الرئيسية / الأخبار / فلسطين
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
تاريخ النشر: الثلاثاء 24/02/2015 19:20
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال

 تحقيق صحفي

بقلم:حياة دوابشة ورحمة اللوح

لدى دخولك البلدة القديمة تلمح حكايات أجدادك السالفة عن أمجاد المكان تتلاقى الكلمات بالآهات وتبدأ تلك الصور التي وصفت لك قديماً عن تلك القطعة الدمشقية بالتلاشي شيئاً فشيئاً ، وإن أكملت طريقك قليلاً إلى الداخل ستلمح تلك اللوحة وقد بدت ألوانها باهتة تشكو للمارين وعورة الزمن وإهمال الإنسانية.
هذه ليست كلمات بل هي جولة تحقيقية تتخذ من البلدة القديمة عنواناً لها ، فهناك أسئلة تستحق منا الوقوف عندها ولو لدقائق من تساؤلات حول الآثار والإنسان إلى خطابات تستهدف المختصين بشؤون البلدة القديمة.
ما زال في ابنائك خير
هناك في ثنايا تلك اللوحة القديمة وتحديداً في حارة الياسمينة تصعد درجاً شبه مهدم لا يتسع لاثنين ولا لواحدٍ حتى،تستقبلك مالكة البيت الشابة رشا استيتية وتبدأ حكاية يتألم لها فكرك تقول" لا تعلمين مدى صعوبة العيش هنا شتاءً ، تشققات في السقف يزداد توسعها في فصل الخير ".
لم يسبق وأن عرضت البلدية على رشا أو زوجها عبد الله ترميم البيت ، وحدها وكالة أجنبية أحست بأن المكان على أعتاب مصيبة مقبلة، وحاولت المساعدة.
المنزل كغيره من البيوت المجاورة تعرض لتفجير في إحدى جوانبه أيام الاجتياح ولعل هذا ما جعل البيت في حالة شبه مزرية،ومع كل هذا يلهمك ذاك الصبر الذي تجرعته هذه العائلة فتؤكد رشا "نحن من رممنا بعضاً من تشققات المنزل وأضفنا له بلاطاً جديداً ، وعندما نرحل لملاذ آخر- وهو شيء يعمل زوجي عل تلبيته حالياً -سنقوم بإعادة البيت إلى أصله وسنعيد له تلك الجلسة العربية التي كانت تستقبل ضيوفنا قبل الاجتياح".
بيت استيتية غيض من فيض ولكن ما يثير حيرتك في تلك المنطقة هو حميّة الساكنين عندما يتعلق الموضوع بالتراث ، فهذا الحاج وليد حلاوة مالك لصالون حلاقة بسيط وفريد من نوعه على مقربة من ذاك البيت المهموم هناك في كنفات محلّه ستجد التراث قابعاً في كل زاوية في صور عبد الحليم ،في أغانيه التي رافقتنا من رأس الحارة وفي حديثه الذي لا ينتهي.
صالون الوليد يبلغ من العمر 45 سنة ويصغر عمر مالكه ب40 سنة كل ما فيه يستدعي الزائر أن يطرح اسئلة عن مغزى مفردات المكان، كرسي من يافا وصور لشهيد غاب خياله في معركة الكرامة وترك خطيبة له في العراق تنوح.
تستوقف الحاج وليد الذي ينسيك وهو يتحدث عن السبب الذي دعاك لزيارته لكنه يبدأ فوراً بسرد تاريخ ملّ منه يقول"في أيام الاجتياح أتذكر أني كنت أحلق لزبون وإذا بغاز مسيّل للدموع يتسرب إلى المحل أتذكر أني لعنت الاحتلال ولعنت المهنة كلها بعد وهلة أخذ الشباب يرجمون اليهود بالحجارة وشهدت على كل شيء من باب دكاني الصغير".
يضيف حلاوة وعلى شفته ابتسامة "خلال أيام الاجتياح جاء اليهود إلى محلي وأخذوني غصباً إلى ساحة البلدة وقد كانوا قد جمعوا عدداً من السكان هناك وجعلونا نلتف مقابل الحائط وأمرونا أن نرفع أيدينا ، يضيف والابتسامة تكشف عن أسنان أكلها الزمن"أتذكر حينها أني سمعت صوت زوجتي كان أحدهم قد أخبرها أني قد اقتدت إلى الساحة فتبعتني وصرخت مطولاً في وجه الجنود ولم تغادر الساحة إلّا وأنا معها".
يعلق على كلامه أحد الزبائن قائلاً"أخت رجال".
لا شيء سيكون أكثر إثارة فيما يتعلق بالبلدة القديمة أكثر من زيارة قصر عبد الهادي والذي أكد لنا هشام عكوي البالغ من العمر 34 سنة أن أصحابه قد عرض عليهم خمسة ملايين دينار مقابل القصر وعن طريق رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة ولكنهم رفضوا قائلين" نعتبر القصر مكاناً أثريّاً ولسنا مستعدين لبيع آثارنا".
آثار تلوح للمار
مدينة نابلس كغيرها من المدن  الفلسطينية التي تعرضت للاحتلال الاسرائيلي عام 1967م حين سقطت الضفة الغربية بأكملها ،ومثلت البلدة القديمة محفلاً مهما للنضال مما أدى لاجتياحها وتدمير معظم معالمها .
فمن بين الآثار التي بقي ركامها لقرون بين حطامين حمام السمراء الذي أبت شمسه  بعد ثلاثين عاماً إلا أن تعود متسللة تلك القبة المزينة بزخارف من الآيات القرآنية لتتناثر في أرجاء المكان ،فيقول حازم سيد مرعي القائم بأعمال الترميم للحمام بعد الاجتياح "رممت الحمام عام 1996 م على  نفقتي الخاصة دون دعم مادي من أحد وذلك بعض تعرضه للهدم عام 1967 م فترة اجتياح البلدة " ، ويضيف سيد مرعي"عشقي لتراث البلدة كان دافعاً وحافزاً لإعادة بناء الركام الذي ظلَ 30 عاماً دون أن يلتفت إليه أحد ، وقد استغرق الحمام مدة ليست بقصيرة لإعادته للحال الذي آل إليه الآن ".
فالصورة التي تستقل الواجهة الداخلية من الحمام كفيلة لعرض ذاكرة المكان قبل 200 عاماً ، ومن الجدير ذكره أنّ حمام السمراء أنشأ قبل الميلاد بحوالي150 عاماً ،وهو أحد العشر حمامات التي بناها السامريون إلَا أنَه كان له النصيب والحظ مثل حمام الشفاء في إعادة الترميم من بين الحمامات التي ظلَت ركاماً عفى عليه الزمن .
 
