الرئيسية / الأخبار / فلسطين
رجلان من ذلك الزمان بقلم سميح محسن
تاريخ النشر: الخميس 26/02/2015 11:41
رجلان من ذلك الزمان بقلم سميح محسن
رجلان من ذلك الزمان بقلم سميح محسن

 بفارق أيام قليلة، ودّعنا اثنين من أشهر باعة الصحف في فلسطين، ولكل واحد منهما أسطورته الخاصّة. ففي يوم السبت، ودّعت مدينة نابلس الحاج عبد الفتاح محمد خليل عيشه، الشهير بـ (السنونو) الذي وصفه الصديق العزيز عاطف سعد بأنّه كان، وهو (الكفيف)، ذا بصيرة ثاقبة. وقال عنه أيضاً: (كم نحن بحاجة لنتعلم من سيرة هذا "السنونو" وطنيته الصامتة، وإلهامه المتواضع للكدح النظيف وهو اللاجئ، الفقير، والمسَدِد لضريبة الصمود حيث استشهد نجله حكم، واعتقل عدد من أنجاله وأحفاده، في سجون الاحتلال). وفي يوم الأربعاء الماضي ودّعت مدينة القدس أشهر بائع صحف فيها، وهو عمير دعنا (أبو سلام).

وإن كنت أشاهد (السنونو) منذ أيام الصبا وهو يشّق طريقه على أرصفة شوارع نابلس، وينادي بصوته المميّز على صحيفة (القدس)، إلا أنّ معرفتي بالمرحوم دعنا تعود للعام 1991، عندما عدت إلى البلاد، وعملت في أسبوعية (الطليعة) المقدسية، وكان مقرها مقابل مدرسة خليل السكاكيني، في حي الشيخ جراح، حيث كنا نذهب لشراء جريدة (الإتحاد) الحيفاوية التي كان توزيعها ممنوعاً في الضفة الغربية وقطاع غزّة، ومسموحاً في مدينة القدس فقط. وقبل ذلك العام، كنت قد تعرفت على (كشك) الصحف الذي أقامه دعنا منذ بداية خمسينيات القرن الماضي مقابل باب العمود، وذلك أثناء زياراتي القليلة لمدينة القدس، سواء قبل مغادرتي البلاد عام 1976 للعمل في الخارج، أو أثناء زياراتي الصيفية إليها لشراء صحيفة (الإتحاد) الممنوعة التوزيع في الضفة، وصحيفة (الطليعة) في وقت لاحق، والتي كانت ممنوعة أيضاً من التوزيع. وبعد العام 1991 أصبحت أتردد أسبوعيا على ذلك الكشك، والذي أصبح وصاحبه علامة منيرة من علامات المدينة، لشراء صحيفة (الأهالي) ومجلة (أدب ونقد) اللتين كانت تصدران عن حزب التجمع المصري.
في السيرة الذاتية لأبي سلام نقرأ: (كان الحاج دعنا بدأ عمله "كبائع للصحف" عندما كان يبلغ من العمر 6 سنوات، عقب اعتقال والده وأشقائه الثلاثة في ثورة العام 1936 ضد الإنجليز، ولعدم وجود معيل للأسرة أضطر المرحوم وأحد أشقائه البحث عن عمل، وفي شارع " مأمن الله " غربي القدس فالتقى صدفة بصديق والده موزع صحف، وبعد معرفتهما أعطاه بعض النسخة لبيعها. ولم يتمكن الحاج دعنا بسبب أوضاع المعيشة واعتقال والده أشقائه دخول المدارس، لكنه تعلم اللغات وثقافات الشعوب من خلال المطالعة الدائمة والتعرف على المثقفين من خلال عمله، وتعلم دعنا القراءة والكتابة في المقاهي، حيث كان يستفسر عن الحروف والكلمات حتى أصبح قادرا على قراءة الصحف التي يبيعها، وأتقن كتابة وقراءة اللغة العربية وهو في سن 14 عاما، ثم تعلم اللغة الانجليزية فالعبرية والفرنسية، حيث كان يعد تقارير مختلفة عن الحركة الفنية في فلسطين .وعمل بائعا للصحف والمجلات والكتب في كشك باب العمود بالقدس منذ عام 1950 حتى يومنا هذا) .
رجلان من ذلك الزمان رحلا عن عالمنا، وهما علامتان بارزتان في تاريخ توزيع الصحف، ولكل منهما سيرته الكفاحية في الحياة والعمل. وكما لاحظنا من السيرة الذاتية للمرحوم دعنا، فإنّ هذه السيرة تستحق أن تُسرَدَ علّ جيل الأبناء يتعلم من كفاح ذلك الجيل...
 
المزيد من الصور
رجلان من ذلك الزمان بقلم سميح محسن
رجلان من ذلك الزمان بقلم سميح محسن
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017