الرئيسية / الأخبار / عناوين محلية
بحث حول المجندون من عرب فلسطين في نواحي قضاء نابلس في الجيش العثماني
تاريخ النشر: الأحد 06/11/2016 14:15
بحث حول المجندون من عرب فلسطين في نواحي قضاء نابلس في الجيش العثماني
بحث حول المجندون من عرب فلسطين في نواحي قضاء نابلس في الجيش العثماني

 

أجراه الباحث غسان دويكات

 

نابلس:

 

أنهى الباحث والمؤرخ الفلسطيني غسان محمد عبد الحليم دويكات، بحثا حول المجندون من عرب فلسطين في نواحي قضاء نابلس في الجيش العثماني بين أعوام 1842 و 1916 .

وأشار الباحث وهو حاصل على الماجستير في التاريخ من جامعة النجاح، ويعمل في سلك التدريس في التربية والتعليم منذ 9 سنوات،  أن التجنيد العسكري في الدولة العثمانية كان مرتبطاً بقيام الدولة بتحديث الجيش على النمط الأوروبي، ولأنه نظام جديد لم يحظَ بإقبال طوعي على التجنيد بما يكفي لسد حاجة الدولة، الأمر الذي دفعها لسياسة التجنيد الإجباري بأنحاء الإمبراطورية، ومن ضمنها البلاد العربية والتي كان قضاء نابلس بنواحيه أحد أجزاءها.

وأوضح انه وبالرغم مما يحمله التجنيد بالنسبة للسكان وأبنائهم المجندين من ألم الفراق والغيبة الطويلة، والانقطاع بلا أخبار، والموت في بلاد بعيدة، فإن الكثيرين تقدموا للخدمة طوعا دون عناد ودون أن يظهر منهم – كما تسجل ذلك سجلات المحكمة – أي ضغينة أو شعور بالغربة تجاه الدولة العثمانية، وإنما بصفتهم مواطنين عثمانيين يؤدون واجبهم تجاه دولتهم، ولم يمنع ذلك طبعا البعض من التمرد ومحاولة الامتناع عن أداء الخدمة وهو أمر دفع الدولة لسوقهم زجرا للخدمة رغما عنهم.

       كما خَلُص البحث بأن مدة الخدمة العسكرية لم تكن ثابتة طوال عهد الإمبراطورية بل كانت تخضع للتغيرات تبعا لتطورات الدولة، فنجدها في بداية القرن التاسع عشر ما بين (4-5) سنوات، ومع نهايته كانت سنوات الخدمة عشرين سنة، ثم ارتفعت إلى خمسة وعشرين سنة مع نهاية الدولة العثمانية، وبكل الأحوال كان المسلمين هم وحدهم المكلفون بالخدمة يبدأها الشاب عند بلوغه سن العشرين سنة.

      كما بين البحث أن تشكيلات الجيش العثماني لم تكن هي أيضاً ثابتة، فقد تغيرت لدواعي كثيرة، وعموماً قُسمت الدولة العثمانية إلى سبعة مناطق جُعل لكل منطقة جيش خاص بها، يكون كل جيش وحدة واحدة من مشاة وخيالة ومدفعية وهندسة وقناصة وموسيقى.

       سجل البحث أسماء أكثر من مائتين وثلاثين مجند بالجيش العثماني من عرب فلسطين في نواحي قضاء نابلس، من حيث أسماءهم وتاريخ الخدمة والوفاة والمناطق التي خدموا فيها، كما كشف أسماء الآباء والأمهات والزوجات والأولاد والأخوة وبعض الأقارب للكثيرين منهم، ولربما لاحظ القارئ عدم تناسق المعلومات بين الكثيرين منهم حجماً ونوعاً، ويعود ذلك لاختلاف ما تفصح به سجلات المحكمة من معلومات تختلف من شخص لأخر، فالبعض تسهب في بياناته والبعض الأخر لا تمدنا إلا بالقليل، وبكل الأحوال ما سُجل هنا من أسماء المجندين هو فقط ما وصل للمحكمة بسياق دعاوى رفعها ذوي العلاقة وليس حصرا لكل المجندين في قضاء نابلس بتلك الفترة.

 

.

       يدور موضوع البحث عن مجندي الخدمة العسكرية الذين خدموا في الجيش العثماني، في عدد من قرى نواحي قضاء نابلس بين الأعوام (1258هـ/1842م – 1335هـ/1916م)، وهو دراسة مستمدة بشكل أساسي من سجلات محكمة نابلس الشرعية النسخة الالكترونية، المودعة في أرشيف جامعة النجاح الوطنية، بالإضافة لعدد من المصادر والمراجع التي أدت دور تكميلي وتوضيحي من أجل؛ تعريف الرتب العسكرية للكثيرين منهم والتي وردت باللغة التركية، وتعريف المدن والمواقع التي كانت آنذاك ضمن أراضي الدولة العثمانية وتعريفها حسبما تُعرف به اليوم، وبعضها أصبح خارج أراضي الدولة التركية.

