الرئيسية / مقالات
وزارة الحقيقة
تاريخ النشر: السبت 22/06/2019 09:21
وزارة الحقيقة
وزارة الحقيقة

رامي مهداوي
2019-06-22
الشائعات قديمة قدم التاريخ البشري، ولكن مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة يتم تداول الشائعات في كل مكان. في الواقع نحن الآن- كمجتمع فلسطيني - غارقون في الشائعات ولم نعد نُميز بين المعلومة الحقيقية والمعلومة المراد بها تشويه الحقائق.
الأكاذيب التي يراد بها التشويه تفرض ضرراً حقيقياً على الأفراد والمؤسسات، وغالباً ما يقوم الضحية بالرد من خلال التوضيح، الاستنكار، بالتالي مَن لم يكن يعلم سيعلم من خلال توسيع دائرة الردود والمناكفات، ما يجعل من أغلبيتنا عبارة عن أداة لتناقل الإشاعات كلاً حسب طريقته التي يختارها والجهة التي ينحاز لها.
ومع تطور الأدوات والبرامج التكنولوجية في عالم الإعلام، أصبح تزوير الحقيقة من خلال برامج متخصصة تقوم بتغيير الصورة، الكلمة، الصوت، المضمون، بطبيعة الحال سيؤدي ذلك إلى تعزيز هدف من يريد تشويه الحقائق بما يتلاءم مع أهدافه. ومن زاوية أخرى أدى ضعف المؤسسات المختصة في المُساءلة والمُحاسبة والمُحاكمة إلى ضياع الحقيقة التي نبحث عنها كمواطنين، ليؤدي ذلك إلى فقدان الثقة بكُل ما هو محيط بالعمل الحكومي والمجتمعي!!
الروائي البريطاني "جورج أورويل" في روايته "1984" التي نُشرت في الثامن من حزيران العام 1949، يقول: "في زمن انتشار الكذب يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً. بالتالي هل الحقيقة هي ما يتم تداوله بين المواطنين أم هي صناعة الأنظمة والسلطات المختلفة أم هي ما يتم إعادة صياغته من أجل أهداف متعددة تخدم أصحابها وتشوه الحقائق؟!!
"وينستون سميث" بطل هذه الرواية الاستشرافية "1984" يعمل في "وزارة الحقيقة"، هذه الوزارة معنیة بصناعة الأخبار الزائفة والأكاذيب والتضليل من خلال اللهو والتعلیم والاحتفالات، وهي وزارة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بل مهمتها هي خلق الأخبار غیر الحقیقیة وقلب الحقائق ورسم الانتصارات الوهمیة للأخ الأكبر.
مهمة سميث في هذه الوزارة هي إعادة صياغة الماضي، ورغم ذلك یخضع للرقابة من الدائرة المحيطة به، من آلات الرصد التي تلاحقه في كل مكان... المنزل، الشارع وفي العمل، إضافة إلى رقابة أعيُن الجيران والأصدقاء وأقرب المقربين له.
ما يحدث بمجتمعنا الفلسطيني في الأسابيع الماضية من حالة تدمير ذاتي بسبب تراشق الاتهامات وذبح ذاتنا بأيدينا، سواء على الصعيد الفردي أو المؤسساتي، يجعلني أقف أمام تلك الرواية من منظور مختلف بأنه ليس فقط الأنظمة الحاكمة من تقوم بعملية محو الحقائق أو كشفها بما يتواءم مع مصلحتها العليا، بل إن هناك عملاً منظماً تقوده أيدٍ خفية أفراد أو/و جماعات متمثلة على شكل تنظيمات سياسية ودينية وتجارية وأصحاب مصالح يعملون على تهييج المشاعر؛ من أجل تسريع إدخالنا إلى متاهات جديدة بواسطة الدعاية، تزوير الحقائق، الكذب، تلفيق الأخبار، وتوجيه بعضها وفق ما يخدم مصالحهم، بهذا تتماهى الحقائق المتنوعة مع الكذب، بحيث يصبح التمييز بينهما مستحيلاً، لأن المطلوب هو تشويه الرؤية الحقيقية لما يحدث في مجتمعنا وانعكاسه على قضيتنا بحيث تصبح الرؤية مُعتمة، وفي سبيل ذلك ينشرون السراب والضباب والأفكار المضللة البعيدة كل البعد عن الواقع "تدمير كل قدرة على التمييز بين الحقيقة والكذب، بين الخيالي والواقعي".
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017