الرئيسية / ثقافة وأدب
فيلم "3000 ليلة"... صورة واقعية لتجربة الأسيرات الفلسطينيات كما لم تراها من قبل
تاريخ النشر: الخميس 11/01/2024 14:28
فيلم "3000 ليلة"... صورة واقعية لتجربة الأسيرات الفلسطينيات كما لم تراها من قبل
فيلم "3000 ليلة"... صورة واقعية لتجربة الأسيرات الفلسطينيات كما لم تراها من قبل

فيلم "3000 ليلة"... صورة واقعية لتجربة الأسيرات الفلسطينيات كما لم تراها من قبل

 

الصحفي سامر خويرة**
لا يحتاج المشاهد لفيلم "3000 ليلة" -التجربة الروائية الأولى للمخرجة الفلسطينية مي المصري-لكثير من الوقت حتى يفهم رسالة الفيلم وغايته، على عكس أفلام كثيرة قد يُمضي الربع ساعة الأولى منها حتى يستطيع أن يدخل في عالمه الافتراضي الروائي.
في ليلة شتوية غزيرة المطر، تظهر سيدة -التي سنعرف لاحقا أن اسمها "ليال" وتلعب دورها الممثلة الفلسطينية ميساء عبد الهادي-مقيدة اليدين ومعصوبة العينين في عربة برفقة آخرين، تسير مسرعة لتصل بهم إلى سجن، وفورا يتم اقتيادها إلى أحد أقبية التحقيق.
تظهر مجددا وقد عُلقت أيديها إلى السقف وهي ترتدي ملابس النوم، ونقاش سريع مع محقق يسألها عن فتى ساعدته بنقله بسيارتها، تُنكر معرفته، ثم فورا إلى سجانة تعاملها بفظاظة وتجري لها فحصا أوليا، ومن كلماتها كان الاستدلال أنها "إسرائيلية" لأنها تحدثت باللغة العبرية.
إذن، ليال سيدة فلسطينية جرى اعتقالها من قوات الاحتلال الإسرائيلي ونقلت إلى أحد مراكز التحقيق التابعة له، حيث يتم استجوابها بشأن تقديمها المساعدة لفتى فلسطيني نقلته بسيارتها، ويتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية أدت لمقتل جندي إسرائيلي... ويصدر عليها حكم بالسجن ثماني سنوات -أي 3000 يوما تقريبا، ومن هنا جاء اسم الفيلم-، وسريعا يتم الزج بها في قسم المعتقلات الإسرائيليات، المحبوسات بموجب جرائم جنائية كالمخدرات وغيرها، وفي غرف مجاورة، تربض أسيرات فلسطينيات بتهم مقاومة الاحتلال.
تتعرض "ليال" لضغوط كثيرة من جانب السجانات الإسرائيليات ومنهن مديرة السجن لتكون جاسوسة على الفلسطينيات بعد أن تنتقل للإقامة عندهن، لكنها ترفض، رغم حالة الشك التي تحيط بتصرفاتها، قبل أن تتصاعد الأحداث في الفيلم.
استخدم صانع الفيلم أسلوب السرد باستخدام الصورة، إذ لم يحوي المشهد الافتتاحي حوارا، بل لقطات سريعة منوعة، وهذه ميزة، فالسينما الصامتة تحمل دلالات كثيرة ومعبرة، مقارنة بتلك الناطقة.
حضور "ليال" كان مسيطرا على المشهد الافتتاحي بشخصية تميزت بأنها مهزوزة ضعيفة، وقد يكون ذلك مبررا لسيدة تتعرض لهول الموقف (الاعتقال لدى الاحتلال) لأول مرة في حياتها، وعلى فعل قامت به بكل براءة، وهو نقل الفتى بسيارتها.
ومن المعروف أن الخطاب السينمائي يعتمد على كم من التقنيات والآليات التي تشكل في مجملها الجوانب الإنشائية في الفيلم السينمائي، ويعتبر المشهد الافتتاحي من أولى تلك الآليات التي تؤثر بشكل ملحوظ على مجرياته، وهو بمثابة العتبة الأولى التي يدخلنا صناع الفيلم من خلاله إلى عوالمهم المرئية، فاتحة قد تثير الفضول أو تجعل من مشاهدة الفيلم أمرًا غير ممكن، كما يؤكد النقاد.
"يختزن المشهد الافتتاحي طاقة الفيلم التي تدفع بالمشاهد إلى الأمام في الاستمرار بالمتابعة، قد يكون بطل مشهد الافتتاحية شخصية أو مكان، غرض أو صورة تحمل دلالة، وقد يكون تكثيفًا لحالة ما تشكل جوهرًا أساسيًا في فهم الفيلم، أو توصيفًا يحمل علامات ودلالات للدخول إلى الفيلم. كل الخيارات متاحة أمام صانعه لتكوين افتتاحية فيلمه، فهو أشبه بمساحة حرة ومفتوحة يشكلها كما يشاء، ولكنها مساحة خطرة يجب الانتباه أثناء اللعب فيها فهي شيفرة تحمل مفاتيح قد تعطي الحياة للفيلم أو تقتله عند المشاهد"، وهذا ما أدركته صانعة فيلم "3000 ليلة".

