الرئيسية / مقالات
الثورة ولدت حية لتنجب العظماء حافظ عبيد حكاية ثورة
تاريخ النشر: الخميس 03/01/2019 10:06
الثورة ولدت حية لتنجب العظماء حافظ عبيد حكاية ثورة
الثورة ولدت حية لتنجب العظماء حافظ عبيد حكاية ثورة

بقلم : اثار عبية
دائرة العلاقات العامة والاعلام

بعد أن تتعنت نسمات شمس الحرية لثمانية عشر عاما فتوشح بالأسى والحرمان، أطل قمر الحرية بعملية تبادل الأسرى (الجليل) سنة1985من خلف قضبان الحديد... بعد ثمانية عشر عاما تعتلي بالمجد وتبشر العاشقين لتراب فلسطين بفجر التحرير من جديد، تذكر من تناسوا طوعا أو كرها قضيتهم بعدد وحجم الساعات والأيام والـ18 عاما من والغياب عن الأهل والأحبة في أقبية القتل البطيء... يلاقيك بجبروت الرجال الرجال ولا تخلو ملامحه من نسائم وعبق الشجاعة والإقدام والصبر على الجراح ليضفي عليها نواميس ومعاني لا تليق إلا برجال صبروا وآمن بقضيته فانتصر... قهر الموت وقزم الجلاد... نشد وكتب الحياة.. فكانت له الرواية والحكاية.
ليس لك عند مقابلته ومهما تكن موضوعيا ومهنيا فقد تغالبك الدمعة لحظة لقاء أم بطفلها بعد غياب اثني عشر عاما، كلما تذكرت أن هذه الأرواح المعذبة تقاوم بالنيابة عن "أمة ، فهو الذي عانى من أدنى حقوقه كأسير عاش زهرة شبابه وهو منتصب كالمارد ومبتسم كالأطفال، هو الأسير الصابر الصامد حافظ عبدالحليم محمود عبيد من قرية ياسوف في محافظة سلفيت هو الأخ الأكبر من عائلة مكونة من 6 أخوة و 5 أخوات بعد غياب ثمانية عشرة عاما.
سنون الطفولة وذكريات الكتاتيب...
جلس حافظ عبيد في مكتبته الخاصة المدرجة بكتبه السياسية والنضالية، تعتلي جدرانه مكتبته صورتي أحداهم لراحل القائد أبو عمار والأخر للقائد الراحل احمد ياسين، يتعالى على ذاكرته الحديدية لينقش ألمه بحلوها ومرها، يصرع الصعاب في سلسة خالدة من كفاح مناضل فلم تكن طفولتة عادية، متمرد على على كل شي ، لا يحب الخنوع، كثير الحركة، بديهي الذكاء، شرس الملاحظة . ىةت
ففي عام 1945م ولد عبيد الاخ الاكبر لعائلة مكونة من 6 اخوة و 5 اخوات لتعايش ظلم الفقر والانتداب وما بعده الاحتلال وقسوة فراق البكر لثمانية عشر عاما نسجت فيهم لحن من عذابات الشعب الفلسطيني على مراحل نكاساته.
لم يكن عبيد أوفر حظا من إخوته فالتحق بالتعليم المتواضع في بلادنا آنذاك فالواقع التعليمي وظروفه يجعل من كابر لينهل من نوره وقودا حيا وشعلة متوقده تحارب لأجل العلم وتقدر قيمته وثمنه فقرية ياسوف كقرية واكبت تطور موئساتها التعليمية فاشتهرت بمدرستها التي سميت باسمها لتتألف من غرفه واحده فقط وأستاذ واحد فقط وبصمود ابناء القرية .

في يوم عادي التفاصيل، القي القبض على عبيد واحد زملائه عبدالرحمن اثناء عودتهم الى القرية وفي غرفة الانتظار لمعسكر ياسوف العسكري مكثت اليوم الاول، ليتم نقلهم فيما بعد الى سجن اريحا مع مجموعات من الاسرى دون ان يستجوب احدهم، حقا انها قسوة المحتل ان تكون كلمه صغيرة "كين" تقرر مصير رجل.

فمسرح الجريمه ان تدخل شخصيا الى ضابط المخابرت في سجن اريحا ويقرر مصيرك ومصير عائلتك ويحرم اهلك ومن تحبهم من رؤيتك فأما خارج فلسطين الى الاردن الشقيق او في دهاليس الاسر والاعتقال فانت بين خياران احلامهما مر بلا شك.

