الرئيسية / الأخبار / عناوين محلية
حرائق الغابات كابوس الصيف المرعب.. كيف يساهم الاحتلال في اندلاعها؟
تاريخ النشر: الأحد 20/08/2023 08:57
حرائق الغابات كابوس الصيف المرعب.. كيف يساهم الاحتلال في اندلاعها؟
حرائق الغابات كابوس الصيف المرعب.. كيف يساهم الاحتلال في اندلاعها؟

زهرة خدرج
خاص بآفاق البيئة والتنمية

"أجواء متطرفة شتاءً تتسبب بفيضانات وأعاصير مدمرة، أما صيفاً فموجات حر حارقة تتسبب في إشعال حرائق لأتفه الأسباب، وتخيلّوا معي شرارةً تسقط في جو شديد الحرارة على منطقة يسودها الجفاف؛ أغصان وحشائش وحتى تربة، في طقس تعبث الرياح بأجوائه.. ما النتيجة المتوقعة يا تُرى؟ وإلى أين يجرُّ البشر هذا الكوكب البائس؟".
نيران مجنونة تستعرّ في كل مكان في الغابة، الأشجار السامقة تصبح جِذاء ملتهبة من جذورها حتى قممها، الأعشاب الأرضية الجافة تغدو وقودًا تؤجج النار وتدفعها للانتشار وتوسيع رقعة الحريق، الحيوانات المشتعلة تفر بنار تأكل أجسادها إلى مناطق أخرى، حاملة معها ألسنة اللهب، وموسعّة لمساحة الحريق.
المصيبة أن هذه الحرائق في أحيان كثيرة تستعصي على الإخماد، قد تستمر لأيام وأسابيع وحتى شهور، دول عدة من العالم وخاصة منطقة حوض البحر المتوسط، تواجه هذه الحرائق سنوياً بعد أن يبدأ موسم الحر والجفاف وترتفع درجات الحرارة، الأسباب كثيرة قد تكون طبيعية مثل صواعق البرق وحمم البراكين، ومنها ما تكون مفتعلة افتعالًا مباشرًا أو غير مباشر، بسبب تعامل الإنسان غير الرشيد مع البيئة.
أنباء مفجعة وصور مرعبة تملأ الآفاق، قد لا تستوقف كثيرين ولو حتى للحظات، ليحاولوا فعل شيء ولو على الصعيد الشخصي، ومَن تستوقفه، قد يعبس بوجهه أسفاً للحظة؛ ثم ينتهي الأمر.
أشجار تحترق؛ وماذا يعني ذلك؟ بشر كُثر يصابون ويحترقون وتتفتت أجسادهم في الحروب والحوادث، فهل نأسف على شجرة تحترق، ويحترق معها حيوان؟
نشعر وكأن البشر قد أضحوا غير متَّزنين، أو أنانيين جداً لا يفكرون إلا في ذواتهم، وكثيرٌ منهم يعتقدون أن ما يحدث حولهم لا يمسّهم، ما دام لا يؤذي مصالحهم الخاصة.
أما ما يخص مستقبل الكوكب والأجيال القادمة فهذا ليس من شأنهم، ويتناسون أن المستقبل الجمعي لا يستثني أحداً؛ غابات أستراليا وأسبانيا، والأمازون، وغابات تركيا والهند وإيطاليا والجزائر، والقائمة تطول.
جحيم على الأرض يطال مساحات خضراء شاسعة، وأشجار معمرة قد يصل عمرها إلى مئات السنين، تصبح جمراً ثم رماداً تذروه الرياح؛ فما هي هذه الحرائق؟ وما هي مخاطرها؟ وهل كل الدول مؤهلة لحدوثها؟ أحقاً تحمل هذه الحرائق في طياتها خطراً على مستقبل بني البشر؟ وماذا عن دولة الاحتلال؟ هل الغابات المحتلة فيها عرضة لمثل هذه الحرائق؟ أليست هذه الحرائق نمطًا جديدًا لم تكن فلسطين تعرفه في السابق؟ كيف يرتبط حدوث حرائق الغابات بوجود الاحتلال؟ التقرير التالي يخوض في هذه التساؤلات بالغة الأهمية.

