الرئيسية / الأخبار / فلسطين
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
تاريخ النشر: الأربعاء 01/10/2014 20:31
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق

 تقرير: إيمان فقها

تصوير: لينه هشام

دارُ السعادة أشرقت أنوارُها            من أمَّها ينجو من الأكداري

بالله يحرس من قد شادها                بالعزّ والتأييد والأنواري

هو يوسف الجيّوسي حاتِمُ عصره      كم في الورى شاعت له أخباري

وعيناك عند أول إطلالةٍ لها تسطع نوراً على أبياتٍ من أبجديّة قصائد شعر نقشت بخطّ عربي، على مدخل قلعةٍ تابعة للشيخ علي، قِبابٌ تبهر ناظرك بطابعها الأثري والعسكري، مبانٍ قديمة بسموها الجماليّ، تتسلل منها بعضاً من ريق التراث، والفنون الأثرية، هي حضارة تشيّد بوجهك كلّ إرث موجودٍ بداخلها، وفي مكنون جوانبها صِبغةٌ رُسِمت من عيونِ الشّمس، وبين قلاعِها زِقاقٌ تُعيد بشواهدها قصصاً لزمن الأيوبيين والمماليك، وفي محطّة جلوسك هدوءُ ريحٍ يعصِف بناظرك فيوجهك قِبلةً إلى معالم قرى أخرى، ويرسم بين مُقلةِ عينيك جبهةُ صورٍ لحروب وأحداث صنعت مجداً عتيقاً.

هي قريةٌ مثلت نموذجاً للعمارة الإسلامية في تصميم بيوتها، وهندستها، ونقشت بكافة أنواع الزخارف الهندسية والنباتية، والنجمة الثمانية والوردية، ويحدّها من الشمال قريتي سفارين وشوفة، ويتكئ عليها من الجنوب قرية كفر زيباد، ويساندها من الغرب قرية كفر صور، ومن الشرق قرية كفر قدوم، منذ أيّام العصور الوسطى سكنتها قبيلة عربية من جرم طيء، فسميّت بكور.

 إنها قرية تقع جنوب شرق طولكرم، وتبعد مسافة 13 كيلومتراً عنها، تابعة في إدارتها لبلدية الكفريّات، عدد سكانها ما يقارب الأربعمئة نسمة، تضم مدرسةً ابتدائية مختلطة، ومسجداً قديماً، وقلاعاً يبلغ عددها حوالي الثلاثين قلعةً، إضافةً إلى القباب التي تكحِّل عينيك بتصميمها المعماريّ نصفِ الكرويّ، وبصبغةٍ شرقية مملوءة بالهيبة والوقار.

 

 

 

حمولة واحدة..وتاريخ عريق

يقول عزّام الجيّوسي (53)عاماً "شيّد شتّى مبانيها الظاهر بيبرس أثناء حملتِه لتحرير القدس من الصليبيّين، عائلةٌ واحدة تقطُن قرية كور ألا وهي عائلة الجيّوسي، والتي تعدّ إحدى الحمولات التي سيطرت على القرية منذ أواخر العهد العثمانيّ، وكانوا عبارة عن جماعة إقطاعية أي أصحاب أموال وأراضٍ".

ويضيف عزّام الجيوسي "حضارات عديدةٌ أقامت على أراضي قرية كور، كالرومانيّة، والبيزنطيّة، أبٌ واحد أنجبَ 13 ابناً، وبنوا قلاعاً وقصوراً سُمّيت بأسمائهم كعبد الله، وحسن، ومصطفى، والشيخ، وداوود، ويعقوب، وعسّاف".

قصةٌ مترددة على أفواه الكوريّين

إحدى القصص التي انتشرت حول كور، والتي أصل سكانها مصريين أنّ أحداً من عائلة الجيوسي، علّق قطعة لحمة على شجرة من كل قرية، وعاد بعد فترة، ليجد أن قطعه اللحمة التي تركها على شجرة كور قد تماسكت أكثر فقرر المكوث فيها، تبعاً لمناخها وموقعها.

دار الشيخ يوسف الواكد...قلعة ما زالت شمّاء

عند تسلّل خطواتك لمدخل القرية، تبهرك تلك القلعة التي يعود تصميمها لأكثر من 400 سنة، تصميم معماريّ يعود لزمنٍ لم يشهده كثيرنا، بقي صامداً ليتوج بآثاره التي هُدِم جزءٌ منها بعضاً من تاريخ عريق، وتصميم أثريّ محدق.

يقول محمد الجيوسي (64) عاماً "الشيخ يوسف الواكد بنى هذه القلاع، منذ العهد العثمانيّ، الحياة كانت بسيطة، أكثر تآلفاً ومودةً، لم نرَ ضوء الكهرباء، والمياه كنّا نجلِبها من الآبار الموجودة في القلعة".

