الرئيسية / ثقافة وأدب
Operation Mincemeat: القصة الحقيقية وراء عملية اللحم المفروم
تاريخ النشر: الثلاثاء 09/01/2024 19:07
Operation Mincemeat: القصة الحقيقية وراء عملية اللحم المفروم
Operation Mincemeat: القصة الحقيقية وراء عملية اللحم المفروم

Operation Mincemeat: القصة الحقيقية وراء عملية اللحم المفروم

ميرا عمران

لا تزال الحرب العالمية الثانية مبهرة وملهمة حتى هذه اللحظة، والدليل على ذلك هو إنتاج الكتب والأفلام مستمرا بلا انقطاع، وإن الواقع المروع الذي يعيشه العالم اليوم يجعل موضوع "الحرب" أكثر أهمية من أي وقت مضى.

 في البداية حظيت القصص الكبيرة اثناء الحرب العالمية الثانية بالاهتمام، مثل عمليات الإنزال في نورماندي ومعركة أرنهيم، وكلاهما في عام 1944، ومع مرور السنين تتم الآن مناقشة القصص غير المعروفة لعامة الناس، ويعد فيلم "عملية اللحم المفروم" مثالاً على ذلك، والغني عن القول الى جانب المعارك الميدانية، أن هناك صراعا موازيا يجري في المكاتب للسيطرة على المعلومات، وان تحركات القوات والإستراتيجيات العسكرية وكل خطوة جديدة يتم اتخاذها تعتمد عليه.

فيلم "عملية اللحم المفروم" الروائي المأخوذ من كتاب "بن ماكنتر" والذي يحمل نفس الاسم، تم إنتاجه بعناية نظراً لإعتماده على النظرية الواقعية التي تروي الاحداث بطابع واقعي يستند الى حدث تاريخي حتى في اختيارهم للأبطال، وذلك من اجل توثيق القصة وتقديم إصدار دقيق للأحداث، ولا يتم سرد قصة تاريخية فحسب، بل يقدم الفيلم أيضًا لقطات عن الحياة في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية بهدف تعزيز الواقعية وتحقيق تواصل اعمق مع المشاهد، ايضا ربط عاطفي مع الجمهور وبناء جوانب انسانية للسياق الحربي.

اتبع الفيلم البناء الارسطي الكلاسيكي فقد بدأ بتقديم الخلفية التاريخية للعملية والحدث الذي يستند اليه الفيلم بطريقة غامضة ومليئة بالتشويق، فقام بتقديم الشخصيات الرئيسية والتحضير للمغامرة التي ستكون محور الحبكة ونقطة الصراع، وهذه النقطة هي التي ستجعل اي مشاهد مهتم بالأحداث المستقبلية ويترقب تطورها.

"في اي قصة ان كانت قصة جيدة هناك ذلك المرئي وذلك المخفي، هذا حقيقي خصوصاً في قصص الحرب، هناك الحرب التي نراها مسابقة القنابل والرصاص، الشجاعة التضحية والقوة العنيفة، بينما نحسب الفائزين والخاسرون والموتى، لكن بجانب هذه الحرب حرب أخرى شنت، ساحة حرب في ظلال رمادية تحدث في المكر الاغراء وسوء النية، المشاركون غرباء هم نادراً ما يبدون عليه والقصة والواقع مشوشين، هذه الحرب غابة مرايا فيها الحقيقة محمية بواسطة الاكاذيب، هذه حربنا"

 بهذه الكلمات بدأ الفيلم، مقدمة كلاسيكية بموسيقى درامية توحي الى التوتر والتي عملت على تعزيز الصراع الموجود، يتخللها صوت "جوني فلاين" السارد الشاهد على الصراع وصوت الة الطباعة القديمة التي يستخدمها، ولقطات في غرفة استخباراتية، يتواجد بها من هم مسؤولون عن عملية "اللحم المفروم"  بإضاءة باهتة تعكس الجو المليء بالتوتر والخطر، ولقطات بطيئة تمر على الشخصيات الرئيسية.