ما يلفت الانتباه أن جل المشهد الافتتاحي كان في "العتمة" التي سترافق ليال كثيرا. وفي العتمة يسرق اللص ويرتكب المجرم فعلته، فهي الستار الذي يحتمون به، تماما كالاحتلال، الذي يسعى لأن يمارس انتهاكاته، في الخفاء.
لكن "الضوء"، وهو المضاد للعتمة سيظهر في لقطات قادمة سريعة؛ ضوء الممرات والنوافذ، الشبك، والفتحات الصغيرة. الإيحاء هنا لا يحتاج إلى تفسيرات كثيرة، فالنور سيخرج رغم كل السواد، والشمس ستشرق مهما طال الليل، والظلم سينجلي لا محالة.
كل هذه الرسائل كانت في اللقطات الأولى للفيلم، الذي يحاكي في كل ما يدور عقب ذلك واقع معركة حتمية بين "ثنائيات" كثيرة، فإضافة للضوء والعتمة، هناك المستبد والمظلوم، القاضي والمتهم، الكف والمخرز، الضعف والقوة، الليل والنهار، الشخصية المهزوزة ثم الواثقة بنفسها، القيد والمعصم، التمسك والاستغناء، العطاء والانانية، الأسر والحرية، وبالنتيجة المعركة التي لا تنتهي حتى زوال الساعة وهي بين الحق والباطل.
إن فكرة الصراع بين ثنائيات متضادة هي ملخص لحياة الانسان الفلسطيني الذي يعيش في مواجهة الظلام بالنور، ويستخدم المقاومة ضد الاحتلال التي بدأت قبل أكثر من قرن من الزمان، وتجلت معالمها في معركة "طوفان الأقصى" التي ما تزال تهب علينا نسائمها لليوم منذ السابع من أكتوبر الماضي.

واقعية واضحة
ينتمي الفيلم للنظرية الواقعية التي تجسد الواقع بأقل قدر ممكن من التحوير، من خلال محاكاة تعامل قوات الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين خلال اعتقالهم والزج بهم في سجونه.
واستدل الفيلم عن الزمن التاريخي وهي "حقبة الثمانينات"، من خلال الحضور الجلي للأسيرة اللبنانية سناء البيطار التي لعبت دورها الفنانة الأردنية نادرة عمران. وفي مرحلة لاحقة من الفيلم تحتج الأسيرات على حرب لبنان واجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لبيروت ومجزرة "صبرا وشاتيلا" عام 1982، وهو ما يعزز من واقعية الفيلم، الذي جرى تصويره أيضا في سجن أردني قديم، لمزيد من الاقناع، بعيدا عن صنع ديكورات سجن من نقطة الصفر.