تلك المشاهد لم تكن غريبة على عبيد حيث اعتقل لليلة واحدة سنة1985في معسكر للجيش بالجفتلك ولم يكن يعلم الجنود عند اعتقاله بأني من أبناء حركة فتح وانتمائي الى الحركة .

فلم تكن حلقة الاعتقال الاولى بسابقتها فلم تشفع له لبطاقة المزورة لاسم ثاني ادخلت الكلمة العينه " كين " عبيد الاعتقال مره اخرى لتجرع حنضل العذاب.
قسوة الاعتقال وجبروت السجان...

اًدخل عبيد إلى زنزانة سوداء فاقع لونها تغضب الناظرين بتاريخ 17/12/1967 ، صغيرة لا تستطيع النوم او الراحة ترطبها روائح العفن والرطوبة، لا يدري عبيد القدر الغائب لمصيره إلا بعد دخول صعلوك المخابرات ذو الشارب الطويل والبشرة الشقراء وصوته الخشن يسأل عن الإسم فأجبته بكل ثقة إبراهيم أحمد حسين من بيت حنينا وأعمل نجارموبيليا فبهكذا تشير الهوية التي أحملها وورقة الإحصاء المزورة المصاحبة لها فلم يتركني رجل المخابرات أكمل ما بدأت حيث قال لي اسمك حافظ محمود عبد الحليم من قرية ياسوف وانت من كتيبة الصاعقة الفلسطينية 421 في العراق ،فهل لك أن تقول غير ذلك.

تلك الكلمات ادهشت عقل وعيني بالبكاء ان اكون لقمة سهلة المضع امام عدو متجبر يلحكم عبيد مدة 40 سنة امضى منها 18 سنة في سجون الاحتلال الى ان اطلق سراحه في عملية تبادل الاسرى (الجليل) .

وبدات مرحلة الإستجواب الشاقة والمضنية فبغض النظر عن تفاصيلها في أريحا وانتقل الى طولكرم ومن ثم الى نابلس واستكملت في جنين وابعدت اليها لفصلي عن باقي زملائي بغية اضعافي وتحصيل المعلومات التي تراكمت أدلة لمعرفتي بها، حيث مكثت في زنزانة انفرادية في جنين مدة 52 يوما لم أرى فيها أحدا الا وجه الشرطي الذي يخرجني مرتين في اليوم إلى دورة المياه فقد أخرجوني بعد ذلك إلى إحدى غرف السجن لاتنفس الصعداء بلقائي انس او بشر يشاطر احزاني وهمومي.

 

نضال المناضل داخل العرين...
في المعتقل الكل يكافح من اجل البقاء من اجل لقمة بكرامه من اجل حرية بكرامه، فعبيد لم يستسلم لعنجهية التحقيق القاسية لترافقه الاحلام المزعجه طيلة فترة اعتقالة في احد فصولها كان ذلك في عام 1971م ، في سجن عسقلان
"كانت قريتنا في حينه قد تعرضت لغيرها من القرى للتقصي الإستخباري حول وجود أسلحة فيها حيث حضر الجيش بقائمة طويلة ، من سلم فيها سلاحه ، عاد إلى بيته ومن لم يسلم سلاحه ، زجّ به في السجن ، وكان والدي من الذين زج بهم في السجن ، إلى أن تم تسليم البندقية المدفونة على مدخل طابون بيت عمتي ، فأفرجوا عنه".

فاعلان عبيد ورفاقة بالمعتقل العصيان لقرارات ادارة السجن المجحفه بحق الاسرى لتبدأ معها ساعات العذاب في كل لحظة.

إضراب من الم .. حليب من علقم

اقرت فصائل المنظمة داخل المعتقل الاضراب لسوء التعامل وجبروتة فأتخذ القرار اما الموت بكرامه وإما العيش بكرامه فلا طعام بلا عزة ولا ماء بلا كرامة فالاضراب السبيل الانجع لمحاكم الظالم، وفي سابقة للاداة لكسر الاضراب ، أقدمت الادارة على تزويد المعتقلين بالتغذية الصناعية بواسطة (البربيش) حيث يخرج المعتقلون إلى ساحة العيادة غرفة غرفة .

