تقرير: مرح مُنى
بجلسة شخص متمرس في عمله، يجلس وسط أربعة آلاف عشبة أنتجها بعرق جبينه مُتفاخراً بما صنعته يداه لعلاج جميع الأمراض، إبتداءً من أمراض الصدر، مروراًبالعقم، ووصولاً للسرطان، وتزدان الرفوف الخشبية من حوله بكل تلك الأعشاب.
رجل عصامي لا يعرف الكلل أوالملل، فمن تجاعيد طيّات وجهه الجدّية تندفع تعابير الفخر والثقة بالنفس لتروي قصته مع العطارة، تستمد القوة من حدة عينيه السوداوتين، وتتعلم الجِدْ والكفاح من العزيمة والإرادة التي يتمتع بهما، وتلمس الوقارعند رؤية شعره الأشيب.
هو بحرعميق في العطارة، لديه الخميرة العلمية البحتة في علم النباتات لكثرة الأبحاث والتجارب التي أجراها، وتمكن من بناء ذاته بنفسه، ففي الوقت الذي يجد فيه نباتات، يبحث عن أفراد ليعالجهم بها، وبذكائه يضرب عصفورين بحجر واحد يعالج المريض من جهة، ويكتسب خبرة من جهة أخرى.
العطّارصالح راجح أبو شهاب، المولود في قرية عقربا ( 67عام)، يقطن في مدينة نابلس وحاصل على الماجستير في الأعشاب الطبية، من جامعة بلغراد في يوغسلافيا، ويمتلك محل عطارة "شهاب" الذي يتوسط سوق البصل في البلدة القديمة بمدينة نابلس.
يقول أبو شهاب:"سافرتُ إلى يوغسلافيا لدراسةالطب؛ لأن الدراسة فيها غير مكلفة، وقدم لي والدي 100 دينار أردني فقط عند سفري، وبعد سنة من تعلم اللغة اليوغسلافية، اصطدمتُ بأسلاك القدر الشائكة لأن الجامعة أقرت قانوناً جديداً يمنع أي طالب لا يمتلك منحة يوغسلافية من الدراسة في كلية الطب".
ويوضح أبو شهاب، أنه جلس متكوماً على نفسه في زاوية مصعد البناية التي يقطن بها، والدموع تنساب على وجنتيه؛ لأن أحلامه تحطمت، ولايستطيع العودة بدون شهادة جامعية إلى والده الذي تميّز بالقوة والصرامة.
ويشيرأبوشهاب إلى لقائه برجلٍ عجوزعريض المنكبين، ضخم البنية الجسدية، ويرتدي نظارة مخملية، رفع قبعته لأبو شهاب وسأله عن سبب بكائه، فأجابه أبو شهاب بحدة : "هذا شيء لا يخصك، فرد العجوز: قل لي مابك لعلي أقدم لك يد العون، فقلت له : قصتي المخيبة للآمال".
ويكمل أبوشهاب، متأثراً بقول الرجل الذي ظلت كلماته تتألق في قلبه كنجوم الليل: "سأدلك على كلية الزراعة التي تجعلك تقرأعلى روحي سورة الفاتحة في كل نجاح تحققه، لأنها ستجعلك معلماً في قطاع الدواجن والنباتات" .
ويوضح العطّار أبو شهاب، أن العجوز بروفيسورٌ يوغسلافي، يمتلك 5 أطروحات، ولديه نشاطات كثيرة في الدول الإشتراكية ويجيد 10 لغات غير اللغة الأم.
ويشير أبوشهاب إلى مرحلة ما بعد حصوله على الماجستير في علم النباتات، حيث اتجه إلى دول الخليج العربي للعمل أملاً في جني النقود لكنها رفضته، ويعزوسبب الرفض كون شهادته الجامعية من دولة اشتراكية، وأُغلقت الآفاق أمامه وعادإلى بلاده حاملاً معه خيبة أمل جديدة.
ويتابع حديثه: "عملتُ في البداية موّظفاً صغيراً في الشركة المتحدة للأعلاف، على طريق قرية حوارة براتب 40دينار؛ لأتعلم ماهية العمل في الدواجن، وأكتسب خبرة تؤهلني للإنخراط في الحياة العملية، وبعد سنة من العمل في الأعلاف قدمتُ استقالتي".
