الرئيسية / الأخبار / عناوين محلية
مابين اغتيال واشتباك التقت الأرواح
تاريخ النشر: الثلاثاء 03/02/2015 21:18
                                              مابين اغتيال واشتباك التقت الأرواح
مابين اغتيال واشتباك التقت الأرواح

                                                  عامر وعلي الحضيري

تقرير فيحاء خنفر

 

  استيقظ ولم يخرج صباحا من المنزل على غير عادته, عامر كثير الحركة  كان هادئا يومها..قال لأمه بأنه يريد الجلوس معها.. تستذكر والدته ما دار بينهما وقتذاك من أحاديث ومزاح ولا تزال تتذكر حينما طلب منها أن تزغرد لأجله إن استشهِدَ استغربت بأن كان محور حديثه في ذلك اليوم معظم الوقت عن الشهادة..

  استشاط القلق بقلب الأم, لأول مرة تخشى أن عامرا ينتظر أجلاً قريباً, فطلبت منه ألا يغادر المنزل, ولم تكن راضية حين خرج بعد الظهر لقضاء "مشوار" قريب كما قال, فغاب بضع دقائق وعاد للمنزل وقد بدت عليه علامات القلق, ولدى سؤال والداه عن السبب أجابهم بأنه يتصل بصديق له ولا يجيب, ثم جلسَ بمزاجٍ قلقٍ بعض الشيء, وكان في كل مرة تغير أمه موضوع الشهادة يرجع إليه, طلب منها أن تدعو له بنول الشهادة فقالت له ممازحة أن يترك هذا الموضوع لحين تخرجه لأنه لم يتبقى لامتحانات الجامعة سوى بضعة أيام,فأجابها :"انسِ هذه الشهادة ليست مهمة, شهادة الآخرة هي ما أريد يا أمي"

  في الساعة الرابعة والنصف عصرا خرج من المنزل مرتديا قميصا أزرق, لا تزال تذكر أخته أماني عندما قال لها وهي تكويه له "يبدو سأستشهد اليوم".. وبعجلة توجه نحو السيارة وبعد مغادرته بدقيقتين تقريبا سمعت عائلته كما كل المنطقة دوي انفجار, صاح معه لاإراديا صوت الأم "عامر..عامريا الله..عامر" وبسرعة  سابقت حروف اسمه دب انفجار ثانٍ ثم ثالث..

  "شيءٌ ما انتزِع من أحشائي, لا أدري ما هو لكن قوة غريبة كأنها اقتلعت مني شيء" قال والد عامر واصفاً ذلك الشعور الذي اجتاح جسده بمجرد أن سمع الانفجار وقبل أن يدرك كلمات أمه قال مباشرة لدى سماعه صوت الانفجار الأول"عامر, هذا عامر.." كان الإنفجارين الثاني والثالث سريعان كشعور الأبوين بفقد ابنهما.

    كانت الطائرة الإسرائيلية من نوع "أباتشي" قد حددت الهدف منذ تحرك السيارة البيضاء من أمام المنزل, وعلى ظهرها إشارة "إكس" وضعها أحد الجواسيس ليلاً, مشت السيارة شرقاً تجاوزت الدوار, متجهة نحو "شارع الحدادين" صعودا باتجاه السوق,  وبمجرد سقوط الصاروخ الأول بجانبها همَّ عامر بتغيير المسار -بينما مسجل السيارة لازال يصدح بأنشودة "ياشوق القلب للقدس وديني"- وكان الصاروخ الثاني الذي أصاب مقدمة السيارة وأحرقها مباشرة أسرع من سيارته التي ما لبثت نيران الصاروخ الثاني أن توقدها حتى سقط الثالث بفارق أقل من ثانية, وهبت النيران بعنف و صهرت السيارة كما صهرت معها جسد عامر في بضع دقائق ليصبح ذلك الوجه الأبيض المنير بلحية خفيفة بلا معالم..

  في تلك اللحظات كانت كلماته تتردد بأذن أمه عن الشهادة وأحاديثه تدور بسرعة بخاطرها.. وصورته تتماثل أمام والده محاولا استيعاب ما جرى لابنه الآن, وفي تلك الأثناء أيضا كانت روحه قد فارقت الدنيا متحررة من نيران الصواريخ ومسؤولية المهمات القسامية الثقيلة التي كانت سراً لم يعرف به أهله, وفي تلك اللحظات أيضا كان السبع جواسيس الذين توزعوا في الحي لرصد حركته قد تفرقوا, كلٌ باتجاه مختلف منجزين أدوارهم الاستخباراتية في المَهَمَّة التي أشرف عليها شارون بنفسه.

