحبها!

المشهد الثاني: عندما تكون أمك مريضة بالسكري وعليها أن تأخذ إبر الأنسولين يوميا، فيصبح ذهابها الى الطبيب يومياً من أجل الجرعة أمراً شاقاً عليها فتراها تحقن نفسها بإبرة الأنسولين وتقول لك مبتسمة متألمة بأنها اعتادت على ذلك، ثم تمرض أنت في يوم ويكتب لك الطبيب على حقنة فتذهب الى أمك: أمي، أنت تعرفين كيف تعطين حقناً فاحقنيني بهذه... فتهلع! تتوتر وترفض البتة قائلة: أخشى أن أصيبك بمكروه يا ولدي فلنذهب إلى الطبيب معا...ففي حب أمي لي... أحبها!

المشهد الثالث: تعود أمك من عملها مجهدة تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي تضع فيها رأسها على الوسادة، لتنام ساعات بل دقائق معدودة لتتذكر بأن عزومة ابنها لأصحابه على الغداء ستكون اليوم وحتى وإن طلب منها ابنها تأجيل العزومة لأنه يراها متعبة ترفض وتبتسم وتتحول لتلك المرأة الحديدية التي تبدع في مطبخها بكل ما لديها من وصفات سحرية لتبهر أصدقاء ابنها بها، ليس بهدف إبهارهم فهي لا تعرفهم وقد لا يشكرونها على ما أعدته وانما لترى ابتسامة ابنها بين اصدقائه سعيد لسعادتهم على حساب تعبها... ففي حب أمي لي... أحبها!

المشهد الرابع: قبل أن تخلد أمك للنوم تسمعها تردد تلك العبارة الشهيرة الطريفة: "أنا داخل أنام، بديش أسمع إزعاج!" لتضرب أنت بكلامها عرض الحائط وتعتبره إنذار كاذب، فلطالما رددت هذه الجملة على مسامعك ولم تعلق بشيء بعد استيقاظها فمن أمن العقاب أساء الأدب! ثم تعود أنت لمنزلك متعبا منهكا لتقابلها بوجهك العابس وتقول لعائلتك وبكلمات أقسى:" بدي أفوت أنام، اللي بسمع نفسه بكسر راسه!" لتجد وعدك ووعيدك يتحقق كأنه أمر عسكري تم تنفيذه بنجاح، ليس لأنك (سبع البرومبة) أو ذاك الشبيح الذي يهابه الجميع! وانما لوجود أمك مستنفرة اثناء نومك تصرخ في وجه أخيك وابن عمك قائلة:"دخل ينام الولد, بديش اسمع صوت!" ففي حب أمي لي... أحبها!

المشهد الخامس: حين تمر بأزمة مالية أو عاطفية أيا كان ما تسمي أزماتك به، وتراها الملاذ الوحيد لهمومك رغم يقينك التام بكم الهموم والمصائب التي أثقلت كاهلها فتهرع اليها لتصب من همك في كأسها الممتلئ فلا تستنكر أو تتذمر وإنما تبسط ذراعيها لعناقك بابتسامة صادقة وتقول لك: تفرج يا بني.. تفرج! ففي حب أمي لي... أحبها!

المشهد السادس: موعد استيقاظك لعملك هو الساعة السادسة صباحا لتقول لك: لا تقلق فأنا سأوقظك صباحا يا بني، لتذهب في سباتك العميق تاركا إياها قلقة تفكر بموعد استيقاظك ليس لعدم امتلاكك هاتف محمول بمنبه ذاتي وإنما لاهتمامها بذاتك! لتقبلك صباحاً وتبتسم وتقول: ربي ييسر امرك يا ابني الله يرضى عليك... نعم،ففي حب أمي لي... أحبها!
نعم يا أمي أرى وأشعر وأعلم... لا أستطيع مجاراة هذا الحب الذي لا يوصف كاملاً مكمّلاً في تلك الصور البسيطة التي رسمتها لتوي، ولكني أعلم.
فلله درك كم أحبك يا أمّاه! أؤمن بكل ما جاء به الشعراء والحكماء ولكن لطالما دمعت عيناي حباً وشغفاً على ما قاله درويش في حبك "عساني أصير الهاً إذا ما لمست قرارة قلبك يا أمي".

فما خطت أناملي إلا في حبك أمي...
يحيى عقل


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017