الرئيسية / الأخبار / فلسطين
"هل عشر ثوانٍ تكفي لرؤية بعيد؟" الطريق إلى فراس
تاريخ النشر: السبت 13/09/2014 06:36
"هل عشر ثوانٍ تكفي لرؤية بعيد؟" الطريق إلى فراس
"هل عشر ثوانٍ تكفي لرؤية بعيد؟" الطريق إلى فراس

 

 بقلم: حياة أنور دوابشة

عقارب ساعة البيت تشير إلى الخامسة صباحاً، الشمس ما زالت لم تشرّف البيت بنورها، قرية دوما الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس ما زالت تغرق في ظلام حالك، أصدر محرك السيارة صوته محاولاً أن يقاوم البرد الذي جلبته قطرات الندى إليه، المحرك ينتصر على قطرات الندى وزمجر معلناً بداية الرحلة نحو المجهول.

إنها رحلة سنسلكها إلى جنين سيكون المخطط سفراً طويلاً من قرية دوما إلى المحكمة الكائنة هناك، محكمة سالم ، هناك سيقدر لي ولأخوين مشتاقين أن نرى أسيراً لمدة عشر ثواني.

ليست الطريق إلى فراس محمد دوابشة(36) -والذي كان قد اعتقل بتاريخ 7-8-2014- بالطريق الصعبة على الصعيد الشخصي ولكن من ناحية أخرى فهناك عند حافة التفكير الجهنمي الذي يمتلكه كل إنسان كانت الطريق تبدو شاقة وطويلة .

فراس إنسانٌ رائعٌ، مثال الشخص الذي يعتمد عليه،يحمل خبرةً متجذرةً في كل شيء في هذه الحياة ، وديعٌ ساعة الوداعة وشرسٌ عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك،طيبٌ ويُفتقد في كل ثانية .

لم يكن اعتقال الشاب العصامي بالأمر العادي بالنسبة إلى قريتي الهادئة جداً ،فتلك الليلة شهدت دخول عشرات الدبابات وناقلات الجند لإنسانٍ بألف رجل ، كانت ليلةً حملت في طياتها ريح ذهاب ابن القرية إلى طريقٍ مجهولةٍ.

وتشاء لنا -أنا ابنة أخيه وعمي أمين وأبي أنور أن تكون لنا نفس الطريق لنسلكها الآن من أجل أن نراه، الحقيقة أنه كان انطلاقا صباحياً سهلاً للغاية ولإنسانٍ فلسطيني فهو أمرٌ لا يبشر بالخير، هكذا كان التفكير ولكن طابع التفاؤل كان يغلب على شؤمنا الفلسطيني الصبغة.

لقد تجاوزنا حاجز زعترة الآن الوقت لا يزال مبكراً بالنسبة لمعظم البشر العاديين الذين يبدؤون دوامهم في الثامنة صباحاً ولكن هدفنا كان يختلف عن هدف أولئك.

تبدأ معالم وددت لو رأيتها دفعةً واحدةً تتدفق واحدةً تل والأخرى ، نحن في قرية بورين الجميلة وتبزغ فجأة عن شمالها قرية عصيرة ،سلكنا الطريق المؤدية إلى جنين من مفرق دير شرف ودخلنا طريق طولكرم مررنا بالناقورة الشماء وسبسطية الأثرية، وكان من السهل على عيوننا الحذقة أن تلمح شارع الأعمدة فيها.

أبي وهو يقود السيارة يغني :

جفرا وهي يا الربع احنا بسهل برقة .............والموت والله يا عين أحسن من الفرقة

كان بمثابة الموسوعة المتنقلة يخبرنا عن شيء جميل في كل قرية نزورها ،بضع دقائق وأصبحنا في قرية سيلة الظهر والتي كانت تمتلك أعلى مئذنة في فلسطين إلى أن نافستها أخرى في قرية سلواد.

الساعة الآن السابعة وعشرون دقيقة ، كان منظراً جميلاً أن تلمح الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس ، ففي كل قرية كانوا يتشابهون وتستطيع أن تميز بحسك العربي بأن كل طفل صغير منهم يحمل دماً فلسطينياً ثورياً.