يذكر محمد الجيوسي، المقيم في الأردن، والذي يقدم إلى قرية كور كزائرٍ لها في موسم قطف الزيتون "قلعة الشيخ يوسف الواكد، من أكبر القلاع الموجودة في كور، معظم أهلها هاجروا منها إلى حيت التمدنّ والتحضر، في صغري كانت تعجّ بالسكان بما يقارب الأكثر من 20 فرداً، بالإضافة إلى ذويهم وأقاربهم".

نابليون..والشيخ واكد

عندما حاصر نابليون مدينة عكّا، دعا الجزار المشايخ ليجلب كلّ منهم مقاتليه، كان لديه حنكة صغيرة حيث أدخلهم من باب صغير، وعند قدوم الشيخ يوسف واكد بفرسه، وعدم قدرته على الدخول عاد يخطّ أدراجه.

يعود محمد الجيّوسي بذاكرته لسرد تلك الحادثة حيث يقول "عندما علم الجزّار بعودة الشيخ يوسف الواكد، قاموا بمناداته وفتح الباب له ليدخل برفقة فرسه، وقام بتعيينه آمر وقائد الجيش، وعندما قدم نابليون بحملته قاوموهم بغابات عزّون".

يضيف محمد الجيوسي "جلبوا طُبباً، أي لفة من الخيطان الطويلة، وقاموا بتبليلها بالزيت، وربطها برجل القطط، وعند اقتراب الجيش تدحرجت، وتجمعت القطط كلها بالغابة، وأخرت مسيرهم".

القلعة المتروكة

سورٌ مهدوم طرفه، أعشابٌ وحشائش اختالت المكان، فأردت جماله كحوريّةِ بحرٍ أجبِرت على الخروج من وسط قاع البحر، هي قلعة بستّ "لواوين" أي غرفٍ كما كانت تُسمّى قديماً، لكلّ ابن ينحدر من العائلة ذاتها غرفة واحدة، وعند علوّ جبينك ناظراً لها يمتزج بين مقلة عينيك حاضرٌ قديم تُرِك هباءً فامتزجت النفايات بكل طرف به.

يقول باسل رشدي الجيّوسي (53)عاماً "هذه القلعة لأب جدّي، مكونة من غرفة مقوسة للملابس والفراش، وطاقية للأغراض الصغيرة، هي غرفةٌ مزخرفة كامِلُها بالنقوش الفنيّة، وأخرى صُمِّمت مطبخاً كنظامِ تدفئة، ويليها على الطرف المقابل غرفة خدم تحتوي على عدة طواقٍ تجلب الهواء، مفتوحة من أربع جهات، تستطيع  رؤية الكل ولا أحد يراك، وغرفة للنوم، وأخرى تصل بناظريك إلى كفر عبوش، وكفر صور، وكفر زيباد، حتى منطقة تل أبيب، ويليها غرفةٌ بدرج يصلك إلى سطح القلعة فيتخلل عينيك منظر السماء الصافية لكنها مغلقة".

يضيف باسل الجيّوسي "القلعة قيمة أثرية ضخمة، لو قام أحدهم بتنظيفها، وإزالة الحشائش منها، للمحافظة على هذه المكنونات الأثرية الحضاريّة المميزة، والفريدة من نوعها".

باب الحارة في كور

"ابن عمي، رضاك..بدي أطلع عند إمي بتسمحلي"، "الشور شوره، ما بحكي كلمة بحضور زوجي"، "بس يرجع باخد رأيه واذا وافق بحضر عرسها"، "هاي الأكلة ما بحبها أبو محمد، مش رح أطبخها..بس نفسي فيها"، عدّة جُملٍ تردّدت كثيراً في المسلسلات الشاميّة، وتعبّق أثرها واقعاً في عدّة قرى فلسطينيّة، ما زالت تطبقها، لو بآثار خفيّة، وفي كور لقطاتٌ من مسلسل باب الحارة الذي عشنا أجزاءه المختلفة.

تقول الحاجة أم ياسر الجيوسي "جدودنا وأهالينا سكنوا في كور، وضعنا سابقاً كان مريراً جداً، كنّا نرتدي "الملاية" العباءة كاملةً، ولا يُرى منّا شيئاً، حتى لو مرّ زوجي من أمامي لا يستطيع التعرّف عليّ".

وتضيف الحاجة أم ياسر الجيوسي "لم نكن نزوج بناتنا لأحد من خارج القرية، وعندما تُخطب الفتاة لابن عمها، أو ابن خالها، لا تستطيع الجلوس معه بمفرده، فالعائلة بكاملها يجب أن ترافقهم في تلك الجلسة".