في فترة الحرب العالمية الثانية وتحديداً عام 1943 كانت بريطانيا التي تنضم الى دول الحلفاء تخطط لإنزال قوات الغزو البريطانيا في صقلية، ولكن القوات الالمانيا كانت تتمركز في تلك المنطقة، فيما ادركت القوات البريطانيا الحاجة لتشتيت انتباه القوات الالمانية وتضليلها بشأن موقع الهجوم، ومن هنا جائت الحنكة في العمل، حيث يبدأ الحدث التصاعدي عند قيام ضباط المخابرات البحرية "اوين مونتاجو" و"تشارلز تشولمونديلي"، بإعداد مخطط لإرسال معلومات كاذبة إلى هتلر، وكان الهدف من ذلك هو تضليل القيادة الألمانية وجعلها تحوّل قواتها إلى اليونان، وبدون سابق إنذار، أصبح العاشر من يوليو، بوصفه يوماً من أيام الحرب العالمية الثانية كابوس الجاسوسية والاستخبارية البريطانية، هذه العملية كانت جزءًا من استراتيجية الخداع العسكري التي تم استخدامها بنجاح خلال الحرب العالمية الثانية.

وتتصاعد الاحداث عند اقتراح الضابط  "تشولموندلي" خدعة تتلخص بأن يحضروا جثة على انها جثة لضابط بريطاني كان مكلفاً بإرسال رسالة للحلفاء وتضمن معلومات كاذبة عن عملية الإنزال في اليونان وتفاصيل تلك المهمة، ويتم ايصالها الى شواطئ اسبانيا والتي كانت تدعي الحياد في تلك الفترة، وأن ذلك الضابط المزيف قد غرق خلال تأديته لمهمته. برزت الفكرة للمرة الأولى في مذكرة تعود إلى عام 1939 كتبها مدير الاستخبارات البحرية البريطانية "جون جودفري".

الى تلك النقطة في القصة يعتبر الأمر اعتيادياً بالنسبة لعمل اي جهاز مخابرات اثناء اندلاع الحروب الذي يحتمل كل الالاعيب والخدع، الا أن الأمر الأجلّ في هذه الخطة وتصاعد أحداث سرد الفيلم وانتقالها من حال الى حال، تحقق عندما بدأ الفريق المكوّن من "تشولمونديلي" ومعه الضابط "أوين مونتاجو" الممثل كولِن فيرث، والزميلتان "جين ليزلي" الممثلة كيلي ماكدونالد و"هيستر ليجيت" الممثلة بينيلوب ويلتون، بالغوص في الفكرة وتعزيز فرص نجاحها، ومن خلال اجتماعاتهم المكثفة والتي كانت تتركز في فترة المساء، اتفقو على الإعداد والإجهاز للخطة ولكن بإضافة التفاصيل التي تعطي عمق أكبر للقصة، فكانت بداية القرارات أنه لا بُد أن يكون لتلك الجثة معلومات مثله مثل أي ضابط يخدم في الجيش البريطاني، كأسم وتاريخ الميلاد وقصته الخاصة، ولا بد أن يكون لذلك الضابط عائلة وحبيبة يواعدها، ومن المفترض أن يحمل بين اغراضه الخاصة صورة لحبيبته والتي تبين لاحقا أنه تم استخدام صورة الزميلة "جين ليزلي" والتي اطلقة عليها اسم "بام"، وهكذا يتم تثبيت الأساس في القصة والذي من خلاله يستطيعون تنفيذ خطتهم على اكمل وجه.

 

وبما ان الفيلم ينتمي الى النظرية الواقعية فأنه قدم شخصية "تشولمونديلي" بطريقة أكثر اقناعاً مليئة بالعمق على عكس "اوين" الذي كان دائماً يرتدي سترة القائد كما لو انها ما زالت معلقة على خزانة الملابس، في حين دور "جين" كان عبارة عن المزيج الصحيح من الواقعية والجنس الغامض عنها.