طوفان النار: رعب الغابات المشتعلة

في حرائق الغابات عام 2020 في أستراليا قُدّر عدد الحيوانات التي قُتلت في "نيو ساوث ويلز" بأكثر من 800 مليون حيوان، وتأثرَّ أكثر من مليار حيوان من الثدييات والطيور والزواحف.
لا يمكن أن يشبّ حريق إلا إذا توافرت له عوامل ثلاثة على الأقل: مادة قابلة للاحتراق، وحرارة مرتفعة، وهواء يزود النار بالأكسجين الذي من دونه لا تتكون نار.
تنتشر حرائق الغابات اعتماداً على نوع وكمية الوقود المحيط بها، ويشمل الوقود كل شيء يتواجد في المحيط من أشجار ونباتات وحقول عشبية جافة... الخ.
وتحترق المواد الصغيرة، على سبيل المثال العشب الجاف، وإبر الصنوبر، والأوراق الجافة، والأغصان الميتة وغيرها، احتراقًا أسرع من جذوع الأشجار الكبيرة والأغصان العريضة، وجفاف هذه المواد يزيد من سرعة تسخينها وسرعة اشتعالها، ما يؤدي إلى نشوب حريق يصعب احتواؤه، ولنتذكر أنه كلما انتشر الحريق جفّف المواد الموجودة في المحيط وأسرعَ من اشتعالها.
يرّجح الباحثون أن تغير المناخ هو الدافع الرئيس في زيادة اِستعار الحرائق في جميع أنحاء العالم، إذ تجعل موجات الحرارة الشديدة الغابات جافة أكثر بخمس مرات؛ حالياً مما كانت عليه قبل 150 عاماً.
وتدمر الحرائق ضعف المساحات العالمية المغطّاة بالأشجار مقارنة بما كان يحدث قبل 20 عاماً.
ووفقًا لبيانات نُشرت يظهر أن العالم يخسر كل دقيقة؛ ما يوازي مساحة 16 ملعب كرة قدم مغطى بالأشجار، وأظهرت البيانات أن عام 2021 شهد بعض أسوأ حرائق الغابات منذ مطلع القرن مع فقدان 9,3 مليون هكتار من الغطاء الشجري على مستوى العالم.
وأشار تقرير للأمم المتحدة، إلى أن حرائق الغابات الهائلة سببها البشر في الغالب ويزيد من تفاقمها تغير المناخ، ولكن هناك شك أن هذه الحرائق ذاتها تقود إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وأكد التقرير وجود علاقة للجفاف بامتداد فترة الحرائق الهائلة مع مساهمة الظروف الجوية العاصفة والجافة والحارة في كثافة الحرائق، إذن، نحن ندور في حلقة مفرغة، كل جزء منها يؤدي لما بعده، وهكذا.
فرنسا، على سبيل المثال، تُستغل مساحتها كاملها في الاستثمار الملوِّث للبيئة، وفي الوقت ذاته تطلب من البرازيل أن توفر لها الهواء النظيف، فهذه الواقعة تكشف أمرين هما أن الخطاب الدولي خطاب منافق لا يعمل بإخلاص على مواجهة هذه الحقيقة المرعبة، أما الدول الغنية التي تتحمل وحدها تقريبًا مسؤولية تلويث البيئة والإضرار بالأرض، فهي تريد من الدول الفقيرة أن تتحمل العبء وحدها.

رجال السياسة لا يبالون بصيحات الفزع التي يطلقها خبراء المناخ، بل تراهم يعملون على تهميش دورهم وتحذيراتهم بضرورة تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لمصالح فردية أنانية.
وفي نهاية الأمر، يفرض الأقوياء رؤيتهم ومصالحهم، ولا يتورعون عن التخلي عن تعهداتهم بعدها، كما فعل الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" الذي أعلن الانسحاب من معاهدة باريس سنة 2017، ونفّذ ذلك لاحقًا بذريعة أن الاتفاقية التي وُقعّت سنة 2015 تضر باقتصاد بلاده، ويتجاهل في المقابل أن الصناعة الأميركية تسبّب أكبر نسب التلوث، وتضر بالأرض أكثر من أي اقتصاد آخر.
انعكاس حرائق الغابات على الصحة والبيئة
حذر تقرير للأمم المتحدة من أن عدد حرائق الغابات الكبيرة في كل أنحاء العالم سيرتفع ارتفاعًا حادًا في العقود المقبلة بسبب الاحترار المناخي، وحذّر التقرير أيضًا من تبعات خطيرة لهذه الحرائق على البشر والطبيعة في المستقبل.
تمتد الآثار طويلة المدى على صحة الإنسان إلى ما هو أبعد من مكافحة حرائق الغابات، أو الخسائر المتكبدة.
يؤدي الدخان والجسيمات الناتجة عن حرائق الغابات إلى عواقب وخيمة على الصحة في التجمعات السكانية الواقعة في اتجاه الريح، حتى تلك التي تبعد آلاف الكيلومترات من مصدر الحرائق، وغالبًا ما تتفاقم الآثار لدى المصابين بأمراض موجودة مسبقًا، والنساء، والأطفال، وكبار السن، والفقراء.
وتؤدي التغييرات في أنظمة الحرائق إلى خسارة هائلة في التنوع البيولوجي الذي قد ينال من 4400 نوع من الأنواع البرية وأنواع المياه العذبة.
تولد حرائق الغابات غاز الكربون الأسود والملوثات الأخرى التي يمكن أن تلوث مصادر المياه، وتعزز ذوبان الأنهار الجليدية، وتتسبب في حدوث انهيارات أرضية وتكاثر الطحالب على نطاق واسع في المحيطات، وتحويل مصارف الكربون مثل الغابات المطيرة إلى مصادر كربونية.
وتؤدي حرائق الغابات إلى القضاء على المواد العضوية في التربة وفقدان العناصر المغذية، كعنصري النيتروجين والفسفور، وتُحدث تغيرات في معادن التربة، وتحوّلات في التوازن الداخلي.
وكلّما زادت حدة الحريق، كانت هناك فرصة لأن تصبح الطبقة العليا من التربة طاردة للماء، بفقدان قدرتها على امتصاص المياه والاحتفاظ به، وبالتالي تصبح جافة صعبة التهوية، كما تفقد قدرتها على القيام بمهامها كما ينبغي في الحفاظ على تنوعها البيولوجي.