بدت بوادرالنجاح من جديد لأبو شهاب عندما امتلك عمله الخاص في قطاع الدواجن، لكن أمواج البحرالهائجة تغدر الإنسان أحياناً، لأن صفوَ نجاح ابو شهاب تعكرعندما خسر 50 الف ديناراً، لكنه لم يقف مكتوف الأيدي فاستجمع قواه واستبدل محل الدواجن بعطارة الأعشاب في عام 1994.
ويذكرأبو شهاب أنه يمتلك مستودعاً في بيت فوريك يصنع فيه الخلطات برفقة إبنه رامي ليعلّمه سر المهنة، وكل خلطة يدوّنها له حفاظاً على مهنته من الضياع.
أما حول أبرزالعقبات التي إعترضت عمل أبو رامي في العطارة فكان الترخيص، فيقول أن وزيرالصحة السابق الدكتور فتحي أبومغلي أكد عدم وجود أي بند يتعلق بالنباتات في الدستورالفلسطيني ويضيف أبوشهاب: "هذا الأمر معناه عدم حصولي على ترخيص لمهنتي، لكنني واجهته بقوة ولم ينتهي بي المطاف هنا وحصلت على ترخيص شرعي من بلدية نابلس مطابق لقانون الحرف والصناعات رقم (16)".
ويقول أبو شهاب وعلامات الفخر باديةٌ عليه: ان صحيفة لوموند الفرنسية وغيرها من الوكالات الألمانية والبريطانية تحدثت عنه في 2004، عندماعالج فتاة فرنسية من جمعية السلام الآن أصيبت بسرطان الدماغ من الدرجة الثالثة.
ويوضح أبو شهاب أن تقرير مستشفى هداساعين كارم أشار إلى أن الفتاة ستفارق الحياة بعد ثلاثة أشهر، إلا أن الفتاة تتمتع بإرادة قوية، وتغلبت على مرضها عندما جاءت إليه، بعدما نصحتها به احدى صديقاتها في الجمعية.
ويكمل حكايته مع رحلة علاج الفتاة قائلاً: جلستْ بجانبه وهي تحتضن رأسها بين يديها وتجهش بالبكاء، فوعدها بأن تتغلب على سرطانها، رغم أنه خائفاً من الإخفاق في إنقاذها لأن حالة الفتاة مستعصية وقريبة جداً من الموت، والسرطان من الدرجة الثالثة يكاد من المستحيل علاجه، أما نظيره من الدرجة الأولى فيمكنه القضاءعليه في 50 يوماً فقط.
ويتابع تفاصيل حكايته مع الفتاة، فيقول: الغريق يتعلق بقشة، والفتاة إعتبرته أملها الأخير، وشرع بعلاجها عبر تقديم خلطتين يومياً، الأولى صباحية تسمى "الدافعة " تبحث عن الخلايا المصابة، والثانية مسائية تضرب الخلايا التالفة كالشاكوش، والخلطتين مكونتين من 56 نبتة.
ترتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة أثناء حديثه ويُكمل: "أنتجتُ لها خلطة لمدة 40 يوم وقلتُ لها اذهبي للمركزالذي شخّص حالتكِ، إذا شفيتِ من المرض، فأنا مستعد لعلاجكِ حتى أقضي على الورم بشكل نهائي، وإذا لم تستفيدي لن استطيع متابعة علاجكِ".
ويضيف أبوشهاب: ذهبتْ الفتاة بعد 40 يوم إلى مستشفى هداسا وأفاد التقريربإنخفاض الورم من 74% الى 42% ثم صنع لها خلطة أخرى لمدة 40 يوم أيضاً، لكن بإضافة بعض النباتات الجديدة وإلغاء بعضها، إي استخدم 26 نبتة في المرةالثانية، وفي هذه المرة انخفض الورم إلى 25%، وبذلك تضاعفت مسؤولية ابو رامي في العلاج، لأنه وصل للمرحلة الأخيرة.
