نابلس من رند عصايرة
في زاوية هادئة من قرية عصيرة القبلية، تجلس الحاجة عايدة ياسين على كرسي خشبي صغير، تحيط بها كرات الصوف الملونة وأبر الحياكة. أمامها قطعة صوف نصف مكتملة، وكل غرزة تحمل جزءًا من حياتها اليومية: ساعات الصبر الطويلة، هموم البيت، وحتى لحظات الضحك البسيطة مع جيرانها وأهلها.
القرية تعج بالحركة المعتادة: أطفال يركضون في الأزقة، نساء يحملن الأكياس من السوق، وشبان يهرولون لإنجاز أعمالهم قبل غروب الشمس. وسط هذه الحركة ، تبقى الحاجة عايدة ثابتة، تعمل بدقة وحب، كأنها تخلق لحظة هدوء منفصلة عن الحياة من حولها.
قصة الحاجة عايدة ياسين :
الحاجة عايدة ياسين تبلغ من العمر 66 عاماً، وهي امرأة من النساء اللواتي عشن حياة بسيطة في القرية ، لكنها كرست جزءًا كبيرًا من وقتها ومهارتها للحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية. بدأت تعلم الحياكة منذ الصف الخامس، ومنذ ذلك الحين أصبحت السنارة والصوف جزءًا من حياتها اليومية. كل غرزة تصنعها تمثل جزءًا من حياتها ومشاعرها، فهي تعبرعن نفسها وعن تفاصيل أيامها من خلال السنارة والخيوط التي تتحرك بين يديها.
تقول الحاجة:
“الحياكة هي التي تسليني وتملأ وقتي، وأعبّر من خلالها عن كل ما في قلبي.”
تمارس أنواعٌ عديدة من الحرف اليدوية، فهي تصنع الشالات، والصواني ، والشراشف، وتطرز الخرائط ، والمخدات بأنواعها المدنية والفلاحية تعلمت مهنة الحياكة منذ الصف الخامس، وما زالت تمارسها حتى اليوم، من غرزة إلى غرزة، وكل قطعة تحمل بصمتها الخاصة وإتقانها المميز.
وتحرص على توفير مواد الصوف في المنزل دائمًا، وتحب أن يكون الصوف حاضرًا في كل مكان، لأنها تعتبره رفيقها في العمل ويضفي دفئًا على حياتها اليومية.
وتؤكد أن أعمالها ليست تجارة بالنسبة لها، بل هي تعبيرعن الحب والعطاء، فهي تهدي منتجاتها لأقاربها وبناتها وخواتها وأحفادها أيضاً، وتشارك كل ما تصنعه مع من يحبونها، مما يجعل من كل قطعة صنعتها علامة على كرمها وحنانها.
هل يشاهد الناس عملها كمنتج للحياة اليومية، أم كتعبير عن تراث حيّ ينبض بالدفء؟ كل من مرّ بجانبها لاحظ شيئًا فريدًا: الصبر والشغف الذي لا يزول، حتى وسط تحديات الحياة اليومية. الخيوط والألوان، والأقمشة التي تصنعها، تمثل جزءًا من إبداعها وإتقانها، وتظهر قوة الإنسان العادي على مواجهة الحياة بابتسامة وإتقان.
في زاوية بيتها البسيط، تظل الحاجة عايدة تمسك السنارة وتغزل خيوط الصوف كما لو كانت تغزل ذكريات القرية نفسها. كل غرزة فيها صبر، كل قطعة فيها دفء، وكل ابتسامة منها تترك أثرًا في كل من يراها. أعمالها ليست مجرد حياكة، بل حياة صغيرة محاكة بالحب، الصبر، والذاكرة اليومية للقرية. هكذا تبقى الحاجة عايدة، ليس فقط صانعة صوف، بل راوية للحياة، حافظة للتراث، ومرآة للإنسانية في تفاصيل أبسط أيامنا.
هذه هي حكاية الحاجة عايدة ياسين، التي صنعت من خيوط الصوف دفئًا، ومن ضحكتها أثرًا لا يُنسى.!