حرائق الأحراش في فلسطين قبل وبعد الاحتلال
يقول المؤرخ ممدوح البري في حديث مع "آفاق البيئة والتنمية": "يمثل وجود الفلاح الفلسطيني عامل حماية ومحافظة على الأرض، فقد عشَّبَ الأرض وجفَّفَ الأعشاب وتركها لطيوره الداجنة لتصنع منها أعشاشها، وقلَّم الأشجار وأزال الأغصان الجافة وجمعها، وأوقدها للتدفئة وطهي طعامه، كان الفلاح الفلسطيني متجانساً مع البيئة؛ منتمياً لها تعطيه ويعطيها، يحافظ على توازنها وتمنحه بسخاء، وهو ما يفتقده المحتل، الذي منذ وفوده إلى هنا أخذ يقتلع الأشجار الطبيعية، ويزرع مكانها أنواعاً محددة في مناطق محددة؛ وبكثافة عالية تسبّبت بوجود غابات مصطنعة، قريبة من التجمعات السكانية وحتى بينها، لذا كان سهلاً أن تنتقل الشرارة إلى الأغصان والأوراق الجافة، وتشعل حريقاً هائلاً يدمر غابات كاملة".
قبل بدء احتلال أرض فلسطين في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كانت الغابات الطبيعية تحوي أنواعاً مختلفة من الأشجار الغابية شديدة التنوع، على رأس قائمتها الخروب والبطم والبلوط والزعرور وفاكهة القيقب والسنديان والصفصاف، والأكاسيا بأنواعه والزيتون البري، وسلاسل الصبار، وغيرها، وكان الصبار يحيط بالقرى الفلسطينية جدارًا حاميًا، ولم تُلحظ أشجار الصنوبر في فلسطين قبل عام ١٩٤٨، ولكن، ما أن بدأت تصل أولى وفود المستعمرين اليهود من أوروبا وأميركا، وشرعت تحط رحالها في فلسطين، وتبني لها مستوطنات، حتى بادر هؤلاء باستبدال الزيتون والأشجار البرية الفلسطينية، بأشجار الكينا والصنوبريات، بهدف تثبيت ملكية الأرض لليهود، وتغيير المشهد البيئي لصالحهم عبر خلق شعور لدى القادمين من الغرب بأن هذه البقعة الجغرافية الجديدة، ليست غريبة عنهم، بل تشبه إلى حد كبير وطنهم الذي غادروه؛ لذا سارع "الصندوق القومي اليهودي" لتحريش مساحات شاسعة من أراضي فلسطين بأشجار الصنوبر سريعة النمو، وأطلقوا على هذه الغابات المستحدثة اسم "الرئات الخضراء"، ومضى الصندوق القومي اليهودي أيضاً ينشئ متنزهات عامة يطمس بها آثار القرى والبلدات العربية الفلسطينية المهدّمة في تلك المناطق.
على سبيل المثال " التهمت الحديقة الوطنية على جبل الكرمل أراضي قرى عربية مثل إجزم، وأم الزينات، وخبازة، التي لم يعد لها أي ذكر على أي خريطة، وطمست حديقة "كندا بارك" معالم قرى مدمّرة عديدة مثل عمواس وبيت نوبا ويالو بالقرب من القدس.
لم يُدرك المحتلون حجم الهاوية التي دفعوا البيئة نحوها، إلا بعد أن شرع باحثون وخبراء البيئة يربطون بين اندلاع الحرائق في الغابات والمشروع الصهيوني لتشجير البلاد بالصنوبر، حيث تعمل الأغصان والأوراق الإبرية اليابسة على أرضية غابات الصنوبر وقودًا يؤهل لاندلاع الحرائق وانتشار ألسنة اللهب، أضف إليها أكواز الصنوبر التي تعمل جرّة نفط خاصة عندما تطير الأكواز المشتعلة لأماكن أخرى وتنشر معها الحريق، وبمقارنة بسيطة بين أشجار الصنوبر والبلوط (الشجرة الفلسطينية الأصيلة)، نجد أن الأخيرة تُصنّف ضمن "الأشجار المُقاومة للحرائق" وذلك بفضل قشرتها السميكة والمميزة.
الصبار أيضاً من النباتات الصبورة التي تمتلك القدرة على تحمل لهب الحرارة المرتفعة والبيئة القاسية التي تشهدها المناطق الحارة، ومن الشائع أن تُزرع مثل هذه النباتات المقاومة للحريق في صفٍ واحد على حدود منطقة بأكملها؛ لإنشاء حاجز يصدّ الحرائق ، ويحمي بقية النباتات.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017