الرئيسية / الأخبار / فلسطين
تسعة أعوامٍ وعنقود البراءة غائب شبحُ اختفاء نجلاء ديناميتٌ حارق..ما السرّ ؟
تاريخ النشر: الأحد 28/09/2014 19:28
تسعة أعوامٍ وعنقود البراءة غائب شبحُ اختفاء نجلاء ديناميتٌ حارق..ما السرّ ؟
تسعة أعوامٍ وعنقود البراءة غائب شبحُ اختفاء نجلاء ديناميتٌ حارق..ما السرّ ؟

 تحقيق: إيمان فقها

"وفي قلبي يا أمّي حسرةٌ متدفِقة من أشواق باهتة، ذَبُلت مع نسيم ريح خرج معكِ، وكم كنتِ جميلة وأنتِ تعدّين ثيابك، مريولك المدرسيّ، دفاترك، كتبك، كم من مرةٍ اختلستِ النظر إليها، رائحتكِ ما زالت عطرة في كلّ ناحية، وعيناك من الفرحة بريقُ أقحوانٍ، وأنتِ بين أحضاني طفلتي التي باغت الزمن وخبأها، وما زلت أراك عنقود داليةٍ، زهرة أخفتها مطامع الدنيا، عودي فرقيقُ الشمعِ انهار بغيابك، عودي وأعيدي جِذر الحياة يا صغيرتي"، هي تقاسيمُ طفلة ما زالت حاضرة بعيونِ أمّ اكتسبت من لون الشهدِ جانباً، وخبّأت بينهما سيلاً من دموعٍ حارقة، وبين مقلتيها حديثٌ، حكايةٌ كألف ليلة وليلة، مراسم وجهها كشجرة صمدت في جذور الأرض مئة عام، وانهارت بهبوب ريحٍ ناعمة، وابتدأ شبح المرارةِ يعود بها لسرد قصة تدكّ صديد عقلٍ، وروحٍ ترشقت بخيط من أملٍ لعلّه صائب.

إنّه الخامس والعشرون من شهر آب لعام 2005، يومٌ جاف، بائس، كئيب، حمل بين ثناياه حكاية ما زال شريطها يُلوح في سماء مخيم عسكر شرق مدينة نابلس، تسع سنوات والغائبةُ تدقّ قلب أمّها كلّ ليلة، والأمل بين عيون العائلة يركنُ حاضراً.

 هي نجلاء ناهد النادي، والتي لو كانت على قيد الحياة الآن لتُوِّجت بالعشرين عاماً، ما لغز اختفائها؟، ما سرّ زجاجة العصير الإضافية، ولما لم يبرح كلب الآثار من أمام البقالة التي ابتاعت منها، ما القصص التي تداولها أهل المخيم عن اختفائها، ومن المسؤول عن عدم إيجاد خيط يوصل إليها حتى الآن؟، وكيف تعلقت العائلة بقشة أمل العرّافين؟، وما هي عقوبة الخاطف؟، وكيف وجهت الشريعة الإسلامية المجتمع إلى التحلّي بالدعاء لله عند اختفاء فلذات أكبادهم؟، أسئلةٌ حاولنا الإجابة عليها في تحقيقنا هذا.

في تمام الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم الأربعاء، توجهت الطفلة نجلاء النادي إلى البقالة لتبتاع بعضاً من الخضار والبيض التي طلبتها والدتها، وبعد غيابها بفترة نصف ساعة، شكّت الأم فخرجت لتُفسّر سبب غيابها.

بدموعٍ اغرورقت عينيها، وبصمت طبّق شفتيها تقول شروق النادي " طلبت من ابنتي التوجه للبقالة التي تبتعد مسافة 150 متراً عن بيتنا، لشراء بعضٍ من البيض، والخضار، ومن ثم اللحمة، وبعد غيابها أكثر من نصف ساعة، شعرت بالخوف، فارتديت ملابسي، وتوجهت للبقالة".

تضيف شروق النادي "وعند وصولي البقالة، أخبرني صاحبها أنّ ابنتي ابتاعت ما طلبته منها، لكن هناك إضافة، ألا وهي زجاجة عصير، لكنّني لم أطلب منها ذلك، وأخذت منّي مبلغاً يسدّ ثمن شراء البيض، والبطاطا، والبندورة، واللحمة فقط".

عادت شروق النادي تخطّ أدراجها راكضةً، وبدأت عائلة النادي بالبحث عن نجلاء، في كلّ زقاق، لكن لا أثر واضحاً لها، وعمّ خبر اختفائها أرجاء المخيم، وصدحت السمّاعات بصوت اسمها، "نجلاء خرجت ولم تعد"، لتبدأ رحلة البحث عنها كلّ طرف من سكّان المخيم، صغيراً وكبيراً.

