الرئيسية / الأخبار / فلسطين
صلاح خضيري: ذاكرة "التوجيهي" الحيّة...
تاريخ النشر: الأربعاء 01/06/2016 13:58
صلاح خضيري: ذاكرة "التوجيهي" الحيّة...
صلاح خضيري: ذاكرة "التوجيهي" الحيّة...

 طوباس- وزارة الإعلام: تتبعت الحلقة (42) من سلسلة "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام حكاية صلاح يونس خضيري، الذي ما زلال يلم بالتفاصيل الصغيرة لامتحان شهادة الثانوية العامة، رغم مرور أكثر من نصف قرن على تأديته لها.

وسرد خضيري، الذي أبصر النور في طوباس  أوائل شباط 1947، الأيام الأولى من التحاقه بالمدرسة الأهلية للشيخ فايز مساعيد عام 1952، حين سبق أبناء جيله إلى الصف الأول الابتدائي، ودرس لصفين بمعلم وحيد كان يتناوب على الغرفتين.
صفوف وترفيع
يسترد:" حين أنهيت الصف الثاني عند الشيخ المساعيد، نقلوني إلى مدرسة الحكومة، أجرى لي مديرها الشيخ عبد الفتاح أبو محسن امتحان قبول، فطلب مني أن أقف على السبورة، ولأني كنت قصير القامة، أحضروا لي كرسي خشبية، ولما وصلت اللوح، أمرني أن أكتب عبارة ( أكتبوا دروسكم، رتبوا كتبكم)، ولما وضعت ألف الجماعة للفعلين، ابتسم وقال لي: "يُرفع إلى الصف الثالث الابتدائي."
ومما لا ينساه خضيري، كيف أن الصفين الأول والثاني كان يمتدان طوال 12 شهرًا، فيما يحصل المساعيد على 10 قروش بدل كل شهر، ويحظى برمضان وعيد الفطر بصاعين من القمح، وبخاصة مع حلول سنة القحط أوائل الخمسينيات.
يقول:" كانت المدرسة بعيدة عن بيتنا، ولم أكن أعرف طريقها،  فحضر الفتى منصور أبو سليم وصار يرشدني إليها مقابل (تعريفة) كل يوم، إلى أن حفظت الدرب في حارة عائلة الدراغمة. ولبست في الصف الأول البنطال لأول مرة، وكان الزي الشائع في الصفوف التالية دشداشة مقلمة بالأبيض والأحمر، نسميها (خَلقة) وتُكلّف بقماشها وأجرة الخياط 10 قروش، والغريب أن بعض أبناء صفي الثالث كانوا في الخامسة عشرة من عمرهم."
مُربون وإضراب
واصل خضيري دراسته ببلدته طوباس حتى الصف الأول الثانوي، ولا يغفل عن مدير مدرسته موسى فضة من عصيرة الشمالية، وبعده حسن إسماعيل من القرية ذاتها، وتعيش معه  حكايات المربين: إسماعيل الخطيب، ومحمود الحافظ ( مدرس الإنجليزية)، ومصطفى دغلس، وأحمد عبد الرحيم، ويحيى توفيق، وبشير مقبول.
يتابع: انتقلت لدراسة الثانوية العامة بفرعها العلمي إلى نابلس عام 1962، والتحقت بالمدرسة الصلاحية، وكان مديرها المربي المقدسي أحمد عبد اللطيف، وسكرتيرها أحمد الحافظ من طوباس، وتناوب المربيان نوري وكردي على تدريس الإنجليزية، وأكرم فضة للأحياء، فيما حدثت قصة لمعلم الفيزياء برهان المصري، الذي كان شديد الذكاء، فدرّسنا عدة أيام ثم رقته الوزارة إلى مفتش، وأحضروا لنا معلمًا من عمان يحمل الماجستير، لكن لم يستطع تدريسنا، فقررنا الدخول في إضراب لحين تعيين أستاذ فيزياء بديل، وزارنا وزير التربية والتعليم بشير الصباغ، فقرر إعادة المصري لكنه رفض، وقدم استقالته وانتقل إلى كلية النجاح ( الجامعة اليوم)، ودرسنا السنة كلها دون معلم، وكنا نستعين بسلسلة (الواضح) و(الممتاز) المصرية، واستطعنا تدريس أنفسنا بأنفسنا.
لم تمر سنة امتحان "التوجيهي" للخضيري بهدوء، فقد حمل عام 1963 مظاهرات مؤيدة للاتفاقية الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق ( لم تدم غير ثلاثة أشهر، ثم تصدعت)، وشارك طلاب مدارس: الصلاحية، والعائشية، والجاحظ وسواها في المسيرات المساندة للوحدة.
مظاهرات ووحدة
يروي: "كنت في مقدمة الطابور الصباحي، وشاهدت طالباً بجانبي اسمه رأفت الغبيش يخرج علم فلسطين من ملابسه ويرفعه لتبدأ مسيرة حاشدة من المدرسة، ونردد هتافات تدعو الحكومة للانضمام إلى الوحدة. وسمعنا عن مظاهرات مماثلة قرب منزل عبد القادر صالح الحاج محمد (الذي تقلد منصب وزير الدفاع، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء في حكومة الشريف حسين بن ناصر المُشكَّلة عام 1963، ثم أصبح وزيرًا للأشغال العامة، وللإنشاء والتعمير في حكومة الرئيس وصفي التل عام 1966)، ووصل متصرف القدس عبد الرحيم الشريف إلى نابلس، وقرروا إدخالنا بالقوة إلى الصفوق، فدخلنا لوقت قصير، ثم خرجت مسيرات عارمة يقودها قدري طوقان تطالب بالوحدة أيضًا، ولم تقف الشرطة في وجهها.
ومما يلتصق بذاكرة خضيري، البذلة البيضاء التي كان يلبسها طوقان، فقد حمل على أكتاف العمال في صيانة السيارات، فتحول لون البذلة إلى الأسود، ثم صعد إلى تلة مقابل دائرة السير وراح يخطب تأييدًا للوحدة.
يوالي: خفت التظاهرات ثم اختفت بالتدريج، بعدما ما تلاشت الوحدة بين الدول المُوّقعة عليها، وتقدّمنا إلى الثانوية العامة، في حزيران، وبحكم صعوبة الوصول إلى طوباس أقمنا خلال الامتحانات في فندق بنابلس عشرة أيام، وشاركني في الغرفة سعيد وأحمد الحامد وفايز أحمد عبد، ودفعنا 3 دنانير بدل الإقامة الفندقية.
امتحانات ونتائج
كان خضيري واقرانه يتقدمون لامتحانين في اليوم نفسه، وكان عليهم الاختيار بين مبحثين من الفيزياء والكيماء والأحياء، شريطة أن لا تقل علامتهم عن 25 % في المبحث المنوي شطبه.
يزيد: كانت جلسة الامتحان الواحد تمتد لثلاث ساعات، ولا زلت أحتفظ برقم جلوسي 383، ولم تتقدم للتوجيهي فتيات من طوباس؛ لعدم توفر التعليم فيها وصعوبة التنقل اليومي أو الإقامة في نابلس.
وبحسب الخضيري، فإن نتائج الامتحان ظهرت بعد شهر من تقديمه، وسبق أن عرف  علاماته بيوم واحد؛ لوجود شقيقته في عمان، فيما سمع اسمه في الإذاعة الأردنية، وقرأ نتيجته في صحف الدفاع والجهاد في اليوم التالي. أما المعدلات فكانت مغايرة عن اليوم، فقبل عام، حصل ابن طوباس نادر يونس على العلامة الأولى بالضفتين (الشرقية والغربية)، بـ (90)% في الفرع الأدبي، وزاره وزير التربية بشير الصباغ في بيت عائلته مهنئًا، وحصل على منحة لدراسة الطب في جامعة بغداد، وهو اليوم من أشهر أطباء المسالك البولية في الأردن.
أفراح وحلوى
 