رائحة البنَ والزعتر والبهارات المنبعثة من مطحنة بريك من على بعد ، هي رائحة أخرى من عبق الماضي قد أنقذت لتعيد الحياة لزوَارها فيقول باسل بريك " تحول المكان لمطحنة عام 1989م بعد أن كان حانة تتبع لدار الخماس ، وتم ترميم المكان بعد أن هدم الاحتلال الاسرائيلي الجزء الأمامي منه " .
رنين الهاتف القديم  والبيت العربي وملامح المكان الممزوجة بالرائحة العريقة شاهد واضح على التشبث بموروثات الماضي حيث يردف بريك حديثه قائلا "رغم دمار الاحتلال في هذا المكان إلا أن التمسك بتراثنا أعاد الحياة للمطحنة ونحن حريصون على اقتناء القطع التراثية وشرائها من أصحابها مما جعل المكان مقصداً للعديد من السيَاح والمؤسسات"
وحال الحمامات والمطحنة كحال الكثير من الآثار التي تضررت بفعل الاجتياح الاسرائيلي للبلدة .
 
منازل مخضرمة 
منازل أهالي البلدة نالت النصيب الأكبر من التدمير أثناء الاجتياحات فجزء منها بقي على حاله والجزء الآخر أعيد بناؤه لتصبح كإنسان مخضرم عاصر الجاهلية والعصر الحديث ، فالجزء السفلي من المباني يعود لعصور قديمة والعلوي للعصر الحديث بسبب القصف الاسرائيلي لها .
ومن بينها بيت الصروان الذي قصفته طائرات الاحتلال فتقول نور الصروان " اضطررنا لبناء الطابق العلوي على ما هو عليه الآن ،لأن لا مكان لنا سوى هذا المنزل الذي يسكنه كافة الإخوة ، ورمم المنزل على النفقة الخاصة  وبمساعدة مالية رمزية من البلدية " .