وعلى الرغم من كل ذلك فقد نجح الفيلم بتقديم الدراما الانسانية والعاطفية التي عكست تفاعل الشخصيات مع التحديات الحياتية، والتي ظهرت من خلالها الجوانب الإنسانية في ظل الصراعات والمواقف القاسية، ومن الأمثلة على ذلك كان للضابطين المسؤولين عن تنفيذ المهمة مشاعر حب لشخصية جين وأدى ذلك لخلق بعض التنافس بينهما بشكل أثر على اتخاذهما القرارات الخاصة بسير العملية، فلا يمكن للإنسان مهما بلغ من المرتبة والوظيفة ان بنجح بتنحية مشاعره بشكل مطلق عن حياته الوظيفية، ايضا برزت علاقة الحب الاخوية وكيف كادت تتأثر المهمة للضابط "اوين" بسبب شكوك الدولة بأخيه أنه جاسوس روسي ومعرفتهم أن اخاه لا يمكنه التفريط به او قبول ذلك لأنه يحبه ولا يتنازل عنه من اجل اية مصلحة مهما بلغت، و في سياق الحديث عن الحب الاخوي، فقد تطرق الفيلم لقصة أخ الضابط الاخر "تشولموندلي" والذي دائما حاول احضار جثته المفقودة اثناء الحرب دون جدوى، ووسط كل هذه المشاعر تتقاطع مصلحة مسؤول كبير في الدولة كي يلمح "لتشولموندلي" انه باستطاعته احضار جثة أخيه مقابل مصلحة معينة يريدها منه.

وهنا قد تتأثر العواطف بشكل كبير بالعقل اللاوعي، حيث يمكن لتلك العمليات العقلية أن تؤثر على شكل واتجاه العواطف دون وعي واضح، من خلال تصرف الشخصيات او تفاعلهم مع المواقف الصعبة، وكيف يمكن للعقل اللاوعي ان يلعب دورا في تشكيل تلك العواطف وتأثيرها على سير العملية.

فأسلوب السرد بالفيلم يتمحور على اثر هذه الحرب على حياة الأبطال اليومية، وكيف يجدون أنفسهم مشغولين بتحمل الاثار النفسية والعاطفية للصراع، في حين تبرز نلك العلاقات والقرارات الصعبة التي يتوجب على الشخصيات اتخاذها في ظل الظروف القاسية، والهدف من تلك الصراعات الانسانية هو ملامسة مشاعر الجمهور وإثارة تفكيره في القيم الإنسانية ومعاناة الشخصيات في زمن الحروب والصراعات، ايضا القاء نظرة عميقة على ما تخلفه الحروب على الأفراد لتعزيز التفاعل العاطفي لدى المشاهد.

وفي هذا الصدد يقول هاري ميلز في كتابه (فن الإقناع) "إنَّ العاطفة تتفوق على المنطق بعدة مزايا؛ أبرزها أنَّ العاطفة تؤدي إلى تغيير السلوك بشكل أسرع مما يفعل المنطق، كما أنَّ العاطفة تتطلب مجهوداً أقل مما يتطلبه المنطق لذلك فإنها في هذا الموضع ستكون أكثر تأثيراً.

هناك العديد من الميزات التي تمتع بها الفيلم مع العديد من المؤامرات ومستويات الخداع، وتم تنفيذ الكثير من التخطيط بشكل حقيقي مع تصوير التقلبات والانعطافات أثناء حدوث الخداع بدقة، في حين نجح الفيلم فنياً بتوظيف العناصر السينمائية فاعتمد على تصوير سينمائي قوي وتقنيات تصوير مبتكرة من خلال مجموعة من اللقطات والزوايا والإضاءة، لتكثيف التأثير العاطفي للسرد عندما تم نقل شوارع لندن المعتمة والحانات في تلك الحقبة الزمنية بشكل واقعي، ويبدو أن معظمها تم تصويره في جزر تشاتام الواقعة في نيوزيلندا.

عندما تكون القصة الحقيقية، فلا يوجد الكثير مما يجب المساهمة به من النص لجعلها أكثر إثارة للاهتمام، لكن من الضروري إعطاؤها إيقاعًا، وتشكيل طاقم عمل مثير للاهتمام، وبشكل عام "عملية اللحم المفروم" تفي بالمعايير في جميع هذه الجوانب، وقدرتها على ابقاء النظام الكلاسيكي في طريقه، على الرغم من رغبت صانع الفيلم في إعادة بناء القصة بأكملها بأكبر قدر ممكن من التفاصيل.

 

  

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017