الرئيسية / مقالات
باب الرحمة... معلم ديني يتحدى أطماع الاحتلال وتزوير تاريخه
تاريخ النشر: الأربعاء 28/08/2019 09:13
باب الرحمة... معلم ديني يتحدى أطماع الاحتلال وتزوير تاريخه
باب الرحمة... معلم ديني يتحدى أطماع الاحتلال وتزوير تاريخه

تقرير-صفا

منذ سنوات طويلة والصراع الإسرائيلي يحتدم على هوية الجزء الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، والذي يهدف الاحتلال من خلاله إلى تقسيمه مكانيًا، عبر الاستيلاء على باب الرحمة، وصولًا للسيطرة الكاملة على المسجد المبارك، وفرض الرواية التوراتية.

ولم تكن الأحداث التي شهدها الأقصى، عقب إعادة فتح مصلى باب الرحمة في شباط/ فبراير الماضي، وما تخللها من عمليات ملاحقة واعتقال للمقدسيين وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، وإزالة للقواطع الخشبية والخزائن، سوى مقدمة لخطوة تصعيدية خطيرة تهدف للسيطرة على المنطقة وإحداث تغييرات جوهرية فيها، تمهيدًا لبناء كنيس يهودي.

ويعتبر باب الرحمة من أقدم وأشهر الأبواب في السور الشرقي للأقصى، ويتمتع بمكانة دينية وتاريخية عظيمة، وهو مكون من بوابتين ضخمتين، هما الرحمة جنوبًا والتوبة شمالًا.

وسُمى هذا الباب لدى الأجانب بالباب "الذهبي" لرونقه وبهائه، ويقع على بعد 200 متر جنوبي باب الأسباط في الحائط الشرفي للسور، ويعود بنائه إلى العصر الأموي بدلالة عناصره المعمارية والفنية، وهو باب مزدوج يعلوه قوسان ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة ضخمة.

وفي عام 2003، أغلقت شرطة الاحتلال مبنى باب الرحمة، حيث كان مقرًا للجنة التراث الإسلامي، واعتبرته سلطات الاحتلال أنه يستخدم لنشاطات سياسية، وفي عام 2017، أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا قضائيًا يقضي بإغلاق المبنى إلى إشعار آخر، بموجب "قانون مكافحة الإرهاب".

لكن في شباط الماضي، وبعد 16 عامًا من الإغلاق، تمكن المقدسيون من إعادة فتح مصلي باب الرحمة وأداء الصلاة فيه، ومنذ ذلك الوقت تواصل شرطة الاحتلال استهدافها وتدنيسها للمصلى.

أطماع دينية احتلالية

رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث الشيخ ناجح بكيرات يقول لوكالة "صفا" إن الأطماع الدينية اليهودية في باب الرحمة بدأت منذ احتلال القدس عام 1967، ولا تزال مستمرة حتى الآن، حيث شهدت المنطقة الكثير من الانتهاكات والاعتداءات الممنهجة.

ويضيف أن سلطات الاحتلال منعت تبليط المكان وإعادة إعماره وتنظيفه حتى أضحت المنطقة شبة مهملة، بالإضافة إلى التضييق على المقدسيين في الجهة الشرقية من باب الرحمة، وملاحقتهم واعتقالهم ومنعهم من الدفن في مقبرة باب الرحمة، ناهيك عن السماح للمتطرفين اليهود بأداء طقوسهم بالمنطقة.

وتسعى سلطات الاحتلال إلى إخراج باب الرحمة، الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الأقصى، من سيطرة دائرة الأوقاف، من أجل الاستيلاء على المنطقة الشرقية للمسجد وصولًا لتحقيق هدفها الاستراتيجي ألا وهو مشروع إقامة "الهيكل" المزعوم.

ويؤكد بكيرات أن هناك استهدافًا حقيقيًا لباب الرحمة، وأن "إسرائيل" بممارساتها واعتداءاتها تعدت الخطوط الحمراء وتعدت على الوضع الديني والتاريخي والقانوني القائم منذ عام 1967 للمسجد الأقصى.