أمّا الحاجة أم فريد الجيوسي (60)عاماً فتذكر "في زمننا كانوا متحفظين، ومتشدّدين على الفتاة بشكل مكثف، وإذا قررت مجموعة من النسوة الذهاب لزيارة، يقمن بأخذ طفل، وعند اقترابهنّ من مكان تجمع الرجال، يذهب هذا الطفل إليهم ليطلب منهم التنحي جانباً بقوله "دستور، دستور..يلا يلا"".

وتتابع أم فريد الجيوسي قائلةً "كانت هناك عادةٌ أيضاً بمنع الفتيات الصغار من مجالسَةِ النّساء الكبار حتى لا يتشبّعن من كلامهنّ، ويتأثرن به، وتتجه أفكارهن إلى منحى آخر".

 تذكر أم رشدي الجيوسي (44) عاماً "عند نيّة مجموعة من النسوة الذهاب لرحلة، يقوموا بالإعلان عن ذلك بالقرية، حتى يأخذنَ كامل راحتهنّ بالطبخ والجلوس، ويعدن بأدراجهن وقت المغرب، أي الظلام، حتى لا يستطيع أحد مشاهدتهن".

وتضيف أم رشدي الجيوسي "في وقتنا الحالي تطورت العقلية، ووضع المياه والكهرباء تحسن أكثر، واجهنا صعوباتٍ كثيرة في القدم".

التعليم..نورٌ يسطع على وجه الفتيات

يُذكر أن قرية كور تحتوي على مدرسة واحدة للذكور والإناث تسمّى "مدرسة كور المختلطة"، تُدرِّس حتى الصف السادس الابتدائي، ومن ثم ينتقل الطلاب إلى قرية كفر صور لإكمال مرحلة الثانوية العامة.

تقول الحاجة أم ياسر الجيوسي "التعليم سابقاً كان يقتصر على فئة الذكور، أما الإناث فالتعليم لم يرَ نوراً في حياتهنّ، لكن الآن تخرج الفتاة وتتعلم، وتكمل درجة الماستر والدكتوراة، التشدد ما زال موجوداً، لكن بدرجة أخف".

يقول الطفل عادل الجيوسي (12)عاماً "أحبّ كور، والسكن فيها، والذهاب للمدرسة، أيضاً التعليم جيدٌ هناك، وهي قريبة على بيتي".

 

حكايةٌ مجفلة..والإشاعات كثيرةٌ

إحدى الروايات التي ما زالت منتشرة في كور، أنّ أحد أفرادها تزوج فتاةً من خارج كور، وقدِم بها إلى القرية، ذات يوم جاء أخوها لزيارتها، فرفض زوجها قائلاً له "ممنوع"، فطلب من زوج أخته أن تطل عليه من الطاقة "شباك صغير" لرؤيتها فوافق، وعند مشاهدتها إياها، قال "ما دمت سأحرم من رؤية أختي طيلة العمر لا أريدها على قيد الحياة"، وقام بقتلها بمسدس كان بحوزته.

فنّ النحت.موهبة تشكلت من طابعِ كور

بتصميمها المعماريّ، وقبابها الهندسية شبه الكرويّة، وزخارفها الهندسية والنباتية الموجودة، عمقت من باسل الجيوسي حبّ النحت، لتتوج موهبة لديه، ويصنع منها أعمالاً تدر عليه بدخل جيّد.

يقول باسل الجيّوسي (53)عاماً  "تشكلت الموهبة عندي منذ زمن، وأنا الآن أنحت على الحجارة، وأصمم عدةّ أشكالٍ أجني منها مبلغاً جيّداً".

 المواصلات..صعوباتٌ لا تُذكر

وضع المواصلات في القرية جيدٌ، فهناك طريقُ سيرٍ من كور إلى طولكرم، لكن في بعض الأحيان يضطر الشخص إلى استقلال سيّارة من طولكرم والنزول إلى قرية كفر صور، ومن ثم استقلال سيّارة أخرى للذهاب إلى كور، ممّا يشكل عبئاً مادياً أكثر.

مناشدة بترميمها..ولا مجيب

يقول رشيد الجيوسي (21) عاماً "كور تاريخٌ يعبق بالحضارة، والآثار العريقة، يجب أن يُنظر إليها وبشدة، كي تُرمّم، ويتمّ المحافظة عليها من الاندثار، وتكون شاهداً حيّاً على عراقة العمران".

 

 

 

 

 

المزيد من الصور
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
الكوريّون الفلسطينيّون 600 عامٍ من التاريخ العريق
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017