الرئيسية / مقالات
هناك بنت تغني وتسأل عني.. بقلم: عيسى قراقع
تاريخ النشر: الأثنين 22/12/2014 12:18
 هناك بنت تغني وتسأل عني.. بقلم: عيسى قراقع
هناك بنت تغني وتسأل عني.. بقلم: عيسى قراقع

 

 بقلم: عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى

فوق أهدابها الخمس، وقفت الشمس عمودية مبلولة بما انزل الله من الغيم والحرّ و المطر الفضي، اقتربت مني ، تارة خائفة، وتارة غائبة، هي أجمل ما خلق الله في الكون، أنثى تتهدل بثوبها الذهبي، تمر أمام ساحة قلبي وتغني، تسأل عني، لا شمس تحت شمسها إلا نور هذا القلب يخترق المكان والظلال في آخر هذه السنة.

 

أقول لها تعالي، دقي صندلك في المكان، انزلي عن صليبك العالي، تعالي خذي توت جسدي وانثري بخوري على الآيات والبراهين، ادلقي روحي في وضوح الغموض، وانثري على غيابي عشب الخلود لأرى وجودي قربك، هنا بين الرخام والضوء، وضمدي في ذاكرتي ذلك النسيان.

 

فوق أهدابها الخمس سمعت كلام الله يختلط بكلام الضحايا، يسيل دم كثير بين قدمي، القمر من فوقنا يبكي، شعرها يتوزع في الأعراس والجنازات، ماء طفل يسيل من المغارة إلى البحر يقول: ردوا الموج إليّ.

 

في ساحة الميلاد هناك بنت تغني، تسأل عني، تشعل في جناحي شمعة لأخطو إلى الصلاة واقفا، انثر فضة الزيتون على الناس القادمين إلى وقتي، أفيض بها وتفيض بي، صارت السماء الآن سريرا وانثى تصلي.

 

قلت لها: أعرفك قديما، هنا ولدنا بين حجر وماء ونار، والآن نولد ثانية في الضوء والغيم، على شاطئ المتوسط، في فصل الشتاء البارد، تحت الثلج وقرع الأجراس، ولكن لماذا يستمر نزيف دمنا ويجف حليبنا، ويختفي صوت الشتاء؟ أشاحت وجهها عني، وأقبلت على السؤال تتفحص إيقاع الزمان، إيقاع صوتي.

 

تحت شجرة الميلاد، هناك بنت تغني، وتسأل عني، تحمل بيديها نجمة فضية، عادت من الغياب والغزوات إلى روحها القدسية، هل تبحث عني لتقرأ حب المسيح عليّ في صباح يوم الأحد، ترتل آياتها، وتعانق نفسي بالحياة والطين والحصى، ولا تراني.

 

تحت شجرة الميلاد، هناك بنت تغني، تسأل عني، المسافة إليها بعيدة، قلبها بعيد، دبابة تستريح تحت الشجرة، خطاي لا تصل القدس، مستوطنون يقطعون أثدائها شجرة شجرة، قبر في ترمسعيا للشهيد زياد ابو عين، قبر في مخيم قلنديا على خط العودة  من معبر قلنديا الى القدس ،قبر في سجن النقب لأسير ظل يحلم حتى الموت، أتساءل لماذا يموت الأنبياء في حضن هذه البنت، ويولدون في فراشها كل سنة.

 

نادتني بعد صلاة منتصف الليل، أيها التلحمي: لا تكسر الهدنة بين حبي وحبي،شجرة أجسادنا تضاء سلما وحربا، الحاجز العسكري لا يمنعك أن تقبلني، لا تستسلم لهذا الليل، الليل ليس لك، الليل لجنود الاحتلال المبدعين في اقتحام جسدي وغرف قلبي.

 

 

نادتني وهي تقول: جسدي من مخاض وحيض، حياتي تجري في عروقك لألدك وتلدني، هي صرختي، لست وحدي، انا جميع هذي الصور، انا كل الآيات القادمات لكل منتظر هنا، وأردد في هذه اللحظات الكلام الذي لم يقله الهواء لأوراق الشجر.