وهناك ، يجلس المعتقل على كرسي مكبل اليدين والارجل ، ويدخل (البربيش) (بحجم 6 ملم ) في جوفه حتى المعدة ويسكب فيه كأسا من الحليب الممزوج ببعض المواد الأخرى ، في الوقت الذي يمسك فيه عدد من الشرطة بأيدي المناضل وأرجله ، لقد استخدم ( البربيش) في كل الإضرابات كوسيلة لكسر الإضراب حيث أن الطريقة التي استخدموه فيها خلت من أي سلوك إنساني، فعدا عن العنف الذي يستخدمه رجال الشرطة، فإن الممرض يحول البربيش الى أداة يضرب بها فم المعدة، يضرب بها أسفل المعدة، يجرح بها قناة المريء ، ويتدفق الدم من الأفواه الجائعة
في اليوم الأول لتناول الحبيب دفعنا ثمنا غاليا ، حيث نتج عن الإستخدام الهمجي ل "البربيش" ودخول الحليب العلقم إلى رئتي عدد من الاسرى.


المحكمة الهزيلة تصارع الابطال...

مكبلين اليدين والأرجل يخرج المعتقل من عرينه ليلاقي مصير يقرره قاضي خلف كرسيه المريح ، صعد عبيد الدرج إلى الطابق الثاني ، حيث مقر المحكمة ، ضجت المحكمة بعويل الام ورفرقها لابنها وهي اللحظة الاولى التي ترى فيها عبيد دون قيود امام القاضي لتعانقه عناق لا ينزعه شرطي او صراخ قاض.

هدأت اصوت المحكمة وارتسمت ملامح الشوق على عبيد واهله في مشهد يثير الدموع جلس عبيد في مقعد الادعاء وقفص الاتهام ونهالت التهم من كل حدب وصوت يتلوها جلس الضابط "غزلان" مندوبا عن إدارة السجن"
لم تكن حنان ابنته الوحيدة، داخل المحكمة بمدركة بما سيحل بوالدها صاحبة الوجه الريفي البريء تصب نظراتها على وجه والدها بعيونها السوداء البلورية التي غتطها طبقة شفافه من ماء الدمع لتزيده صفاء وبراءه .

حنان لم تدرك بعد ان سنوات خداعات ستفصلها عن حضن والدها التي دخلت المعتقل وعمرها عشرة أشهر لزيارتة ، فهي مولودة في شهر شباط 1967م ، ليواكب تنمو وهي تكبر من خلف القضبان.

قرار الحكم وسقوق الغفران...

"حضر القاضي وفتحت الجلسة، وطالبت المحامية المتعاطفة مع عبيد أن يدافع عن قضيته بكل ما أوتي من قوة، فتصدر حكما 40 عاما مع العزل الانفرادي لمده 5 سنوات.


بعد أن تمت عملية تبادل الأسرى "النورس" لف التفاؤل صفوف المعتقلين ، فعادوا إلى الحكمة القديمة القائلة "عمر السجن ما سكر على حدا" حيث أن من أفرج عنهم حطموا نظرية "داخله مفقود" ، التي كان العدو يغذيها في الصف الإعتقالي بغية إشاعة الإحباط واليأس ، وفقدان الأمل ، تسهيل عملية إحكام القبضة الإسرائيلية على المناضلين الفلسطينيين في سجون الإحتلال ، وهي السياسة التي لم يكفوا حتى اللحظة عن إعتبارها خلفية تعاطيهم مع قضايا المعتقلين ، بما فيها الحياتية منها ، التي اعتبروها في العديد من المحطات ، قضايا ذات طابع امتيازي ، وليست ذات طابع حقوقي ، ليسهل عليهم إخضاعها للمساومة ، وكل ذلك لتحقيق الهدف ذاته ، إحكام قبضتهم على المعتقلين ، والسعي لإفراغهم من مضمونهم الوطني وتحويلهم ، في حال خروجهم خارج أسوار السجون ، إلى عالة على مجتمعهم واهلهم ، بدلا من ان يخرجوا مستفيدين مما اختزنوه من خبرة وتجربة وثقافة عالية ، تؤهلهم للعب أدوار قيادية في المجتمع الفلسطيني .