تضيف شروق النادي "بحثنا في كلّ عتبة مكان، لكنّنا لم نجد شيئاً، حتّى الأغراض التي ابتاعتها اختفت تماماً، وما زاد الطين بلّة، أنّ نجلاء كانت ترتدي حذاءً لي، أي أنّه أكبر من نمرة رجلها بكثير، كيف استطاعوا خطفها؟، ولم يهبط الحذاء من رجلها".

لم تيأس شروق النادي من عمليّات البحث، حتى وصل الأمر بها أن تلجأ إلى حاويات القمامة علّها تجد لمحةً بسيطة عن ابنتها، يُطفِئ لهيب نار فؤادها، لكن الخيبة سكنت صميم عقلها كلّ مرة.

عمليّات البحث...بلا جدوى

تقول زوجة عمّ نجلاء، فتحية ناصر النادي (30) عاماً " وصلنا لأبعد المناطق، لكن لم نحصل على أدنى معلومة، تعددت الأقاويل حول اختفاء نجلاء، حالتنا في تلك الفترة كان يُرثى لها، ووضعنا مُرزي لدرجة".

تضيف فتحية النّادي " لم يصلنا أية تهديدات إطلاقاً، بعد حادثة اختطاف نجلاء أصبحنا نخاف على أبنائنا من الخروج لوحدهم، والحيطة والحذر زاد أكثر".

أمّا أحد جيران عائلة النّادي، محمود أبو فايد (28)عاماً فيقول " شعرنا أنّ هناك حركة غريبة عند عائلة النّادي، ولدى معرفتنا بالقصة، خرجنا جميعاً نبحث عن نجلاء، تلك الفتاة الفصيحة، الخلوقة، التي لا يستطيع كائنٌ كان الضحكَ عليها".

ويضيف محمود أبو فايد "في تلك الآونة الفلتان الأمنيّ كان واضحاً، من سرقة سيارات وغيرها، جئنا بكلاب أثرٍ تتبع طريق نجلاء، لكن كانت تصل البقالة التي ابتاعت منها وتقف".

"وصلنا لبيت تحت الدرج في منطقة معتمة، ونزلنا إلى الأسفل، لكن لم نجد إلا بضعة من الكراكيب، ولا أثر صير لنجلاء، الاحتمال الأكبر أن خاطفها من مخيم عسكر نفسها، وهدفه المتاجرة بأعضائها".هذا ما ذكره محمد أبو فايد.

ويختتم محمد أبو فايد حديثه قائلاً "عائلة النادي منكوبة، نجلاء سُمّيت على اسم عمّتها الشهيدة، ولها عمّ شهيد، بيتهم هُدِم وأُعِيد بناؤه، في بحِثنا عن نجلاء وصلنا النّصارية شرق مدينة نابلس، الباذان، الفارعة، كلّ المناطق، وبقينا لمدة شهر ونصف على نفسٍ واحدة، وأمل كبير، لكن لم نجد خيطاً رفيعاً يدلّنا على نجلاء".

يقول الحاج صالح طقاطق (60) عاماً "بعد إعلان عائلة النادي اختفاء ابنتهم، انتشر الجميع ليبحث عنها، فذهبوا للطريق التي سلكته حتى وصلوا بيتاً، فقاموا بتفتيشه، لكن لم يجدوا أثراً لها، ومن ثم انتشر الجميع إلى خارج المخيم للتفتيش عنها"

يذكر صاحب البقالة الذي ابتاعت منه نجلاء، عامر سعد " جاءت نجلاء لتبتاع أغراضاً لم أعد أذكرها، وبعدها خرجت، ثم قدم أهلها بعد نصف للسؤال عنها، ولم أشاهدها حتى اللحظة".

قصص مغلفة بخيبات أمل

يذكر إحدى سكان مخيم عسكر مالك خالد (55)عاماً "إحدى القصص التي وردت لأهل نجلاء أنّها موجودة في مواسير المياه، وفعلاً قاموا بفتح المواسير، والمناهل، لكن لم يجدوا شيئاً".

ويضيف مالك خالد "قصة أخرى تمّ تداولها أن سيارة تحمل كيساً أسود موجودة بداخله، وعند ذهاب أهلها، وجدوا جثة لطفل لم يتبقى منه شيء بعد الاستيلاء على أعضاء جسمه، لكن لم تكن الجثة لنجلاء".

