الرئيسية / رياضة
فلسطين تتصدّر فوق الشباك...النساء يكتبن المجد بكرة الطائرة
تاريخ النشر: الأثنين 26/05/2025 22:14
فلسطين تتصدّر فوق الشباك...النساء يكتبن المجد بكرة الطائرة
فلسطين تتصدّر فوق الشباك...النساء يكتبن المجد بكرة الطائرة

كتبت  سوار سكر

داخل مدينة نابلس، وتحديدا في إحدى المدارس الحكومية، كان هناك حكاية تعيشها طفلة في الثانية عشرة من عمرها تنتظر حصة الرياضة بكل شغف، لا لتتهرّب من الدراسة كما يفكر كثيرون، بل لتخلّد ذكرى جديدة مع كرة الطائرة، في تلك الحصة ومع كرة الطائرة، لم تكن آية الصابر تعرف أن مفصل من حياتها على وشك أن يتبدّل.
في عمر ال٢٢ تسترق آية لحظات وتعيد تصوّر رحلتها مع كرة الطائرة وتقول "كنت أحب كل شيء في حصة الرياضة...الحماس، الحركة، وأكثر ما جذبني أن لكل لاعبة دور لتبدع أكثر وتعطي للفريق كل ما لديها من مهارة وابداع"، أصبحت آية اليوم واحدة من أبرز لاعبات كرة الطائرة في نادي حطين الرياضي، حيث بدأت حكاية آية مع الكرة تتجسدّ عندما لاحظت معلمة الرياضة "لواحظ عمر" اندفاعها وحبها لكرة الطائرة حيث كانت مميزة بمهارتها المختلفة، واختارتها لتمثيل المدرسة في بطولة قادمة. كان ذلك أكثر من مجرد اختيار للعب؛ كان ابراز غير مباشر لموهبة كانت تبحث عمّن يرى إبداعها واندفاعها لخوض تجارب جديدة لتصبح الكرة جزء من حياتها. منذ تلك اللحظة، أصبح لآية الصغيرة هدف واضح وحلم تسعى من أجله، بدأت بتطوير نفسها، وملاحقة هدف واضح لا يفكر به صغارٌ في عمرها.

.......
تحدثت آية عن الحاضن الأول لهدفها قائلة أن المعلمة لواحظ لم تكن مجرد مدرّسة تتابع أداء طالباتها، بل كانت الداعم الأول لهدف وشغف آية مع الكرة. قدّرت ذلك منذ اللحظة الأولى وآمنت بها وأعطتها طرف الخيط لتبدأ بقوة في عالم يشبهها. تعبر آية عن فخرها وتتحدث عن لذة الفوز بأول بطولة وكأنها اليوم "عندما فزنا بأول بطولة، المعلمة كرمتني في إذاعة المدرسة، وقالت كلمة لم أنسها منذ تلك اللحظة: "آية هي من أكسبتنا لقب الفوز". هذه الكلمات كانت شرارة داخلية جعلتني أؤمن بقدراتي وزادت تمسّكي بكرة الطائرة".
هذه الثقة والتمسك بالهدف لم يأتِ من فراغ، بل من تمارين ولعب متواصل لأيام معدودة، واندفاعية رغم نقصان الموارد، وصورة نمطية ما زالت تلقي بثقلها على الفتيات اللواتي يتشجعن لدخول عالم الرياضة.

رغم أن علاقة آية بكرة الطائرة بدأت منذ الصغر إلا أن اللحظة الحاسمة والقوية في حياتها الرياضية بدأت بجديّة عندما انضمت لمنتخب الجامعة، وهناك بدأ الهدف أمام آية يكبُر حتى وصلت لمرحلة تخطت الشغف وأدركت أن التميز يحتاج إلى التزام وتحدٍّ وتحمل لمسؤولية اللعبة لأن روح الفريق والتعاون وجهين لعملة واحدة ونهاية مطافهما الفوز.

تذكُر آية أنها تلعب في أي مركز بالفريق وذلك حسب الحاجة لكن هي بالأساس في مركز "ليبرو"، وهو مركز الدفاع والاستقبال، و الليبرو هو خط الأمان الأخير للفريق، كما تقول أن أصعب ما في اللعبة هو مهارة الاستقبال، لأنها تحتاج إلى دقة وتفكير لحظي.