 كان يوما من أيام الانتفاضة الثانية, الخامس من آب عام 2001, حيث كان موعد عامر مع الشهادة التي لطالما تمناها فنالها, وبعد دقائق قليلة من اغتيال عامر تأكد أهله من الخبر, لم تنسَ أمه وصيته لها بالصبر, وحمدت الله على استشهاده.. وكان أخوه الكبير "علي" متماسكا لدرجة تفوق تحمل إنسان عادي على فراق أخٍ كان دائم الملازمة له وبمثابة الصديق, ويتذكر الوالد, بعد إشاعة خبر استشهاد عامر, ذلك الاتصال الذي ورده من علي حيث كان في طريقه من نابلس لطولكرم حينما هنأ والده على الهاتف بشهادة أخيه ولم يؤخر التهنئة لحين وصوله..

  وكان الاحتلال قد نفذ في فترة قريبة اغتيال جمال منصور, وجمال سليم أبرز قادة حماس في الضفة الغربية آنذاك, وبعد أربعة أيام من اغتيال عامر, انطلق الاستشهادي عز الدين المصري للقدس وفجر نفسه وسط حشد صهيوني في مطعم موقعا 20 قتيلاً صهيونيا وأكثر من 100 جريح, وسميت العملية باسم المطعم الذي وقعت فيه"سبيرو" وأعلنت كتائب القسام أن العملية كانت انتقاما لاغتيال قادتها والعديد من عناصرها منهم "عامر الحضيري" وبذلك عرف أهله أنه كان عنصراً عسكرياً في الكتائب, فيما لم يظنوا ذلك يوماً..

  بعد استشهاد عامر غادر أخوه "علي" المنزل وبقي في نابلس, رآه والداه بعد انقطاع دام ل6 أشهر عن قدومه للمنزل,و استقلا سيارة إسعاف لتقلهما إلى نابلس, حيث لم يكن يسمح وقتذاك إلا لسيارات الإسعاف وبصعوبة عبور الحواجز العسكرية التي جزأت كل مناطق الضفة حولتها إلى سجون كبيرة متفرقة, وكانت الزيارة سريعة في وتمت في الشارع حيث سلم علي على والديه, قبل يداهما واحتضنهما بشوقِ غائب, ولم يلبي "علي" أمنية أمه  بأن يمكث بجوارها ليلة واحدة, بسبب الأوضاع معقدة التي لا تسمح له بالتحرك لأي مكان..

  وكان الوداع في الشارع كما كان اللقاء..  فغادر علي بنظرات شوقٍ وتوقٍ لوالديه.. اللذان تركاه وعاداه من دونه وقد أتعبهما الفراق الذي غيّب الابن الشهيد, و الابن المطارد..

 الاتصال الأخير

بتاريخ 3\2\2002

  كانت الساعة تشير إلى السادسة إلا ربع صباحا, حين رن جرس الهاتف بعنف, وأجابت أماني,  فقصف علي الكلمات سريعا وأخبرها أنه في اشتباك مسلح مع جيش الاحتلال ويريد أن يكلم أمه سريعا, والتقطت امه السماعة سريعا فور إبلاغها بأن علي المتصل.. وأطلق الوالدين والأخت سيلا من الكلمات المشجعة لعلي الذي على صوت الرصاص من حوله على صوته, وأخبرهم أنه محاصر وأكد لهم بأنه قتل اثنين من الجنود وجرح العشرات, وبعد ثوانٍ قُطِعَ الاتصال, وغاب َ صوتُ علي قبل أن يترك لأهله المجال لاستيعاب الموقف, اشتباك مسلَّح, علي الآن يحمل سلاح ويقاوم.. وهم لم يعرفوا يوما بأنه عسكري أو يتلقى تدريبات.

   يقول كل من شاهد ذلك الاشتباك بأن علي كان وكأنه محاطٌٌ برجال يعاونوه في التصدي لعشرات الجنود الذين حاصروا البناية, بينما لم يكن معه أحد بعدما افتدى رفاقه وجعلهم ينسحبون ليبقى وحده مشتبكاً معهم رافضا تتسليم نفسه, ولم يترك سلاحه ولم تُرخى يده عن الزناد حتى استهدفته الطائرة بينما كان قد حوصر في شرفة الشقة التي شرعت الجرافة الإسرائيلية بهدمها وهو داخلها.

    تسعة أشهر بين استشهاد الأخوين عامر وعلي, رحلا كما رحل آلاف الشهداء خلال انتفاضة الأقصى التي طالت دمويتها كل بيت فلسطيني فحصدت أكثر من 4400 شهيد, وأكثر من 48 ألف جريح.. وعامر وعلي هما نموذج من روايات فلسطين المخضبة بالدم, كانا دائما سوياً لا يفترقان, ومابين اغتيال عامر واشتباك علي تجدد لقاء الأخوة في الجنة التي لا يوجد أمرٌ قد يفرقهما فيها مجددا.

   

 

 

 

 

 

mildin og amning mildin creme mildin virker ikke
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017