وفي الوقت لا يأتي فيه أي ذكر لحياة "ليال" قبل الاعتقال، باستثناء مشهد لها وهي تحمل صورة لطلاب في صف مدرسي، لنعلم أنها كانت تعمل "مُعلمة" قبل اعتقالها، نقف مطولا على مشاهد تؤكد أنها لم تكن على توافق مع زوجها، قد يكون ذلك لأنهما ما زالا في أشهر زوجهما الأولى، فقد علمت بحملها لطفلهما "نور" وهي في السجن. تناقض كبير كان يتعاظم مع كل حوار يدور بينهما، على قلة عدد مرات ظهور الزوج، الذي اظهرته صانعة الفيلم رجلا أنانيا وإن تظاهر بحرصه على مصلحة ليال، وهي التي كانت تُصر وتضغط على إدارة السجن في بداية اعتقالها للسماح لها برؤيته، إلى الحد الذي دفع بالأسيرات للشك بعمالتها، هذه الحالة من الريبة والشك بها استمرت طويلا.
يطلب منها الزوج في أول مرة لقاء بينهما، الادعاء أمام القاضي الإسرائيلي الذي سينظر بقضيتها أن الفتى هددها لتنقله بسيارتها، ثم في مشهد أخر يطلب منها إجهاض الجنين -كما سبق وطلبت منها ذلك مديرة السجن-قبل أن يتركها وحيدة ويسافر إلى كندا، ولا يعود إلا بعد عامين تقريبا، يحاول أن يعيد وصل الود بينهما، لكنها تصده، ثم يأتي مشهد قصير يظهرها تغتسل، وكأنها تتطهر من تلك المرحلة وتزيل عنها آثارها، لتبدأ حياة جديدة بشخصية قوية قادرة على المواجهة.
شخصية "ليال" ترمز لفلسطين التي تعرضت لظلم تاريخي، والسجن الذي تقبع فيه هو الاحتلال، فيما فؤاد زوج ليال الذي يفترض أن يكون خير معين لها ويساعدها على الخروج من ظلمة السجن والتحرر، طلب منها ما لا يتوافق مع العقل والمنطق، تماما كالأنظمة العربية (الأشقاء العرب)، الذين تركوا فلسطين وحيدة وأسيرة بيد الاحتلال طيلة هذه العقود الطويلة، وعندما تمسكت فلسطين بحقها في مقارعة العدو، تركوها وحدها تواجه مصيرها وانشغلوا بمصالحهم، كما تركها زوجها في السجن وسافر إلى كندا.
إصرار ليال على الاحتفاظ بالجنين رغم كل التهديدات والابتزازات والمخاوف، هو دلالة على إصرار الفلسطينيين على التمسك بالأمل والمستقبل الواعد، رغم كل الصعوبات والعقبات التي تعترض طريقهم، لا مجال للتخلص أو التنازل عن هذا الأمل، فبديله الموت.
واقعية جديدة فرضها صنّاع الفيلم، عندما تم تقييد "ليال" إلى السرير لحظة الولادة، دون السماح لأحد أن يكون إلى جانبها في هذه اللحظات الصعبة، وهذه تجربة حقيقة مرت بها عدد من الأسيرات في سجون الاحتلال.
هنا، لا يبزغ النور إلا بعد حلكة الليل، وفي الوقت الذي رأى فيه "نور" النور، زاد تمسك ليال بمواقفها وزاد عطائها واندماجها في مقارعة السجانات، وكلما حصدت المقاومة الفلسطينية نقطة زادت قناعتهم بقرب الانعتاق من الاحتلال.
وكمان كان "نور" الذي ولد خلف قضبان السجون، بمثابة شعاع الأمل للأسيرات، فهو أيضا يمثل أجيالا فلسطينية ولدت تحت نير الاحتلال، والذين أصبحوا لاحقا جنودا في معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية.

الذروة تمثلت بإصرار إدارة السجن الإسرائيلية على انتزاع الطفل نور، واستخدامه كذريعة لابتزاز الأم لوقف الاضراب، ولاحقا أخذه منها عنوة، وهذا يحمل رمزية كبيرة، فالاحتلال يحارب كل أمل للفلسطينيين بالانعتاق منه، ويحاول أن يسرق منهم مستقبلهم أو على الأقل أن يحول بينهما... قد ينجح في مرة، لكنه سيفشل مرات ومرات. فنور سيكون أول من يعانق ليال فور تحررها، ففلسطين والأمل بالحرية لا يفترقان.

الحوار والممثلات
يحسب للفيلم استخدامه للسرد الصوري على حساب الحوار، الذي كان في اغلبه جمل إخبارية ولم يحوي نقاشات كبيرة، انما استخدام عناصر الصورة ولغة التكوين لإيصال شعور ما بالحدث أكثر من إيصال معلومة،
وهذا ليس مأخذا، انما ميزة، لأن السينما تستخدم خصوصيتها الأولى في انظمة السرد وهي الصورة.
ما يلفت الانتباه، هو وجود ممثلة تلعب دور أسيرة لبنانية، ما يعطي بُعدا عربيا للقضية الفلسطينية، فهي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل يشترك فيها مناضلون عرب، وهؤلاء يطلق عليهم "أسرى الدوريات" وهم الذين كانوا يُعتقلون بعد أو في أثناء تنفيذهم عمليات فدائية في داخل فلسطين أو على حدودها، وحتى الآن يوجد أسرى عرب لدى الاحتلال، ومعظمهم أردنيون.