 

 

والبحث ما زال جارياً

ما زالت التحقيقات من طرف الشرطة، والبحث جارٍ للوصول إلى خيط صغير يصل لمكان اختفاء نجلاء.

العرّافين..قشة الأمل الباهتة

محاولات بحث لم تتبوأ بأي نتيجة، ومشوار طويل لإيجاد رقعةٍ يتوسدّ عليها عائلة النّادي لإيجاد نجلاء، لكن بلا فائدة، فما كان من والدتها إلا اللجوء إلى العرّافين لإيجاد بعضٍ من حروف تطمئنها أنّ ابنتها على قيد الحياة، وهنا بدأ مشوار شروق النادي مع العرافين، خيوطٌ كاذبة لاطمئنان قلبيّ.

وبحسرةٍ تَعصُر قلبها تذكر شروق النّادي "الغريق يتعلق بقشة أمل، وأنا كذلك، لجأت إلى عرّافين من جميع المناطق، كي أطمئن أنّ ابنتي ما زالت على قيد الحياة، ولم يصبها مكروه، والقصص التي أخبروني بها عديدة".

توجهت شروق النّادي إلى إحدى العرافات في مخيم عسكر، فأخبرتها أنها لا تستطيع مساعدتها بالتحدث عن مكان وجود ابنتها، لأنهم سيقومون بالثأر منها، وآخر أخبرها أن نجلاء متزوجة وما زالت بخير، وآخر أنها موجودة في إسرائيل، وآخر أنها موجودة في الباذان، وعند توجهها للمناطق المذكورة لا تجد شيئاً.

أمّا المصيبة التي تلت مصيبتها، فهي حضور إحدى العرّافات إلى منزلها، تخبرها بقدرتها على إيجاد ابنتها، لكن يجب أن تجلب مجوهراتها الذهبية لتفتح عليه، حيث تذكر شروق النادي "أحضرت مجوهراتي، فاختارت منهم أربعة أساور، وعقداً، وثم قامت بالاتصال مع شيخها، وفجأة التفتُ ولم أجدها".

شروق ما زالت حتى اللحظة تلجأ للعرافين، علّها تجد إجابة تروي ظمأ قلبها، وتُكحّل عينيها برؤية ابنتها.

الإسلام وتحريم اللجوء للعرافين

يقول دكتور الشريعة الإسلامية في جامعة النّجاح الوطنية سعيد دويكات "التعامل مع العرافين قطعاً مرفوضة، حيث ورد في الحديث الشريف (من أتى عرّافاً فصدّقه بما قال فقد كفر بما ُأنزِل على محمد)، ولا تُقبل له صلاة أربعين يوماً، فهو نوعٌ من الشرك بالله".

ويضيف د.سعيد دويكات "الله لم يعطي علمه لأحد، فكيف سيعطيه لهؤلاء، هدفهم الوحيد هو الضحك على النّاس، وإغراقهم بالأوهام، والاستيلاء على أموالهم".

القانون وحكم الخطف

وعن حكم الخطف يتحدث دكتور القانون في جامعة النجاح علاء بني فضل "حكم الخطف فيما يتعلق بالإناث ما بين(3- 15) سنة، ويزيد عن ذلك إذا قام بأفعال أخرى مع المختطَفَة".

صديقتي..ما زلت أذكرها

ما زالت الطالبة في كلية الإعلام بجامعة النجاح روزين أبو طيون تستذكر صديقتها الطفوليّة نجلاء حيث تقول "فتاة طيبّة، حنونة، درست معي الصف الرابع بمدرسة عسكر، تحب الجميع، في ذلك اليوم المشؤوم لم نصدق حقيقة ما حدث، وبكينا عليها كثيراً".

و تستكمل روزين أبو طيون حديثها قائلةً "من بعد الحادثة تمالك الخوف أهالي المخيم، ولم يجرؤ أحد على الخروج، صورها عبأت كل مكان، حتى عند سفري للأردن، شاهدت صورها على الجسر".

وتعلّق اللغز بحبال الخفاء، غموض كامل، وشماعة الأمل ما زالت ترنّ في عيون عائلتها، وتبقى الحقيقة غائبة ليوم قد تعود به نجلاء حية، أو جثة لتنزع آخر بذرة أمل سكنت بين مقلة والديها.

المزيد من الصور
تسعة أعوامٍ وعنقود البراءة غائب شبحُ اختفاء نجلاء ديناميتٌ حارق..ما السرّ ؟
تسعة أعوامٍ وعنقود البراءة غائب شبحُ اختفاء نجلاء ديناميتٌ حارق..ما السرّ ؟
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017