ويشير إلى أن شرطة الاحتلال تقوم بحماية الراوية التوراتية التلمودية، وإزالة الرواية العربية الإسلامية وأحقيتنا بالمسجد الأقصى، تحضيرًا لمشروع "العاصمة اليهودية".

وعن مخاطر ما تسعى إليه "إسرائيل"، ينبه بكيرات إلى مدى خطورة ما تخطط له في "باب الرحمة"، قائلًا إن "تخلينا عن باب الرحمة يعني التخلي عن المسجد الأقصى بشكل كامل، وتنفيذ مخطط تقسيمه مكانيًا، وهو ما سيودي إلى انتزاع مساحات واسعة من المسجد، وبالتالي إنهاء وجودنا في المدينة المقدسة".

لكنه يشدد على أن المقدسيين لن يتخلوا عن الأقصى، ومستعدين للدفاع عنه بكل ما يملكون، فهم يشكلون "رأس الحربة" لوأد مخططات الاحتلال.

وللحفاظ على قدسية ومكانة باب الرحمة، يطالب بكيرات دائرة الأوقاف وكافة المعنيين بجعله (باب الرحمة) معقلًا من معاقل العلم على مدار الـ 24 ساعة، وأن يتم إعادة تدريس كرسي الإمام الغزالي.

وبالرغم من تعالي الأصوات الإسرائيلية المطالبة بإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة، إلا أن بكيرات يؤكد أنه سيبقى مفتوحًا ولن يغلق مجددًا، وسيتم إعادة ترميمه.

ويطل باب الرحمة من الخارج على مقبرة إسلامية عريقة تحمل اسم "مقبرة باب الرحمة" نسبة إليه، تبلغ مساحتها حوالي 23 دونمًا، اقتطع الاحتلال جزءًا مهمًا منها لصالح إنشاء حدائق تلمودية، ومنع منذ سنوات المقدسيين من دفن موتاهم فيها.

ويزعم المستوطنون أن باب الرحمة كان يستخدم مدخلًا رئيسًا "للهيكل" المزعوم ويقفون بمواجهته كأنهم سيدخلون من خلاله إلى ما يسمونها "قدس الأقداس".

استحداث واقع جديد

وأما مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني، فيقول لوكالة "صفا" إن الأطماع الإسرائيلية لا تقتصر على باب الرحمة فقط، بل تطال المسجد الأقصى بكافة مساحته الـ 144 دونمًا، بهدف تنفيذ مخططه القاضي بتفريغ الأقصى واستحداث واقع جديد فيه بقوة السلاح.

ويوضح أن الاحتلال يستهدف باب الرحمة بشكل ممنهج، وذلك من خلال الاعتداء على الحراس وموظفي الأوقاف وإبعاد بعضهم عن الأقصى لفترات متفاوتة، واستفزازات شرطة الاحتلال، وكذلك إخراج محتوياته والسواتر الخشبية منه أكثر من مرة، ما يشكل انتهاكًا سافرًا لحرمة الأقصى، واستفزازًا لكل المسلمين.

ويؤكد أنه لا تنازل عن أي جزء من الأقصى، ولن نسمح بفرض أي واقع جديد فيه وسنواصل رباطنا وحفاظنا عليه، قائلًا: "نحن في دائرة الأوقاف لا نعترف بإجراءات الاحتلال ضد الأقصى، وتحديدًا في باب الرحمة، ونرفضها بشكل قاطع".

ويعتبر تكثيف التواجد الشعبي والرباط الدائم في المنطقة، وإعمارها على مدار الساعة، الأداة والرادع الأهم للجم أطماع الاحتلال، ومنع تنفيذ مخططاته التهويدية، خاصة في ظل مواصلة الصمت العربي والإسلامي إزاء ما يجري بحق المسجد الأقصى.
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017