في مجتمع من الممكن أنه يتبع الصورة النمطية وغالب الأمر لا ينظر بتقدير إلى الفتيات الرياضيات، اختارت آية أن تجعل من إصرارها على هذا الهدف رداً يحاكي طموح وشغف كل فتاة رياضية. "الرياضة حق، والفتاة قادرة أن تتميز وتنجح كما يتميز أي شخص"، وتضيف آية بعد أن خاضت تجارب محلية عديدة، أبرزها مع منتخب الجامعة، ثم نادي الأمن الوطني، ونادي حطين، في عام 2022، وقع الاختيار عليها لتمثيل فلسطين دوليا، لكنها لم تتمكن من السفر إلى الأردن للمشاركة بسبب ظروف خاصة، رغم ذلك، لم تضعف إرادتها بل تصوّرت أن ذلك من الممكن أن يكون تحديا لكن ليس نهاية المطاف وكل عقبة بداية لنجاحات جديدة.
عندما وجدت آية وصديقتها نادي قريب يمارس اللعبة، طرحتا فكرة تأسيس فريق تحت إشرافهما. واليوم أصبح لديهن فريق حقيقي، أبوابه تستقبل كل فتاة لديها شغف تجاه كرة الطائرة. آية لم تنتظر الفرصة أن تأتيها، بل صنعتها بيديها، وأصبحت نموذجا ملهما لفتيات تجمعهن أهداف متشابهة.

تقول آية لكل فتاة أن تلاحق احلامها واهدافها بكل قوة حتى ولو كان الطريق صعباً لكنه لن يستمر هكذا اذا كان لديها الاصرار الكافي، ويجب أن نصنع أهدافنا بأنفسنا ولن نتوقف أمام أي عقبة اجعلوا من أحلامكم خرائط ترشدكم للمسار الصحيح وأصواتكم تعلوا، وآية لديها حلم كبير وتسعى للوصول إليه أن ترفع علم فلسطين في بطولة دولية كلاعبة لا ترى في الرياضة مجرد لعبة بل دافع داخلي وهوية وهدف لا نهاية له.
تعتبر كرة الطائرة أحد الألعاب الجماعية التي شهدت تطوراً ملحوظاً و كبيراً في فلسطين، لا سيما في السنوات الأخيرة وتحديداً على مستوى الفرق النسائية، وعلى الرغم من القيود المجتمعية والسياسية والصورة النمطية في مجتمعاتنا التي تواجه النساء في المجال الرياضي، استطاعت اللاعبات الفلسطينيات توسيع حيّز لهن في هذه الرياضة، وخلق اسم بارز لهن بشغفهن تجاه كرة الطائرة في البطولات المحلية. حيث بدأ بشكل رسمي تنظيم البطولات النسائية بواسطة الاتحاد الفلسطيني لكرة الطائرة، الذي تأسس عام 1969، وبدأ الاتحاد تطوير اللعبة في مختلف محافظات الوطن، ليس للذكور فقط بل كان هناك مساحة للإناث أيضاً لإظهار إبداعهن.

في هذا السياق، نعتبر تنظيم الاتحاد لبطولة كأس فلسطين لكرة الطائرة النسوية مثالاً على دعم مشاركة النساء في الرياضة. حيث تقام البطولة بشكل مستمر في صالات رياضية متخصصة مختلفة مثل صالة ديار في بيت لحم، حيث تشارك فرق نسوية من مختلف مناطق الضفة الغربية. وتعطي هذه البطولة مساحة للمنافسة وإبراز المواهب المختلفة كلٌ حسب قدرته، كما تعد فرصة ذهبية لاختيار لاعبات متميزات لتمثيل المنتخب الوطني الفلسطيني في المسابقات المختلفة إقليميا ودوليا.

بالرغم من الصعوبات، إلا أن الفرق النسائية حققت إنجازات عظيمة، حيث أن فريق "إبداع الدهيشة" حقق فوزاً وتصدر لقب دوري كرة الطائرة للسيدات، بعد رحلة مليئة بالتعاون والالتزام والتدريب والإصرار. وتعتبر هذه الإنجازات ثمرة جهود طيبة، بالرغم من ضعف الموارد إلا أن القاعدة الرياضية النسائية الأساسية وهيكلها بلغا احترافية عالية وأن مهارة اللاعبات بلغت الأفق فقط هن بحاجة بيئة أكثر دعم وإيمان بالطاقات الفاعلة، وبيئة تحاكي شغفهن تجاه كرة الطائرة.

في الحقيقة الرياضة النسائية في فلسطين، وفي مقدمتها كرة الطائرة، تخوض مرحلة انتقال جذرية مهمة، تحتاج تدخل مؤسسات مختصة، لدعم ورعاية البطولات بشكل خاص، وتوفير دعم لوجستي، وتنظيم دورات تدريبية لتأهيل اللاعبات والمدربات. ودمج الرياضة ضمن الأنشطة المدرسية والجامعية يساعد في انشاء جيل قادر وإبداعي ونقطة انطلاق حقيقية لتوسيع قاعدة المشاركة.


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017