التصوير والمونتاج
نقلت لنا الكاميرا بوضوح تفاصيل الحياة اليومية للأسيرات من خلال التنويع في زوايا التصوير للتغلب على الحدود الضيقة للمكان، والتكوينات الخاصة واستخدام لقطات "الكلوز آب" (القريبة) للوجوه، خاصة وجه البطلة، في أكثر من مشهد، ولقطات للأسلاك الشائكة ولأسوار السجن من زوايا مرتفعة.
أما بشأن الأصوات والموسيقى، فكان يجب الانتباه أكثر خلال عملية تسجيل أصوات الممثلات خلال الحديث، فبعض الكلمات لم تكن مفهومة، ولولا الترجمة باللغة الإنجليزية لما فهمناها. كما جرى توظيف الموسيقى بحرص شديد في الفيلم، بحيث جعل من أصوات السجن الحقيقية المصدر الصوتي الأساسي فيه.
وهنا كان يمكن اللجوء أكثر للموسيقى التصويرية، خاصة خلال وجود ليال في العزل مثلا، في حين تم الاستعانة ببعض الأغاني الثورية في مشاهد أخرى، أغنتها بشكل ملموس، فالأغنية الوطنية والثورية أصبحت جزءا من الواقع الفلسطيني، ولعبت دورا في شحذ الهمم ومقارعة العدو.
النسوية الطاغية
وتطرقت مقالات سابقة حول الفيلم إلى "النسوية-Feminism" التي حاولت صناع الفيلم تعزيزها، وهو ما برز جليا في كون أبطال الفيلم جميعا من النساء، وهذا قد يكون مقبولا كونه يتحدث عن الأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي. بالمقابل كان ظهور الذكور على استحياء، (الزوج، الطبيب الإسرائيلي، الأسير الذي كان يُسمح له بتقديم الدواء للبطلة، والأسرى الذكور بشكل عام الذين اكتفت صانعة الفيلم بإظهارهم من بعيد، ودون أي تأثير حقيقي).
عدد مرات ظهور الزوج كانت لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، لكن الأهم هو المضمون الذي ظهر به، فهو رجل أناني يبحث عن مصلحته، وترك زوجته في السجن وسافر ولم يأبه لمعاناتها.
في الواقع المعاش، لا ننكر أننا قد نصادف حالة كهذه، لزوج ترك زوجته تواجه مصيرها المحترم، وأيضا قد نسمع عن زوجة طلبت الانفصال عن زوجها بعد اعتقاله وحكمه لسنوات طويلة. لكن الصفة الغالبة لدى الفلسطينيين هي التضامن والتكاتف في مواجهة المعاناة والمصاعب، صحيح أن الرجل (الأب، الأخ، الزوج، الابن) في الحقيقة قد لا يستطيع منع الاحتلال من اعتقال إحدى إناث العائلة (الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة)، لكنه لا محالة لن يتركها وحيدة، وهناك أمثلة كثيرة لأزواج حملوا همّ زوجاتهم الأسيرات إلى الإعلام والمجتمع وفعّلوا قضيتهن بكل قوة، والعكس صحيح.
وفي حالتنا الفلسطينية، نجد تقصيرا كبيرا وغير مفهوم من كثير من المؤسسات النسوية، -ولا نعمم-تجاه معاناة المرأة الفلسطينية في القضايا ذات البُعد الوطني (الاستشهاد-الأسر-الاصابة، الابعاد... الـخ)، بالمقابل نشاطات دائمة وفعاليات في القضايا الاجتماعية (الميراث، الطلاق، النفقة... وغيرها)، وهذا التباين مرفوض، فالحقوق والمبادئ لا تُجزئ. الأنكى أن يتبين لنا أن السبب الرئيسي لهذا التباين هو شروط الممول الأجنبي، وإلا فأين صوت النسوية مما يجري حاليا في غزة، والخوف أنها سقطت سقوطا مدوٍ في أول امتحان حقيقي لها خلال العدوان على القطاع، في ظل ارتقاء أكثر من 8 آلاف سيدة شهيدة وجرح وإصابة أضعاف هذا الرقم، فيما أعداد "الفاقدات" أكثر من ذلك بكثير.
لا مانع أن تنتصر صانعة الفيلم لفكرتها وما تؤمن به، وأن تضيء على مواقف بعينها، لكن العدل يقتضي إظهار الصورة بشكل أوضح.