 

تحت شجرة الميلاد، هناك بنت تغني، وتسأل عني، أراها عاصفة وطفل من رمل، جسدها الجميل ما كتبته يداها، وما قرأت، جسدها النوراني ما عرفت وما بدأت، تفتح طريقي إلى الكلمات، حبالى باسرارها، والى الليل يسبح في التاريخ، صوت جرح يجيء ويمضي، يتبدد ويهرب مني، وهي لا تتبدد في أحد.

 

هناك بنت تغني، تسأل عني، هي بيت لحم، أول الأرض أو آخر الأرض، لا فرق، تتقبل ناري وتصهر جمري، ترضع الوقت، وترسم الدليل للطريق إلى المستحيل.

 

أنا السماوي الطريد، تقول وتنفخ في رمادي لأحيا، تتقدم من الأولاد في ساحة الميلاد، هدايا ودم وأغاني، تصلي، تضيء سماء الكون وسمائي، المجد لله في الأعالي وعلى الأرض المحبة والحرية والسلام، تشعل الزيت في دمي والشهوات.

 

 هناك بنت تغني، تسأل عني، تصلي: انا الأول وبعدي ترقد الميرمية في حقلي، وتجري الغزلان في تلالي، ولا  أرى دولة إسرائيل سوى معسكرا تكره الحب وتعشق الموت، ولا تصغي إلى قيامه موتي.

 

لقد عدت إلى العشاء الأخير معك، جديلتي الطويلة تغطي جروحك المضيئة، فكن نشيدي واصعد جرحا فجرحا واحرث المكان، انا أول الخارطة، قميصي من زعتر مفتوح على الطيور والأسماء واللغة.

 

هناك بنت تغني، تسأل عني، فتاة الريح تدق ابر الصنوبر في جسمي كي نحب حياتنا، تدق الرياح بكعبها العالي لأسكنها، وكي أدافع عن قدري ونشيدي، ونكون شعبا للحياة والصلاة.

 

وتصلي للمبعدين والمثقلين بالأغلال، المصلوبين على قضبان المعسكرات والسجون، تفتح باب كل سجن بالحقيقة، تعتمد على يديها، وعلى حمامتين تطيران وترفرفان فوق الترانيم المسائية، وفي صدري.

 

هناك بنت تغني، تسأل عني، هي مدينة الميلاد بيت لحم، تمسكّ بيدي وتجري من بيت جالا حتى حقل الرعاة في بيت ساحور، ومن قرية الخضر حتى منزل الشاعر اسكندر الخوري،  يرفع نجمته في سماء المدينة، وقد فاضت بالخبز والملح والعسل الأحمر، وعانقتني.

 

تتفقد المذود و أشلاء الذين ذبحوا في الحصار، تغسل ملابسهم وذكرياتهم، تعلقها على ستة وأربعين عمودا رخاميا في الكنيسة، تدعوني أن انزف أكثر، كي تولد الأعشاب في الأجسام، وتصلي.

 

هناك بنت تغني، تسأل عني، قلبي حريتي، تقول لي، قوتي في ضياعي وضعفي هنا ارضي ومعبدي ومهدي وأقوالي الأولي، هنا حبي وقصائدي وماء قمحي، لن يفزعني ملوك تل أبيب من الولادة وتجديد الهداية، والبحث عنك في حياتي ومماتي وبعثي.

 

تناديني: تعال أكثر وأكثر، تقدم نحوي، لا تصلب مرة أخرى، اشرب من البئر ومني، اقفز عن الأسلاك الشائكة، اترك جسدك على الأرض ولا تبالي بالمستوطنة، روحك معي، فك قيودهم عني واتبع ينبوعي وصوت الأجراس، ألا تراني؟ انا بيت لحم، الدهشة والعبادة والحياة والسلام والعشق والشمع والبهاء والجمال والموت والحياة ، ألا تراني. إني أراك.

 

هناك بنت تغني

تسأل عني

هي بيت لحم

تقول لي: اخلع ثياب السماء وجئني

في ثياب الحرية

لا نشوة لا كتاب

غير هذا التراب

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017