الرئيسية / قسم27
الغش في الامتحانات: حالة نفسية وغريزة فطرية!
تاريخ النشر: الأثنين 09/11/2015 14:27
 الغش في الامتحانات: حالة نفسية وغريزة فطرية!
الغش في الامتحانات: حالة نفسية وغريزة فطرية!

بقلم: يحيى عقل

لطالما اعتقدت بأن هناك اسباب عديدة وراء الغش في الامتحانات سواء في المدارس او الجامعات كعدم تحضير بعض الطلاب للامتحان او حب اعتماد بعضهم على الاخر او نتيجة تربية وبيئة معيشية خاطئة او لمضايقة المعلم الخ الخ.

 

قد تكون هذه الاسباب صحيحة بنسبة معينة ولكن ما اتضح لي مؤخرا بأن غش الطالب في الامتحان ناجم عن حالة نفسية يعيش فيها الطالب مند قديم الازل حيث يعتبر دخوله لتقديم الامتحان كخوضه معركة اما النصر فيها او الشهادة في سبيل الله!  فكثير من الطلاب ينظرون الى اسئلة الامتحان كرصاص موجه نحوهم ومعلم المادة او المراقب على الامتحان كجندي يحمل سلاحا يهدد حياتهم وهذا كاف لخلق جو من التوتر والفوضى والارتباك النفسي في قاعة الامتحان.  قد تكون الصورة المجازية فكاهية بعض الشيء ولكنها واقع مؤلم تعيش فيه نسبة لا بأس بها من طلابنا ولا القي اللوم الكامل عليهم على اية حال فمن ساهم في هذا الأمر هو مجتمع عربي يقدس العلامة بمجمله ولا يأبه لما تعلمه الطالب.

 

 مجتمعٌ يحوي مدرسة ومعلما يقيم تلاميذه وطلابه بناء على علاماتهم لا مخزونهم العلمي ورب عمل يوظف خريجي الجامعات بناء على معدلهم دون الاكتراث بإجراء مقابلة عمل للتعرف على كفاءة وخبرة هذا الخريج.  مجتمع فيه اولياء امور يظنون بأن حصول ابنهم على معدل 99.9 يؤهله ليدرس الهندسة او الطب او الفيزياء وان حصل على معدل 99.8 فهو فاشل صفيق لا يستحق الحياة! اولياء امور يغضبون من ابنهم عندما ينقص علامة واحدة في الامتحان يصرخون مرددين عبارتهم الشهيرة ( مش انا حفظتك اياه مبارح؟ ليش تغلط فيه؟) حتى استبدلت كلمة (تعليم) بكلمة (تلقين) في وقتنا الحالي!

 

انا لا اقول بأن العلامات ليست مهمة ولا ادعي بأن العلامات لا تقيم الطالب ولكنها احدى الوسائل العديدة لتقييم الطالب ولا يجب اعتبارها الوسيلة الوحيدة والمثلى ولهذا يمكن ان نتصور بأن الامتحان بالنسبة للعديد من الطلاب هو حرب دموية يترتب عليها عواقب وخيمة حتى بات الطالب يستخدم كافة الطرق والوسائل دون التفكير او المحاولة  ليتمكن من الحصول على العلامة من خلال عملية الغش حتى ولو لم يكن الأمر مجديا. اضافة الى ذلك فهي غريزة انسانية فطرية فكما تعلمون كل ما هو ممنوع مرغوب.

