نابلس: من رند عصايرة
في كل موسمٍ من كُل عام، يستعد الفلّاح الفلسطيني لموسم قطف الزيتون الذي يُعدّ من أهم المواسم الزراعية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، إذ لا تقتصر رمزيته على كونه مصدر رزقٍ أساسي، بل يُجسّد أيضًا ارتباط الفلسطيني بأرضه وصموده عليها. ومع حلول موسم الزيتون لعام 2025، بدا واضحًا أن هذا الموسم يُعدّ من أسوأ المواسم منذ أكثر من خمسين عامًا، وفق ما أكده العديد من المزارعين والخبراء في المجال الزراعي.
شهدت السنوات السابقة تفاوتًا في إنتاج الزيتون؛ بعض المواسم كانت تُثمر نصف الكمية المعتادة، وأحيانًا لا تتجاوز الربع،وتارتاً الثُلث ، وذلك نتيجةً لاختلاف الظروف المناخية من عامٍ لآخر. ويُجمع المزارعون على أن السبب الرئيس في ضعف وسوء ِموسم هذا العام يعود إلى قلّة المياه وشحّ الأمطار، إلى جانب غياب البرودة والرطوبة التي يحتاجها الزيتون في مراحل إثماره. فهذه العوامل المناخية تُعتبر أساسية لضمان جودة الثمار ووفرة الإنتاج، ومع تراجعها، تراجعت معها قدرة الشجر على الإثمار، ما انعكس سلبًا على كميات الزيت وجودته، وألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي للمزارعين.
يقول الفلاح الفلسطيني ناصر عصايرة، أحد مزارعي قرية عصيرة القبلية جنوب نابلس:
“في المواسم السابقة كنت أعمل ما يقارب 12 تنكة زيت من قطعة أرضٍ واحدة، أمّا هذا الموسم فكل ما حصلت عليه من قطعة الارض لا يتجاوز 10 كيلوغرامات من الزيت.”
ويُضيف عصايرة أن إنتاج الزيتون في الأعوام الماضية كان يتراوح بين 20 إلى 25 تنكة كحدٍّ أدنى من كامل المحصول، بينما في هذا الموسم لا يتجاوز الإنتاج خمس تنكات فقط.
ويؤكد حافظ صالح، رئيس مجلس قروي عصيرة القبلية، أن موسم الزيتون لعام 2025 يُعدّ من أصعب المواسم التي تمرّ بها القرية منذ عقود، إذ يتسم بجفافٍ غير مسبوق. ويقول:
هذا الموسم هو أول مرة نمرّ فيه بجفافٍ شبه كامل، ومن الجدير بالذكر أن أهالي القرية أنهوا موسمهم خلال أسبوعين فقط، بعد أن كانوا في الأعوام السابقة يستمرون في القطاف طوال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني.
ويُضيف صالح معبراً عن معاصر الزيتون ويقول : مشهد معاصر الزيتون تغيّر بشكلٍ واضح هذا العام؛ فبعد أن كانت تعمل معصرة القرية في المواسم السابقة من ساعات الصباح وحتى منتصف الليل، أصبحت اليوم تفتح أبوابها فقط من الساعة الرابعة عصرًا وحتى منتصف الليل، بانتظار أن يتجمّع المزارعون الذين ما زال لديهم محصول. كما كانت تُشغّل سابقًا من خمسة إلى ستة عمال كانوا يعملون بنظام المناوبات على مدار اليوم، أما اليوم فقد أصبح عاملان فقط يستطيعون تشغيلها،وذلك نظرًا إلى قلة الكميات الواردة.
ويُشير صالح إلى أن تشغيل المعصرة يحتاج إلى كمية كبيرة من الزيتون حتى تعمل بكفاءة، وهو ما لم يتحقق هذا الموسم بسبب انخفاض الإنتاج بشكلٍ كبير.
وفي سياق الحديث يقول المزارع محمد أبو حمد، أحد أصحاب الأراضي الغنية بالزيتون في القرية ، أن إنتاجه هذا العام شهد تراجعًا غير مسبوق، حيث يقول:
في المواسم السابقة كان ناتج محصول الزيتون من مجموع الأراضي يقارب نصف طن من الزيت، أمّا هذا العام فلم يتجاوز الإنتاج 182 كيلوغرامًا فقط.
ويُشير أبو حمد إلى أن هذا الانخفاض الكبير في الإنتاج يعكس بوضوح تأثير قلّة الأمطار ونقص الرطوبة على الأشجار التي لم تتمكّن من الإثمار كما في السنوات السابقة، مؤكدًا أن "الأرض عطشانة"، وأن الزيتون بحاجة إلى مياه كافية وبرودة حتى يعطي إنتاجًا جيدًا.
كل تلك العوامل أدّت أيضًا إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار زيت الزيتون داخل القرية، إذ يُباع كيلو الزيت حاليًا بسعر يتراوح بين 45 إلى 50 شيقل، مقارنةً بالأعوام السابقة حين كان السعر لا يتجاوز 20 إلى 25 شيقل. هذا الارتفاع انعكس بشكل مباشر على دخل الفلاح الفلسطيني الذي يعتمد اعتمادًا شبه كامل على موسم الزيتون كمصدر رزق أساسي له ولعائلته، سواء من خلال البيع المباشر أو التجارة في الزيت.