كانت جبع من أكثر المناطق التي تحدثنا عنها واستطاعت بحقول الدخّان الكثيرة أن تنسينا بعضاً من التفكير بخصوص ما سيحدث في المحكمة، إنها حقول تعافها الحيوانات ويستثمرها البشر ، فبدل أن تتنفس الهواء النقي لك أن تتنفس دخاناً ، كان لهذا التناقض الغريب مفعولاً أنسانا بعضاً من تشاؤم الصباح.

تجاوزنا قرية عجة وعنزة والتي كانت تتواجد فيها سكة حديدية تصل جنين بحيفا، شبح كفر راعي لاح في الأفق وسرعان ما تفاجئنا برائحة مكب زهرة الفنجان،مررنا بمعسكر الفحمة مضياف العملاء قديماً والذي بات يعرف بالمنصورة الآن ،أحراش يعبد اختفت كسراب.

 في السابعة والنصف كنا نسير بمحاذاة سهل مرج بن عامر، كان منظراً بديعاً تتوارى خلفه أجزاء من الأراضي المحتلة تذهب جماله فوراً، أن ترى خيالات الناصرة تلوّح لك من خلف المرج شيءٌ محزن، ربما كانت أحداث التغريبة الفلسطينية قد مرت من هنا.

عشرون دقيقة تفصلنا الآن عن لقاء فراس كان علينا أن نمر بمدخل جنين الغربي ثم ندخل إلى سيلة الحارثية ورمانة وزبوبة ونصل إلى المحطة الأخيرة، سالم.

كان على القلم والورقة أن يتركاني قليلاً فلا يسمح بدخول أي شيء من هذا القبيل،عشرات البشر يصطفون أمام المعسكر، كل منهم يلقي محاضرة عن النظام وامرأة تتأفف من طول الانتظار، يصيح الجندي بلهجته الغريبة"يلا"، نبدأ بالدخول.

كان لنا الأسبقية في الدخول فمعظم الموجودين كانوا يريدون بطاقات ممغنطة وتصاريح ، والأولوية هي للمحاكم، لا يمكن وصف مدى التسهيلات التي أتيحت لنا في ذلك اليوم.

دخلنا طريقاً طويلة أشبه بممرات الدواب، ثم أصبحنا داخل معقل الجنود، تم التفتيش على أكمل وجه، وصودرت صور شخصية وطاقية عمي ودبابيس صغيرة ، دخلنا قاعة الانتظار وكانت الفاصل الوحيد بيننا وبين المحكمة التي سيجري فيها لقاءُ العشر ثواني.

دقائق تمر سريعاً ولا إذن بالدخول ويخلو المكان إلا من عامل تنظيف ألقى محاضرة عن النظافة والدين حيث كان عليه أن يلتقط فتات خبز تركها آخرون،لا طاقة لنا للإنصات له فقد بلغ الصبر منا مبلغاً صعباً.

يدخل شخصٌ إلى القاعة ومن هيئته يبدو أنه محامٍ يسألنا عن الأسير الذي سنحضر محكمته ونجيب فراس فيقول بأن لا محاكم اليوم إلا لأسير واحد وهو ليس فراس!.

 خيبة أمل فالمحامي لم يبلغنا بأن موعد محكمة فراس قد تقدم يوماً واحداً وأنه كان البارحة موجوداً ولم ير أحداً من أقاربه جاء ليراه لمدة عشر ثواني.

مسيرٌ لأجل عشر ثواني ، ممرات طويلة تشعرك بالذل، كانت نتيجة رحلتنا اليوم إلى المجهول، ولكن مهلاً لحظة لقد كسبت على الصعيد الشخصي رؤية قرى فلسطينية جديدة وخبراً آخر يرفع من قيمة فراس إلى أبعد من حدود السماء، خبرٌ يثبت لنا بأن لا خوف على هذا الرائع.

عودة لقرى أخرى سنمر عليها ،عودةٌ بأخبار ترفع المعنويات، عودة لقرية دوما حاضنة الأسير الحاذق النبيه فراس محمد دوابشة.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017