يكمل: في يوم النتائج كانت تطلق الأعيرة النارية في الهواء، ويقدم الأهالي حلوى الكلاج البيتيه، ويقيمون الأفراح عدة أيام، وأهداني والدي بذلة كلفه تفصيلها 20 دينارًا، عند أشهر فتحي الحمامي خياطي نابلس.
واستنادًا إلى الرواي، فقد كان عدد المتقدمين إلى الثانوية العامة  قليلاً، فلم يتعدوا الثلاثين، فيما كانت الأسئلة صعبة، وأما نسبة النجاح فمعقولة، إذ حالف الحظ 20 منهم، والأغرب أن من حصل على علامة 50,1  درس في ألمانيا ولا زال يعيش فيها إلى يومنا هذا.
يضيف: لم تكن هناك تكنولوجيا متطورة، واحتاج منا تصديق شهادات ميلادنا  كتابتها بخط اليد، وإلصاق طابع عليها والذهاب إلى وزارة الصحة، أما شهادة الثانوية العامة نفسها فكنا ننسخها بآلة التصوير الفوتغرافي، ثم نُصدّقها من الوزارة.
مما يعلق بذاكرة خضيري من منهاج "التوجيهي": نظرية ذات الحدين في الرياضيات، والجهاز الهضمي والأمراض والديدان في الأحياء، والمُعلقات في دروس اللغة العربية، وسد الوحدة بين سوريا والأردن على نهر اليرموك في مناهج اللغة الإنجليزية.
ينهي: بحكم عدم وجود جامعات، وللأحوال المادية الصعبة للدراسة في البلاد الغربية، ولعدم وجود جامعات علمية التخصص في الضفتين، حزمت أمتعتي وسافرت للعمل متنقلًا بين السعودية والكويت وليبيا والأردن طوال 21 عاماً.
صور حيّة
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن السلسلة التي تعنى برسم صورة حية لأحوال طوباس وأغوارها تنقلت خلال أربع سنوات بين المدينة ومخيمها وبلدات: عقابا وطمون وتياسير والأغوار، واستطاعت رسم عشرات المشاهد لحياة المواطنين ومعاناتهم ومهنهم وشؤونهم المجتمعية والتربوية والزراعية والصحية والرياضية والتراثية وعدوان الاحتلال المستمر في الأغوار، عبر فيلمين وثائقيين تحدثا عن الطفولة تحت نار التدريبات العسكرية المستمرة، والقرى المهجرة خلال النكسة.
وأضاف: وثقت السلسلة بالصور والمقاطع المتلفزة أيضًا تجارب مخيم صحفيات صغيرات الرابع، فيما تستعد لإطلاق النسخة الخامسة من المخيم الإعلامي والبيئي التفاعلي  بعد انقضاء شهر رمضان، بالشراكة مع جمعية طوباس الخيرية ومركز التعليم البيئي / الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة.
 
 
 
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017