يد أخرى تطمس التراث
لم يكن الاحتلال هو المخرب الأول لصورة البلدة فقد سبقته يد القدر عبر الكوارث الطبيعية في طمس بلدة بأكملها عام 1927م حين حدث الطوفان في البلدة لتقام بلدة أخرى على أنقاضها  فأجاب الثمانيني في العمر الحاج خميس شبيري  عند سؤالنا عن تاريخ تلك البلدة " نابلس القديمة ليست هنا بل هي تحت هذه الأرض بفعل التغيرات الطبيعية التي حدثت بالماضي "  ،ويكمل الشاب هشام عكوبة  مسعفاً ذاكرة الحاج خميس من النسيان  فيقول " الأقواس التي تتواجد أسفل جدران المنازل القديمة تدلَ  على وجود مبانٍ أسفلها كانت ملجأً للثوار أثناء مداهمات الاحتلال للبلدة " .
وفي عام 1927م حصل زلزال مدمَر تأثرت به الأقواس وبعض الأجزاء من قصر عبد الهادي فيذكر محمود بيك عبد الهادي " يتجاوز عمر هذا القصر الـ400  عام ، وهو حكاية تراث صامدة رغم تعرضها لزلزال عام 1927 م واجتياح عام2002م دمر الطابق السفلي من القصر حيث كان يحتوي على روضة خرجت الآلاف من أبناء هذه البلدة ".
ويضيف عبد الهادي " بني القصر على مرحلتين وهو مقام على مساحة 7دونمات ونصف ويحتوي على 110 غرفة تتسع لـ 30 عائلة ، ويسكنها الآن ثلاث عائلات تتبع لعبد الهادي وواحدة مستأجرة " .
وما لبثنا بدء جولتنا داخل القصر إلا وبقدوم وفد من السائحين الأجانب ،فتقول روز وهي بريطانية الجنسية التي وفدت عبر تبادل طلابي  بين الجامعة البريطانية وجامعة النجاح الوطنية " هذا القصر بمثابة محفل ثقافي وتراثي ومن المهم والجيد أن نتعرف على تاريخها لأنها تمثل لنا رصيد معلوماتي قيم وثمين " ، وبابتسامة تلون وجه محمد سليمان من الباكستان يتحدث" الآثار هنا جاذبة جدا وفي فترات الاجتياح كان الأجانب الوافدين للتظاهر في بلدة نعلين قرب جدار الفصل العنصري يمثلون أداة دفاع عن الثوار في البلدة القديمة خلال تمويه الجيش الاسرائيلي وكف أنظاره عنهم " .
ويضيف سليمان " هذا القصر كان ولا زال ملجأُ للسياح للنوم فيه لعدة أيام ".
ماذا تقول بلدية نابلس؟ 
وعند سؤالنا بلدية نابلس عن ترميم آثار البلدة القديمة وحول أقوال أهالي البلدة من هذه الحيثية تحدث إلينا المهندس سامح عبده من قسم إعمار البلدة القديمة جمعية اللجنة الأهلية التابعة للبلدية فيقول " هناك آلية معينة لترميم آثار البلدة ،فيتم ترميم المباني المتضررة بشكل كبير والمأهولة بالسكان أيضاً حيث يؤدي عدم ترميمها لتضرر كبير بالمباني المجاورة والملاصقة لها ، بالإضافة لإعمار إنارات الشوارع والصرف الصحي وواجهات بعض الآثار مثل قصر عبد الهادي لأنه يطلَ على الحق العام وهو الشارع" .
 أما حول الاستفسار عن طمس البلدية المقصود أو غير المقصود لتراث البلدة وبالتحديد عن الحمامات التي  لا زال قائما اثنان فقط، يذكر عبده" هناك  العديد من القوانين التي لا تساعدنا على ترميم آثار البلدة حيث لا يسمح للبلدية ترميم أماكن لها ملاَك دون موافقتهم وهذا ما حصل بتلك الحمامات التي حولها أصحابها لمخازن وأماكن لتربية المواشي والدواجن ! ".
ويضيف للعوائق التي تقف حائلاً أمام  ترميم آثار البلدة "  تقسيم الآثار بين الملّاك يمثل عائقاً رئيساً في الترميم فمثلا عيون الماء المارَة في ممتلكات الأهالي يرفضون ترميمها للطراز القديم ويفضلون تحويلها للشكل الحديث مثل القناة الرومانية التي تمر ببستان النمر في حارة الفقوس".
وفي سياق الحديث عن المنازل التي تحوي الطرازين يقول سامح عبده " التشويه لأثرية المباني واضح جداً إلا أن ذلك كان فقط في الفترة التي تلت الاجتياحات ، حيث ساد الفلتان الأمني آنذاك ، والآن يوجد قوانين تلغي تلك العشوائية في الترميم والبناء حيث يلزم الأهالي بالترميم على الطراز القديم إلا في حالات اضطرارية تنظر في أمرها البلدية ".
ويكمل "هناك إهمال كبير من قبل الأهالي وعدم وعي بأهمية الحفاظ على الممتلكات العامة في البلدة مثل إنارة الشوارع ، والبلدية لا تمتلك ميزانية ثابتة لإعمار البلدة وتعتمد بشكل كبير على المنح والتمويل الخارجي " .
وأطلعنا المهندس سامح عبده على أعمال اللجنة التعاونية لإعمار البلدة خلال 15 عاماً حيث رممت 25 منزلا في حوش العطعوط بحارة الياسمينه وحوش الشوفية والجيطان والبيوت الحكومية ومنازل الفقراء المهمشين بالإضافة لترميم أجزاء بسيطة من المساجد الأثرية .
فلا ندري لمن تشير أصابع الاتهام في هذا الاهمال ،للبلدية أم لسكان البلدة ؟! وكل ذلك لا يغني أن المسؤولية تقع على عاتق كليهما .
 