 

دعوني اوضح وجهة نظري المتواضعة بمثال تجسيدي وتجربة واقعية تحدث معي ومع طلابي الاعزاء كل عام.  بداية انا اعمل معيدا متواضعا لللغة الانجليزية في الجامعة العربية الامريكية وبالتأكيد هناك امتحانات خلال الفصل والمساق كما تعلمون فعندما يأتي موعد الامتحان لا استطيع الانكار بأن هناك فئة معينة من طلابي تحاول الغش بشتى الطرق فهم في النهاية ليسوا بالملائكة وهم نتاج المجتمع العربي الذي تحدثت عنه مسبقا وبشكل عام  كما انني كنت طالبا ولازلت طالبا واعلم ما يحدث وليس هدا ما اريد استخلاصه وإنما قصتي وتجربتي  تتجسد في انني عندما ادخل احدى المحاضرات واطلب من طلابي الاستماع الى قصيدة او قصة معينة وأن يحللوها ويكتبوا مقالا باللغة الانجليزية عنها وأقول لهم بالحرف الواحد: (اكتب مقالا حول القصيدة التي سمعتها داخل المحاضرة علما بانك تستطيع العمل مع زميلك والتحدث اليه واستشارة من تريد واستخدام الانترنت او الهاتف او أي كتاب تريده كوسيلة مساعدة) اتفاجئ بأنني لا اسمع صوتا ولا ارى سوى نسبة ضئيلة جدا من الطلاب لا تتجاوز ثلاثة بالمئة يتحدثون الى بعضهم في حين انغماس وانشغال بقيتهم بالتركيز واستخدام القواميس فقط والعمل بشكل فردي بكل هدوء كأنهم في المسجد! علما بان المقال مقيم بخمس علامات وعندما اصلح الاوراق لا ارى حتى تشابها في صياغة الكلام وإنما قد يكون مجرد توارد في الافكار لا اكثر ولا ارى أي ادلة على عملية غش في حين تتشابه بعض الجمل بين الطلاب عند تصليحي لأوراق الامتحانات وكأنها عملية نسخ ولصق لا أكثر!  فكنت اسأل نفسي: لماذا لا ارى هدا المنظر في الامتحان؟! لماذا لا ارى ابتسامتهم وصفاء وجوههم عند تأديتهم للامتحان كما ارى ابتسامتهم وتفانيهم عند كتابة المقال علما بأن كتابة المقال اطلبها منهم فجأة في المحاضرة في حين يتم الاعلان عن الامتحان قبل اسبوع على الأقل؟! قد يقول البعض ربما لأن مادة الامتحان اصعب واجابتي: بالعكس فأنا معلم المادة واعلم ما هو الاصعب في محاضراتي ومساقي!  لماذا حتى لا يستخدمون وسائل الغش الممنوعة في الامتحان عند كتابتهم المقال؟! فنحن نعلم بأن الزمن تطور وان اساليب الغش اختلفت وأصبح من النادر ان تجد قصاصة ورق مع طالب مع وجود الاجهزة الالكترونية الحديثة والهواتف النقالة والانترنت فلماذا لا اراهم يستخدمون الانترنت او يتصلون بشخص ما لمساعدتهم وإنما يعتمدون على معرفتهم ولغتهم بشكل فردي؟!  لكنني توصلت الى جواب هدا السؤال المحير ألا وهو عنوان مقالي هذا : الغش في الامتحانات حالة نفسية وغريزة فطرية!  فعندما يشعر الطالب بالأمان دون مراقبة وتقديس للعلامة واهتمام مبالغ به بما كتب او ادى يدفع الطالب الى التفكير واستخدام معلوماته والاعتماد على نفسه.

 

قد يتساءل البعض الآن مادا يحاول ان يقول؟ هل يريد الغاء الامتحانات والعلامات؟ هل يعاتب اولياء الامور والتربية والتعليم؟ الجواب: لا وانما فلنحرص على علم الطالب وخبرته ومهارته وكفاءته ومبادئه وإمكانياته ولنعمل على دعمه بدلا من تنشأة جيل يعيش في فقاعة خاوية شعارها تقديس العلامة والتلقين كالببغاء واعدكم وقتها بأن نتمكن من القيام بالامتحانات مستقبلا عبر الهاتف او الانترنت او حتى عبر الايميل دون وجود كتيبة من المدرسين يقفون على رأس الطالب في الامتحان كالعسكر ودون محاولة واحدة بسيطة للغش!  

 

 

  

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017