إشادات في مكانها
ورغم أنه لا يخلو أي عمل فني من وجهات نظر مختلفة في البناء الدرامي وطرق التجسيد، إلا أن الفيلم حظي بإشادة كبيرة، فقد "وثق تجربة الحركة الفلسطينية الأسيرة بشكل عام، والأسيرات بشكل خاص، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. هذه المرحلة تعد واحدةً من أصعب مراحل الحركة الفلسطينية الأسيرة، بالإضافة إلى أنها مرحلة هامة من مراحل تطور الحركة ونضوجها في مواجهة السياسات "الإسرائيلية" التي تنفذها ما تسمى بـ "مصلحة السجون" التي تهدف بدورها إلى تحطيم المبنى النفسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ والوطنيّ للأسرى الفلسطينيين ضمن سياسة ممنهجة تسعى لتحويل قضيتهم من قضيةٍ واحدة موحّدة سببها الاحتلال إلى قضايا ومطالب فردية.
كما قد يسهم الفيلم في حثّ الأسرى على البوح بتجاربهم وقصصهم وربما أسرارهم. فلكل واحد منهم تفاصيل قصّته الخاصّة التي من الممكن إنجاز عملٍ حولها: قصة، رواية، لوحة، مسرحية، فيلم توثيقي، فيلم روائي، سيرة ذاتية.
كما لا بد من النظر لهذه التجربة على أنها مقدمة واستمرار لمشروع وطني كبير لتوثيق تجارب الأسيرات والأسرى الفلسطينيين في السجون "الإسرائيلية" ومراحل تطور هذه التجربة بشكل جماعي، عن طريق رصدها وتوثيقها كتجربة مسّت الكلّ الفلسطينيّ، وتوثيق التجارب الفردية، وكتابتها لكلّ هؤلاء ممن تجرعوا التجربة، وخصوصاً في بداياتها، أيّ عندما كانت السجون بمثابة مقابر جماعية وأماكن للقتل. لا أنفي هنا وجود جهودٍ كبيرة وتجارب مثيرة لتوثيق التجربة، سواء باللوحة أو المسرحية أو الفيلم التوثيقي أو الروائي أو الرواية أو حتى عبر إقامة معارض لمقتنيات الأسرى ولأعمالهم الفنية التي أنجزوها بأبسط الأدوات داخل السجون. بهذا، نكون أوفياء لهم، ونعبّر عن تقديرنا للثمن الكبير الذي قدّموه على حسابهم وحساب عوائلهم"، وهنا ينتهي الاقتباس.
ومن الجدير ذكره أن المخرجة مي المصري قد اخرجت عددا من الأفلام الوثائقية التي اكتسبت سمعة جيدة في مهرجانات السينما العالية وفازت بعدد كبير من الجوائز، ومن أشهر هذه الأفلام "زهرة القندول" (1986)، و"أطفال جبل النار" (1991)، و"أحلام معلقة" (1992)، و"أحلام المنفى" (2001) و"يوميات بيروت" (2006)، في حين نال "3000 ليلة" عدة جوائز دولية بينها جائزة الجمهور في مهرجان الفيلم الأول الدولي في فرنسا وجائزة لجنة التحكيم في المهرجان السينمائي لحقوق الإنسان في سويسرا.

الأسيرات وطوفان الأقصى
وبعد الشهادات التي خرجت على لسان عدد من الأسيرات اللواتي تحررن في صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية التي جرت في فترة الهدنة الأخيرة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتهديدات الجدية لهن بالاغتصاب على أيدي المحققين الإسرائيليين، وتعرضهن للضرب والتنكيل والحرمان من النوم ومنع الزيارات. يُطرح السؤال هل سقط الفيلم بعد الجرائم التي حدثت للأسيرات، إذ أصبح نسخة تجميلية للاحتلال بطريقة التعامل التي أظهرها؟
لا خلاف على أن الاحتلال في 1982 هو ذاته في 2023، بل زاد شراسة، وطيلة هذه العقود كانت وستبقى قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي على سلم الاولويات لدى الفلسطينيين حتى تبييضها كاملة.


** سامر خويرة، نابلس-الضفة الغربية المحتلة
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017