العناق للحرية

يقول عبيد لم تتعدا الدقائق ودخول الإحساس بالحرية إلى أعماق المناضلين ليست سوى تلك الدقائق التي انتزعوا فيها قيودنا من أيدينا وأرجلنا على رأس سلم الطائرة في مطار جنيف وبين الوصول إلى باص المطار الذي ينتظرنا بالقرب من الطائرة إنها لحظات الحرية الحقيقية التي دخلت كالشعاع إلى أعماقنا فأضاءت هذه الأعماق وعشنا الظلمة سنوات طوال وصلنا إلى جنيف الساعة التاسعة صباحا حين تمت عملية التبادل بعد الظهر تقريبا ،تحركت الباصات التي تحملنا وعددها اثنان إلى منتصف المطار ، وقفت على خط أبيض متصل وفي مقابل وقف باص اخر يحمل اثنين من الجنود الاسرائيليين حيث أعطى جنرال سويسري إشارة الإنطلاق بالإتجاهين المتعاكسين نحن بإتجاه الطائرات العربية ، وهم بإتجاه الطائرات الإسرائيلية .

وبقي في بطين الطائره الثالثه حموله لكي يحتفظ الفلسطينيون بجندي ثالث كضمانة لتنفيذ الشقين الاخرين من الاتفاق الاول وانه يقضي بخروج 650 مناضل الى مدن الضفة الغربيه عبر رقابة الصليب الاحمر ، والثاني دخول 120 مناضل اخر من المرضى والعجزه والمسنين الى سوريا عبر القنيطره وهي المنطقه الحدوديه بين سوريا وأراضيها المحتله من قبل الاحتلال الاسرائيلي .


"انتقلنا الى ليبيا حيث حملتنا ثلاث طائرات اثنتان ليبيتان والثالثه نمساويه ، حيث مكثنا في ليبيا حوالي 70 يوم وحينما اخترنا وجهة الرحيل اخترت الاردن لكن الاردن يرفض السماح لنا بالدخول الى اراضيه ، منها الى ليبيا منها الى سوريا ومنها ترانزيت الى لبنان التى مكثته فيها قرابة الثلاثة اسابيع ومن ثم عبرته الى سريا وستقريت فيها حتى بدأ العام 1990 حيث غادرتها متوجها الى قطر التي الحقت فيها للعمل في السفارة الفلسطينيه .

ما بعد الإفراج... لا حرية إلا في ارض الوطن
بعد ازمة الخليج غادر عبيد قطر متوجها الى تونس كشخص غير مرغوب به في قطر والتي خضعت فيها الى رقابة مشدده على بيتي وسفرياتي وزواري من قبل المخابرات القطريه .

حط عبيد الرحال الى تونس حتى عام 1993 حيث عدت الي الضفه الغربيه من خلال تصريح زياره لم اغادر الضفه رغم انتهاء صلاحية التصريح ، وبقيت هنا الى ان حصلت على رقم وطني في عام 1994 وحصلت على الهويه والتحقت بوظيفتي منقولا من وزارة الاعلام في تونس الى وزارة الاعلام بالضفه وغزه مديرا لشؤون الاداريه ومن ثم مديرا عاما حيث بعدها بلغت عامي الستين سنه خدمه متوالية بجانبها سنوات السجن وأحلت الى التقاعد برتبتي وراتبي .

اما شعوري عند عودتي الى الوطن فلا ادل على ذلك من سائق الباص الذي اوصلني الى استراحة اريحا حيث نظر بالمرأة وسألني انت العائد الى الوطن بعد 30 سنه ؟ اجبته : نعم ، اما كيف عرف ذلك دون ان يخطيء فأظنه لمس ذلك في تعابير وجهي وانفعالاتي التي لم تستقر لحظه واحده على حال ، وقد تضاعفت هذه الحاله حينما وصلت الاستراحه ووجدت الجميع من الاهل والاقارب والاحبه والاصدقاء بانتظاري وقافلة السيارات الطويله التي اقلتني الى ياسوف والتي عجزت فيها عن الكلام .


حافظ عبيد حالة من الحالات التي تحمل في طياتها من معان ناجمة عن التعذيب، والحرمان، والقسوة واللانسانية، اصعب ما فيها ان تصادر منك بالمطلق حرية الانسان وتحدد له حتى قضاء حاجته وتتحكم فيها فحرية الانسان هي اغلى ما يملك وهي التعبير الحي عن كونه انسانا.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017