كتبت رند عصايرة
بين بيوتٍ قديمة وأراضٍ زراعية تتنفسها أشجار الزيتون، يتسلل الظلم عبر الحدود غير المرئية، لتصبح قرية عصيرة القبلية رهينة بين مطرقة الاستيطان وسندان المعاناة اليومية. مستعمرة “يتسهار” ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي قصة معركة مستمرة، تُسطرها أصوات قرية عصيرة، والقرى المجاورة .
تقع قرية عصيرة القبلية جنوب نابلس، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يجعلها تتعرض دائمًا لضغوط الاستيطان والاحتلال. بيوتها القديمة وأراضيها الزراعية، خاصة تلك التي تحتوي على مئات الأشجار من الزيتون، تمثل جزءًا من هوية أهلها الذين يسعون جاهدين للحفاظ على حياتهم وأراضيهم وسط تحديات متزايدة من قبل المستوطنين والقوات الإسرائيلية.
جغرافية المستعمرة
أُنشئت يتسهار عام 1983 على أراضٍ فلسطينية مرتفعة، ما منحها موقعًا استراتيجيًا يطل على القرى الفلسطينية المحيطة. تتوسع المستوطنة بشكل متسارع، إذ لم تكتفِ بالمساحات التي صودرت عند إنشائها، بل استمر زحفها على الأراضي الزراعية، خصوصًا مزارع الزيتون، التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد عصيرة القبلية.
وفي هذا السياق، أشار حافظ صالح، رئيس مجلس قروي عصيرة القبلية، إلى أن الاعتداءات الأخيرة التي نفذها المستوطنون انطلاقًا من مستعمرة “يتسهار” قد خلفت خسائر فادحة. وأوضح أن هذه الهجمات أدت إلى إحراق عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية، التي تعتبر مصدر رزق رئيسي لسكان القرية، بالإضافة إلى تكسير نوافذ ومداخل المنازل، واعتداءات مباشرة على المواطنين، ما خلق حالة من الذعر والخوف بين الأهالي، خاصة الأطفال والنساء.
وأضاف صالح أن هذه الاعتداءات تتكرر بشكل ممنهج، وتهدف إلى الضغط على السكان ودفعهم لترك أراضيهم، مؤكدًا أن المجلس القروي يبذل كل الجهود الممكنة لتوثيق هذه الانتهاكات ورفعها إلى الجهات الحقوقية والدولية، على أمل أن يتحرك العالم لوقف هذا العدوان المستمر.
ويقول المواطن جواد أحمد، أحد أصحاب الأراضي المصادرة من القرية ، اللذي يقطن بالقرب من المستعمرة وهو يتعرض بإستمرار للاعتداءات المستمرة من قبل الإحتلال : “كانت هذه الأرض مصدر رزق عائلتي لسنوات، لكنها الآن باتت تحت سيطرة المستوطنين. لا أستطيع حتى الاقتراب منها دون أن أتعرض لخطر الاعتداء.”
يتحدث أحمد عن تفاصيل يوم مصادرة أرضه: “استيقظنا على أصوات جرافاتهم. وقفنا لنمنعهم، لكن الجيش كان يحرسهم. رأيتهم يقتلعون أشجارنا ويضعون سياجًا حول الأرض. حاولت التحدث مع الجنود، لكنهم دفعوني بعيدًا وقالوا لي: ‘هذه الأرض لم تعد لك.’”
تجسد كلمات أحمد واقع مئات العائلات في عصيرة القبلية، التي تُحرم من أراضيها بفعل سياسة الاستيطان والتوسع، وسط محاولات يومية للتشبث بما تبقى من حقوقهم رغم كل الصعوبات.
لم تتوقف تأثيرات يتسهار عند الاعتداءات اليومية فقط، بل طالت البيئة المحيطة. تدفقت مياه الصرف الصحي من المستوطنة إلى الوديان المحيطة، ملوثةً الأراضي الزراعية والمياه الجوفية. أما اجتماعيًا، فقد خلق الحصار المفروض على القرية حالة من العزلة والخوف، إذ يعيش السكان في قلق دائم من الهجمات التي قد تحدث في أي لحظة.
إن مستعمرة يتسهار ليست مجرد مستوطنة على الخريطة، بل هي رمز لمعركة يومية يعيشها سكان عصيرة القبلية والقرى المُجاورة بين صمودهم وأرضهم، وبين محاولات الاستيطان لاقتلاع جذورهم.
تقع بلدة عصيرة القبلية على بعد 20كم جنوب مدينة نابلس، ويحدها من الشمال بلدة تل ومن الغرب بلدات تل وزيتا وجماعين، ومن الشرق قرية مادما ومن الجنوب بلدتي عوريف وجماعين.
وحسب مركز ابحاث الاراضي اقيمت مستوطنة "يتسهار" في البداية كنقطة عسكرية (ناحال) بتاريخ 1/8/1983؛ وتحولت إلى مستوطنة دائمة بتاريخ 23/7/1984، تقع على بعد 8 كم جنوب غرب نابلس في الطرف الجنوبي لجبل جرزيم؛ وعلى الطريق الرئيس الواصل بين نابلس ورام الله والقدس.
أقيمت هذه المستعمرة على أراضي المزارعين الفلسطينيين في قريتي بورين وعصيرة القبلية، كنواة استيطانية صغيرة على التلال التابعة لتلك القرى، ثم أخذت بالتوسع لتصادر عشرات الدونمات الزراعية من قرى: عينابوس وبورين، وعصيرة القبلية، وعوريف، ومادما، وحوارة.