الرئيسية / الأخبار / فلسطين
حكاية وداع ام لابنها نحو الشهادة
تاريخ النشر: الأثنين 20/02/2017 06:41
حكاية وداع ام لابنها نحو الشهادة
حكاية وداع ام لابنها نحو الشهادة

 كتبت غادة اشتيه

الشهادة كانت حلمه، وحب الوطن تهمته، والجلمة كانت ميدانه، ولثامه الكوفية، والشجاعة صفته التي يتسم بها، انه الشاب أحمد عوض أبو الرب، الذي حمل جرح شهادة أصدقائه في قلبه، فهو زف لوالدته شهيدا بعد احتضانه 16 ربيعا ونيف.

"أحمد"، ذاك الفتي اليافع الذي انتظرته أمه 14 عاما حتى أنجبته، كانت تدعو في كل سجده أن يرزقها الله الولد الصالح، لم يكن أحمد ابنها الوحيد، فكان له أخت وأخ صغير، فما لبث أحمد أن يصل عمر السادسة حتى كان يتيما بوفاة والده، وأضحى أحمد رجل العائلة، ولم يكن سوى ذلك الطفل الذي لا يعرف كثيرا معنى غياب والده,إلا أن حرص والدته بأن يكون أحمد بجانبها رجلا لا طفلا ليساندها، فكانت والدته هي الأم والأب لأولادها, في حين تربت معهم غصة فقدانهم وحاجتهم لوالدهم.

في عام 2015 كان أحمد طالب توجيهي, وقالت والدته "بدأ دراسته بانتظام, واجتهد, وكان يخرج يوم الجمعة لرؤية أصدقائه", تابع أحمد اجتهاده فكان ملتزما بدروسه الخصوصة, يخطط لمستقبل مشرق بعد نجاحه، يطمح للجامعة لدراسة الشريعة الأسلامية، فتابعت أمه والحسرة تظهر في عيونها "كان ابني ينتظر انتهاء السنة ليدرس مع أخته".

فحينها هبت الإنتفاضة كان أحمد يدرس امتحان نصف الفصل لمادة الرياضيات, جالس بزاوية الغرفة، حيث جاء الخبر الصادم له باستشهاد صديقه أحمد كميل، أول شهيد في قباطية, كأن رياح الحزن هبت على قلبه, فحزن كثيرا لاستشهاده وأصابته الصدمة, بعد أن دامت صحبتهم 12 عاما.

 في ذلك الوقت بدأ الحداد في المدرسة، فكان أحمد يذهب لمدرسته ويعود للبيت, فوصفت أمه وجه ولدها الحزين والحزن ظاهر في جفونه وتابعت "ابني كان يرجع كل يوم من دوامه لمدة أربع أيام, حتى استلمت قباطية جثمان الشهيد, ورفضوا تقديم الإمتحانات وجثمان صديقهم في الحجز لدى جيش الإحتلال", فصديقهم ورفيق دربهم اختار الشهادة تاركا وراءه صدمات كثيرة لأصدقائه, فلم يمضي الوقت حتى استشهد قبطاوي من عائلة سباعنة, فأصبحت مسيرتان لشهيدان معا, وبعد عودتهم من تلك المجزرة الحزينة, كان أحمد غارقا في بحر من الأحزان, ولم تعلم أمه مرساة النجاة، فواسته باستشهاد ابن صفه, وقالت له" شو يعني مهو أبوك مات" ,

 لكن الألم لم يتفسر في وجهه, فالحزن تجدد مرة أخرى باستشهاد صديقه محمود نزال, فرجع بعد هذا الخبر الى امه والالم يعتصر قلبه ، وقال لها "بكرة كمان في شهيد", ولكنها تداركت كلمات ابنها قائلة والقلق يظهر على ملامح وجهها "لا ماما أوعك هاد الحكي, يماما مش ناقصنا المخابرات".

لم يعلم ذلك البيت الصغير بحجمه, الدافئ بأحضان سكانه أن رياح الحزن سوف تخترق جدرانه وأبوابه, لتكتب قصة شهيد جديد ، كما كان يتوقع أحمد ، ولكن هذه المرة من هذا العريس الذي سيزف ؟ ....