حبس الدم
إن تجرأت وسألت أي ساكن من سكان البلدة القديمة عن سبب تسمية حارة حبس الدم بهذا الاسم فستلقى ما لا يسرك سيوجه الجميع إليك نظراتهم بامتعاض ، الحاج وليد العنبتاوي مالك أحد المطاعم وأحد سكان الحارة فور سماعه لاسم عبد الهادي أخفض رأسه وطلب من حاج بجواره أن يطردنا بالمعنى الحرفي .
ليس غريباً أمر الحاج وليد بل على العكس إن قرأت عن تاريخ هذه الحارة التي كانت قديماً تسمى بالدرويشية فستصعق وستظن أن هكذا أحداث لا يمكن أن تكون حدثت هنا في فلسطين.
لا يوجد كتب أّرّخت حادثة حبس الدم ولن توجد.. فما حدث بين العائلتين، عائلة عبد الهادي وعائلة نمر الآغا من قتل للرجال واغتصاب للنساء وسفك للدماء لا يستدعي أن ترفع بحقه الأقلام والمعلومة تحبس تماماً كحبس المسمى.
 
بيت جميل هو قصة أخرى لمعانة البلدة القديمة ، فقد هذا المنزل ابنين في ريعان شبابهما محمود ذو الـ27 عاماً ومؤيد ذو الـ30 سنة.
أمين جميل شقيق الشهيدين يقول: " كان محمود يحمل صفات القائد وكان مطارداً لاكتشافه مادة "إم العبد" وهي مادة تفجيرية أرهبت الاحتلال في ذلك الوقت ".
أم جميل تستوقف ابنها وتقول" محمود مش ابن عيشة ...كان مميزاً في كل شيء".
محمود كان يقول دائما الثورة عندما تنتصر تأكل أولادها كان محمود وأخوه مسؤولين عن تدوين أسماء العملاء ومحاسبتهم،بعد مؤتمر مدريد تأكد محمود من أن لاشيء سيبقى كما هو.
ينتقل أمين إلى ذكرى وفاة أخيه وهو يردد بين كل كلمة اسم مسؤول لائماً ومعاتباً يقول" كنت في البيت عندما وصلني خبر وفاة أخي من مستشفى رام الله الحكومي استجمعت نفسي وذهبت إلى هناك اقتحمت ووالدتي المكان وأحضرنا جثمانه ، وشيعه في ذلك الوقت 70 ألف شخص"،يضيف غاضباً" قتله ضابط بالبحرية بأمر من ذاك المسؤول".
لم يقو الشقيق على استكمال قصة الأخ الآخر مؤيد فقال" ما يشفع لنا أن مؤيد قتل 23 إسرائيليا".
مؤيد راح ضحية الاجتياح واستشهد في اشتباك مع اسرائيل وكان شقيقه أمين في ذلك الوقت معتقلاً ولم يتمكن من حضور الجنازة.
يستحيل أن نختصر البلدة بكلمات ومهما استطردنا فسنبقى مقصرين، هي آثار رافقتنا في كل زاوية وأناس مروا علينا بعد أيام ليلقوا سلاماً علينا وكأننا أخوة لهم هم أناس أفصحوا لنا عن مشاعرهم وبكوا أمامنا وضحك بعضهم ،ولكن يبقى الأثر الذي تركه المكان فينا أبلغ من أن يوصف ويكتب.












 
 
المزيد من الصور
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
البلدة القديمة:لوحة عثمانية تقبع في متحف الإهمال
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017