الرئيسية / الأخبار / فلسطين
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
تاريخ النشر: الجمعة 29/05/2020 20:50
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي

الباحث والكاتب في المجال التاريخي مفيد جلغوم، يعمل معلماً للتاريخ في مديرية تربية جنين، وأصدر عدة مؤلفات في التاريخ والبيئة الفلسطينيتين، سمع من أهله عن أحوال البلاد قبل إحتلالها وتشريد سكانها منها، في هذا المقال يبحث اليوم في قصة مشابهة لقصة لجوء أهله من مزرعة الجوفة قرب بيسان المحتلتين، يتحدث من خلاله عن قرية دير القاسي في الجليل المحتل، وقد جمع روايات شفوية من بعض من عاشوا طفولتهم الأولى بها، ومنهم والدة زوجته" حماته"، التي ما زالت على قيد الحياة، وتقيم لاجئة في الشتات.
يقول الباحث أن دير القاسي هي إحدى القرى الواقعة في قضاء عكا، وتبعد عنها 26 كم شمال شرق المدينة، وهي قرية قديمة، وجد بها آثار كنعانية ورومانية، وإستمر السكن بها خلال القرون الخمسة الأخيرة بلا انقطاع، ففي عام 1569 كان يسكنها 132 نسمة، وفي عام 1800 تقريباً وصل عددهم الى 200 نسمة، تزايدوا الى 1320 نسمة عشية الاحتلال عام 1948، ومن ثم احتلت وهجر سكانها الى لبنان.
الموقع
بحسب الموسوعة الفلسطينية (1984) تقع دير القاسي الى الشمال الشرقي من مدينة عكا، على مقربة من الحدود اللبنانية، على قمة جبل صخري يصل ارتفاعه الى 675 متر. يحيط بها قرى فسّوطة من الشمال وترشيحا من الجنوب.
الأرض واستخداماتها
بحسب الباحث وليد الخالدي في كتابه كي لا ننسى(1997) فإن مساحة أراضي القرية واسعة، فقد بلغت نحو 34011 دونم، جميعها ملك للعرب، لم يبع منها شبر لليهود. من هذه المساحة نحو 26 ألف دونم أراضي بور أو مكسوة بأشجار البلوط، والباقي أراضي زراعية، زرعت بأشجار التين، والزيتون، والحبوب، والخضروات المروية، والتبغ. كما ربوا الماعز والنحل. وفي القرية بركة لتجميع مياه الأمطار، كان لها دور واضح في تطور زراعة الخضروات من البعلية الى المروية.
الطريق الرئيسي
خلال الحرب العالمية الثانية شقت سلطات الإنتداب البريطاني طريقاً رئيسيةً معبدةً بالإسفلت، واتجهت شمالاً حتى الحدود اللبنانية، سمتها القوات الصهيونية بطريق القاوقجي، لانها كانت خط الامداد الأهم لجيش الانقاذ العربي في الجليل الأعلى. أدت هذه الطريق المعبدة الى جعل هذا الشارع هو الشارع الرئيسي في دير القاسي، وبالتالي قسمها الى قسمين أو حارتين، الأولى شرقية وهي أكثر إرتفاعاً، والثانية غربية، وفي كل حارة منهما مسجداً. كما بنوا لهم مدرسة ابتدائية، فيما كان يكمل الطلاب دراستهم في مدن صفد وعكا القريبتين، أو في مدينة القدس. كما كان يوجد بالقرية مقاما أبو جوهر، والشيخ أبو حليون.
المباني
يقول الباحث جلغوم بنيت بيوت القرية بطريقة بسيطة وتقليدية من الحجر واللبّن، لكن خلال القرن العشرين اتجه السكان الى بناء بيوتهم بطريقة أجمل من خلال استخدام الحجر الأبيض الصلب، فبنوا مساكن ريفية في غاية الجمال، تكون بعضها من اكثر من طابق، ويشهد على ذلك عدة بيوت ما زالت قائمة حتى الآن، ومنها بيت مختار الحارة الشرقية السيد عبد المجيد صادق، وكان أحد الشخصيات في المنطقة، ومن كبار ملاك الأراضي بالقرية، ويظهر غناه في جمالية البيت الذي شيده بالحجر الأبيض، وزين سقفه برسومات وزخارف ونقوش فنية ملونة تضاهي جمال القصور، وما زالت باقية حتى الأن بعد 72 عاما على النكبة. وبحسب تعداد المساكن كان بالقرية 169 بيتاً عام 1931، وفي عام النكبة كان بها 491 بيتاً، مازال قائما منها حتى الان بيت عبد الله الصادق، وبيت خالد العلكي، وبيت محمد البوليس، وبيت سليم حمادي، وبيت محمود حمادي.