تلمع عيناه الداكنتان ببريق يضفي على نظراته ثقة عميقة وهو يقول انه قدّم للفتاة خلطة أخيرة لمدة شهر، وبعدها عادت له وهي سليمة وتمكن العطّار أبو شهاب من القضاءعلى المرض باجتهاده الشخصي دون مساعدة أحد، ودون أن يأخد قرشاً واحداً، واكتسب خبرة جديدة في علاج الأورام وليجني ثمرة جهده في ال 15 عام التي بحث فيها عن خلطات للقضاء على السرطان.
ويُشيرإلى أن الفرنسية ليست الحالة الوحيدة التي نجح في القضاء على مرض السرطان المُصابَة به، فهناك عدداً من الحالات داخل الوطن وخارجه.
ويقول ان في 2011 جاءته حالة فتاة اماراتية مصابة بسرطان دماغ لكن الورم يتربع في المنطقتين الأمامية والخلفية وبالتالي حالتها صعبة جداً.
ويتابع حديثه "أحضرتُ حلاق ليقص شعرالفتاة على الصفر واجتهدتُ بأن اعالجها بخلطة القبعة، أطلي رأسها كل ليلة بالخلطة وأغلفه وأضغطه بقطعة قماش وأغسله بنفسي كل صباح اضافة الى خلطات للشرب".
ويكمل أول تباشير نجاح الخلطة ان الفتاة تخلصت من فقدان الوعي، وبعد ثلاتة اشهر شفيت تماماً من المرض ويضيف بتعجب " لا أعلم كيف اهتديت بأن اقص شعرالفتاة وأعالجها علاج خارجي رغم تعسرحالتها".
وبعد أن لمع صيت أبوشهاب كمعالج للسرطان، كان للعدو الإسرائيلي نصيب في حياته، فيشير أبوشهاب إلى زيارة برفيسور يهودي له يبدوعلى هيئة ثعلبٍ في ثوب رجل كما وصفه أبوشهاب، ليساومه على احتكار سرالخلطة مقابل ربع مليون دولار بشرط عدم استخدام أبوشهاب للخلطة مطلقاً، حتى لوكانت لوالدته، لكن حيل العدو المحبوكة بخيوط سوداء محكمة لم تنطلِ عليه.
ويكمل العطار أبو شهاب: "ضحكتُ عليه بسخرية وقلت له، تريد أخذ خلطتي للحصول على ملايين كثيرة لتقتلوا أبناءشعبي، أنا لست بحاجة نقودكم ولدي أموال تكفيني مدى الحياة ".
ويوضح أبو شهاب أنه يحدد سعرالخلطات التي تتراوح من 10 شيقل إلى 5000 شيقل حسب نوع المرض وتركيبة النباتات، مشيراً إلى إمتلاكه 20% من النباتات محلية و80% من كل دول العالم العربية والأجنبية، ويجري التجارب على كل خلطة مدة تتراوح ما بين أسبوع إلى شهر للتأكد من فاعليتها.
وتقول المواطنة ام امجد (34 عام) من مدينة نابلس انها لا تؤمن مطلقاً بالعلاج عن طريق النباتات؛ لأنها طريقة تقليدية اكل عليها الدهر وشرب ومهما بلغت درجة الشفاء في العطارة فإنها لن تنافس الطب الحديث ولن تصل لدقته.
اما المواطن احمد شقو(48عام) فيشير الى ان عطارة الأعشاب تبقى افضل بكثير من الطب المعاصر؛ بسبب الخطأ الطبي الفادح الناتج من بعض الأطباء وتزايد حالات الوفيات، وبالتالي النباتات اذا لم تنفع لن تضرالمريض عندما يخطأ العطّار في الوصفة.
ويؤكد الدكتور ابوشهاب، أن العطارة مهنة ممتعة تحتاج لدقة وهدوء، وعقل ذكي، ولا يرى أن الطب الحديث يؤثرعلى مهنته لأن عندما يعجزالطب من علاج مرض فإن النباتات هي العلاج الشافي لكل الأمراض، وأيضاً تحتوي على مواد تمنع التأثيرات الجانبية على الجسم فالعطارة حضارة الماضي وعراقة الحاضر.
