الرئيسية / مقالات
ليتَ جدّي كان من ضحايا #الهغاناه..
تاريخ النشر: الأربعاء 15/05/2019 14:12
ليتَ جدّي كان من ضحايا #الهغاناه..
ليتَ جدّي كان من ضحايا #الهغاناه..

بقلم: محمد محمود أبو عرب

لا تزال المخيمات الفلسطينية الشاهد الأوضح على نكبة الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي كتب له أن يهجر من أرضه جبرا وقهرا تحت سطوة المجازر وسيل الدماء.
فالاحتلال الإسرائيلي المدعوم من تحالف قوى الشر قد أمعن في القتل والإبادة، وأسرف في شقاء الفلسطينيين سكان الأرض التي سُلبت بلا ذنب ولا جريرة، ففي أغسطس من عام 1948 وقبل يوم من انتهاء الانتداب البريطاني، كان اليوم الأول لإعلان استقلال دولة إسرائيل المزعومة، وبذلك يكون قد طُبق قرار الأمم المتحدة (181) بتقسيم الأرض، ولكن من طرف اليهود فقط، لأن العرب رفضوا القرار، وكالعادة وهدّدوا وتوعدوا.
فما أن فرغ الشقي (بلفور) من وعده في الثاني من نوفمبر لعام 1917، حتى بات على الصهاينة تحقيق نبوءة بلفور، هذا الذي يزعم أن الأرض التي لم تَخلُ من السكانِ يوماً ولا من الأحياء، ولم تسقط من كتب الأنبياء السماء، ولا من أبيات الشعراء، ولا خلت يوما من سطور الأدباء والحكماء، هي (أرضٌ بلا شعب، لشعبٍ دون أرض).
ولتحقيق هذه المزاعم بأن الأرض خالية، كان لزاماً على الصهاينة اللجوء إلى المذابح الجماعية وارتكاب المجازر الدموية، وذلك لإجبار الفلسطينيين على ترك أوطانهم والنجاة بأبنائهم وأنفسهم، مع ما يمكن حمله من أمتعتهم، أو مواجهة القتل الحتمي والموت الأكيد.
وحتى تنفذ هذه المخططات الإجرامية كان لا بد من أدوات على الأرض، فكان تشكيل العصابات الصهيونية، المسلحة بريطانياً والمدعومة أمريكياً، والتي كان أشهرها (الهاغاناه والأرغون وشترن وإتسل) وهذه العصابات كانت نواة تشكيل ما يعرف الآن بجيش الدفاع الإسرائيلي، الجيش الذي أخذ على عاتقه إبادة وتشريد شعب تزعم بريطانيا على لسان وزير خارجيتها (بلفور) أنه سراب.
فكانت المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية والتي تُخجل سطور التاريخ الآدمي، أكثر من مائة وعشرون مجزرة ومذبحة، منها ( حيفا ودير ياسين والقدس وبلد الشيخ والعباسية وسعسع وأم شواف وكفر قاسم ويازور وصفد والقائمة تطول وتطول)، قتلٌ وتفجير، إرهابٌ وترويع، ذبحٌ وإبادة، وهدم القرى والبيوت على رؤوس ساكنيها، وكل ذلك بلا أدنى ذنب يُذكر، ولا أيُّ خطيئةٍ تعرف، حتى أن الرعب والخوف استوطن قلوب الناس، عصابات صهيونية بالمئات بل بالآلاف، مسلحةٌ ومدربة، ومتمرسةٌ على الحقد والعنف، والأدهى أنها تقاتلُ بهدفٍ وعقيدة، تنزلُ على القرى الآمنة من كل حدب وجانب، ليلاً نهاراً، سراً جهاراً، فتقتل الشيبَ والشباب، وتذبح النساء والأطفال، بلا شفقةٍ ولا رحمة، وتنتهي وقد تركت الأرضُ خراباً بعد العمار، والبيوتُ خاويةٌ إلا من الجثثِ والدمار.
تقول الحاجة المسنة حليمة أبو عرب من مخيم بلاطة والتي هي على أعتاب الثمانين: كنا نظنُ ونحن صغار أن لليهود ذيل، وأنهم ليسوا من بني البشر، وأنها استغربت عندما رأتهم لأول مرة على هيئة الإنسان، وتردف قائلة: أنا من ساكية (وهي تقصد قرية ساقية الفلسطينية المهجرة عام 1948 والتي تقع على بعد 8 كيلو متر عن يافا) وتقول: كان لأبي بَيّارة (مزرعة صغيرة) وقد بنينا بيتا جديدا ولكننا لم نسكنه لأننا سمعنا أن اليهود اقتربوا من قريتنا فقرر أبي ترك البيت والعودة له بعد مرور اليهود من القرية، وللآن ونحن ننتظر أن نعود، وتقول أيضا: لم نأخذ معنا إلا ما يستطيعُ الحمار ُحمله من طعامٍ وشرابٍ وفراش، وبعد لحظةِ صمتٍ قصيرة هزّت رأسها قائلة (ساكية بلد حلوة، وكل بلادنا حلوة)، أظن أنها أبحرت في خيالها وتذكرت ما علق بذهنها من صورٍ لطفولتها البريئة في قريتها الجميلة.
ولم ينتهي الأمر عند قتل وتهجير السكان بل تعداه بأن لاحقت العصابات الإجرامية فلولَ المهجرين وقتلت ما استطاعت منهم، وهنا أصبح كل من نجا وعاين مشاهد الإجرام، أو مرّ على قرية كانت على موعدٍ قريبٍ من مجزرة، ورأى أصناف القتل والدمار، يخبر الناس بتلك الصور والمشاهد، وهكذا عم الخوف وانتشرت فوبيا الرعب بين جميع السكان، وهذا ما حملهم على ترك الأرض والبيوت بحثا عن النجاة.

#مرارة_اللجوء
تجمع المهجرون المشردون في مناطق مختلفة سميت لاحقا بالمخيمات، فمنهم من بحث عن قريب مستجيراً به، ومنهم من افترش الأرض والتحف السماء، ومنهم من تاهت به السبل وضل الطريق، وآخرون قصدوا مكان ووجدوا أنفسهم في مكانٍ آخر، ومنهم قرر الذهاب إلى بلد عربيٍ مجاور، ومنهم من قصد حتى البلاد الغربية.
وبعد الاستقرار والتجمع اختلفت المخيمات من حيث الحجم والمكان، وتباينت الظروف الحياتية حسب المدينة أو الدولة أو الجهة التي استضافتهم، ولكنهم وبعد الذي رأوه من مرارة الظروف، وذل التهجير، وقسوة اللجوء، تمنوا لو أنهم كانوا ضمن ضحايا تلك المجازر، وأنهم لم يعرفوا شيئا عن مرارةِ الوقوف في صفوف التموين، وطوابير الذل أمام شاحنات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017