إحتلال القرية
ويضيف جلغوم أن القوات الصهيونية شنت هجوماً عسكرياً برياً مدعماً بالقصف الجوي على القرية في 29 تشرين أول 1948، من خلال عملية حيرام التي هدفت الى احتلال ما تبقى من الجليل، وطرد أكبر قدر من سكانه، وقد نجحت العملية التي قادتها الألوية العسكرية كرميلي وعوديد وجولاني، فتم احتلال القرية في اليوم التالي 30 تشرين الأول، على الرغم من الدفاع الذي أبداه بعض المدافعين المحليين مدعومين بقوات من جيش الانقاذ. الا أن نصف سكانها هجّروا نحو الحدود اللبنانية القريبة منها. وفي هذا يقول المؤرخ الاسرائيلي بني موريس أن 700 شخص بقوا في منازلهم، في القري الثلات المتجاورة دير القاسي وترشيحا والبصة، ولكنهم طردوا بعد ذلك بشهرين. حيث تشير الوثائق الاسرائيلية الى نقاش داخلي حول عملية الطرد تمت بتاريخ 9 كانون الثاني 1949، بين مؤيد ومعارض لعملية الطرد لأسباب دفاعية وليست انسانية، حيث رأى فريق منهم أن بقاء بعض العرب في هذه القرى قد يمنع العرب من مهاجمة المستوطنين فيها، خاصة وأنها قريبة جداً من الحدود اللبنانية.
أقام الاحتلال على أراضيها مستعمرتان هما ألقوشي ونطوعه، كما أقيمت منشآت أخرى هي متات وأبيريم على أراضي القرية، واستقدم للسكن فيهما مهاجرين يهود من اليمن والعراق، سكنوا بهما منذ 27 أيار عام 1949، في مبان جديدة خاصة بهم، ما عدا بيتان سكن بها المستوطنون.
اليوم انهدمت بيوت القرية الطينية، وتحولت الى ركام، أما البيوت الحجرية فما زالت قائمة، رغم الاهمال وعدم الاعتناء بها. بل أن كثير من هواة الطبيعة والمصورين يصطحبون أفواجاَ من المتنزهين العرب لزيارة اطلال القرية، وينشروا منها صوراً تحكي قصة قرية جميلة ووادعة، كانت تعبق بحياة نشطة، ومكانة مرموقة في محيطها، الى أن جاءها غرباء أوقفوا عجلة الزمن بها منذ عام النكبة حتى الان. ومن صور الاصدقاء الحديثة لعام 2020 نرفق بعضاً منها مع هذا المقال.
عائلات القرية
سكن القرية عائلات متعددة وهي حسب الترتيب الهجائي: أورفلي، بقاعي، حمادي، حمود، حوراني، خشان، الخطيب، الزللي، الساعي، صادق، طه، ظاهر، عثمان، عنيس، عودة، كساب، مكية، ملك، معروف، ناصر، صبحة، الحاج، درويش، شولي.
وتستذكر السيدة أم علي السيد، نورا الظاهر (78 عاماً) مواليد دير القاسي، وتقيم الآن في الاردن، بعضاً من ذكريات طفولتها في قريتها دير القاسي، حيث ولدت بها بداية أربعينات القرن الماضي، فتقول: أن أكثر ما بقي في ذاكرتي هو بركة تجميع مياه الأمطار، حيث كانت قريبة من بيوتنا، وكان حجمها كبيراً، استخدم مياهها أهالي القرية لري مزروعاتهم.
وتضيف أم علي أن الناس كانوا يزرعوا الزيتون والحبوب، وبعض البقوليات، لكنهم تحولوا الى زراعة التبغ بشكل كبير، فكانت كثير من أراضيهم تزرع بالتبغ، ويعمل بقطف اوراقة كل أفراد العائلة، فيما يذهب بالمحصول الى مدن عكا وحيفا وصفد لفرمه آلياً، وبيعه. وقد استفاد أهالي القرية من ناتج عملهم بزراعة التبغ الذي كان يدر عليهم مداخيل نقدية مهمة، استثمروها ببناء بيوت جميلة وواسعة من الحجر.
وقد كانت السيدة أم على واحدة من مئآت اللاجئين الذين تركوا قريتهم واتجهوا الى الشمال هرباً من بطش القوات الصهيونية، فعاشت سنين طويلة من عمرها لاجئة في مخيمات لبنان، واليوم تسكن في الاردن، وما زالت تتذكر أيام طفولتها الهانئة في مسقط رأسها، وتعلن عن حنينها الدائم لقريتها الجميلة.


 

 

المزيد من الصور
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
قرية دير القاسي المهجرة/ عكا وذكريات حماتي
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017