مسكين قلب تلك الام ، يعتصر الآم واحزان ابنها التائه بسبب فراق اصدقائه الثلاث ، ولكن في تلك اللحظات دخل عليها والسرور في وجهه ، فاستبشرت الام خيرا لعله تدارك واقع الحياة المر الذي ألم به ، ولكنه بادرها سائلا " هل يحشر الشهيد مع الانبياء والمرسلين", فأجابته "إذا كانت النية صادقة لوجه الله تعالى فالحشر معهم, وإن كانت النية للقب بطل فلا به ولا بشهادته", ولم تدرك تلك الأم ماذا يصنع ابنها بسؤاله.

وربما اكتشفت صناعته بعد أيام, عندما وجدت ماذا كان يتصفح ابنها على هاتفه في ذاك اليوم.

وأردف على حديثه " يما, صحيح إم الأيتام بتفوت الجنة", كأنه أراد ايصال رسالتين لأمه, الأولى أن يطمئن عليها, والثانية أن يشعرها بخطته التي رسم لها وخطط لها من أجل النجاح فيها.

ولكن صبر الأم 14 عاما لإنجابه وتربيته 16 عاما يجعل قلبها يشعر بإبنها وخطته ولو بعد لحظات, فلحقت به وتركت عملها في المطبخ لتحاول أن تستدرك ابنها الذي ربما سيفارقها بعد ساعات وربما أقل.

اجواء البلدة تغمرها الاحزان ، ولكن  احمج ذهب ليستعد لحفلة الزفة فحلق شعره ، والتقى بأحبته ومازح صديقه بقوله " بكرة بدي استشهد " واختار ان تكون جنازته شعبية لا عسكرية .وزار بيت الله في بلدته فصلى لله وعاد الى احضان بيته الصغير ......

وفي تلك الليلة ربما الهام الله لقلوب افراد عائلته جعلهم ينامون في غرفة واحدة ، ويتسابقون من ينام الى جانبه ....

وفي فجر يوم العرس المنشود استفاقت الام والقلق يستوقد في صدرها ، وشعور باقتراب الحزن من بيتها المتواضع .

صنعت فطور ابنائها ، واثناء تناول تلك الوجبة قال لها احمد " شايفة يما ما اقوى ام مهند الحلبي لما أجت على الجامعة الامريكية " ، كأنه يريد من أمه أن تكون قوية وصابرة مثل أم مهند ......

ذلك اليوم عجيب ، فقد التقطت أم أحمد لابنها عدة صور ، كأن رسالة تحاول الوصول اليها ، بأن سيفارق اجواءها المعتادة عليها ، لم تدقق في عينيه اللتان تقولان : عذرا أمي ، الوداع الوداع ......

ذهب لمدرسته حاملا حقيبته المفعمة بعطر الحاضر وأمل المستقبل ، وفي تمام الساعة التاسعة انتشر خبر وجود شهيدين على التلفاز ، فسيطر الخوف على قلب الام شاعرة بأنها فقدت عزيزا عليها ....

حاولت تكذيب نفسها ، ولكن القلق كان العدو الاكبر ، فشغل بالها هذان الشهيدان .

استمرت في المشي ، تارة خارج البيت فترى الناس ترتجف ، وتارة داخل البيت وقلبها هنا يرتجف ، حاولت الاتصال على مدرسة ابنائها ، ولكنها لم تقدر لأن يديها يرتعدان قلقا ، وبعد فترة سيطرت على مخاوفها واتصلت .

اخبرها مدير المدرسة بتغيب ابنها ، فأغلقت الهاتف وخرجت مسرعة الى ساحة البيت آملة بتكذيب شعورها في الهوء الطلق ، ولكنها تفاجئت بتجمهر الناس امام بيتها ، فصدق شعورها وأدركت حينها فقدان أعز ما تملك وهو ابنها .....

فالحزن لم يقف عند هذا الحد, فباحتجاز جثمان ولدها 53 يوما اشعل نيران قلبها أضعاف لا تعد ولا تحصى, وأكاذيب الإحتلال الزائف المستمرة عليها, يوم ابنك مات, ويوم ابنك جريح, ويوم سنتاجر بأعضائه.

مضت الأيام مسرعة, فبعد عام من هذا الحدث ها هي الأم تقف إلى جوار قبر ابنها, مستذكرة بعض لحظاتها معه, ففي لحظة تذكرت حديثها مع زوجها أنها أرادت أخا لإبنها خوفا من الأحداث المتتابعة التي ربما ستفقد فيها احداهما، وفي لحظة كيف أنها أرادت لأحمد أن يكبر وتحتضن خمسة احفاد منه...

وختاما كانت الصورة ان مشيئة القدر تحققت فالام فقدت احد اولادها.. واحتضنت الجنة خمسة رفقاء ...

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017