      ونوه الباحث دويكات الذي سبق وأن أجرى بحثا سابقا حول شخصية أحمد جبر(آخر ملتزم للضرائب في العهد العثماني في ناحية مشاريق نابلس) أن أسماء المجندين هنا هي فقط تلك التي وصلت وسُجلت في المحكمة في سياق الدعاوى التي تقدم بها ذوي العلاقة، وبالتالي ليس البحث حصرا لكل الذين خدموا في تلك الفترة، كما أن المعلومات الخاصة بكل واحد من المجندين تختلف حجماً ونوعاً عن الآخرين، ويعود ذلك لتفاوت حجم معلومات الدعاوى عن الشخص نفسه، إذ أنها ليست بذات التفصيل والتوضيح في كل الدعاوى.

     وأشار إلى أنه من خلال استعراض بسيط لكثير من الأسماء التي وردت فيها معلومات عن وضعهم العسكري يُظهر لنا أن مجندي الخدمة العسكرية في نواحي قضاء نابلس خدموا في الجيوش العثمانية؛ الأول والثاني والثالث والخامس والسابع، وقد خدموا في الفِرَق رقم (1، 2، 3، 4، 6، 24، 25، 27، 33، 37، 38، 39، 65، 118، 129)، ووصل بعضهم لرتبة يوزباشي: رئيس بلوك (مائة نفر)، وأُنباشي: عشرة أنفار، وقد شملت الخدمة أصناف "النظامية" وهي فترة الخدمة الفعلية، والاحتياط، والمشاة، والمتنقلة، والخيالة، والمدفعية، والموسيقى، و"الشرطة" داخل المدن، و"الجندرمة" خارج المدن بالأرياف

.ونوه إلى إن الحديث هنا عن المجندين من عرب فلسطين في الجيش العثماني هو كتابة لتاريخ الناس العاديين أولاً، و"نبش للتاريخ" المحلي بالمعنى الحرفي للكلمة، واستحضاراً للماضي في أذهاننا ثانياً، يستحضر بالضرورة لمخيلتنا صور الأرامل واليتامى والآباء والأمهات التي بقيت بلا معيل أو سند، ومعاناتهم جراء فقدانهم لعزيزهم وولدهم في ظروف اجتماعية قاسية تظهرها مضامين الدعاوى بوضوح.

وقال أن تعدد وتوزيع مكان الخدمة العسكرية للكثيرين منهم في أنحاء الإمبراطورية العثمانية، يستدعي - نظرياً وفي مخيلتنا - الوحدة الجغرافية والعضوية لبلد الخلافة الإسلامية آنذاك، فهناك مثلاً من خدموا في اليمن ودمشق واستانبول وجبل لبنان وسالونيك وبيروت ونابلس والحجاز، وبالتالي تطفو على السطح فكرة الوحدة الإسلامية، وتطرح تساؤلات عن فكرة توحيد العالم الإسلامي بكل أنساقه المختلفة في لوحة فسيفسائية فريدة مرنة تقبل وتحترم الكل كما هو

وتبين وفقا للبحث أن الدولة العثمانية لجئت الى سياسة التجنيد العسكري في بلاد الشام عموما وبداية منذ عهد السلطان محمود الثاني سنة (1242هـ/1826م) بعد قضاءه على جيش الانكشارية (وتعني الجيش الجديد) وتأسيسه للنظام العسكري الجديد وفقاً للنظام الأوروبي آنذاك ، وبعد مجيء الحكم المصري طبق إبراهيم باشا سياسة التجنيد الإجباري تنفيذا لأوامر والده في نيسان (1250هـ/1834م)، بالرغم من تحذيراته لنتائج هذه السياسة قبل نزع سلاح السكان .

     وفرضت الدولة العثمانية التجنيد الإجباري منذ سنة (1256هـ/1840م) بعد خروج المصريين، وقد اتبعت الدولة سياسة التجنيد بطريقة "القرعة الشرعية" ، وكانت تتم في الأقضية من خلال اجتماع رجال الحكومة في دار الحكومة وبحضور جميع مشايخ ومخاتير القرى التابعة للقضاء، وبحضور المكلفين بالخدمة أو من ينوب عنهم إذا كانوا من مناطق بعيدة وتعذر حضورهم، وكان مفتي القضاء يتلو المرسوم السلطاني ويتلو دعاء بالمناسبة، ويأتي الشاب المرشح للخدمة ويتناول بطاقة ملفوفة من كيس ويسلمها لضابط يعلن إذا كانت خالية أو عسكرية، ويردد الحاجب ذلك مرة أخرى وبصوت مرتفع أمام الحضور، وهنا كانت والدة الشاب تصرخ مزغردة إذا نجا ابنها من القرعة أو مولولة إذا أصابته، وذلك مؤشر واضح على ما يمثله التجنيد في أذهان الكثيرين من تغريب وفقدان للولد والمعيل، ومهما يكن فقد كان يُوزع الأفراد الذين أصابتهم القرعة على الألوية التي عُينوا فيها ويتم تدريبهم في معسكرات الجيش .

     وبالرغم كما يظهر البحث أن هناك من أُرغموا على الخدمة العسكرية قسراً وزجراً، فقد تقدم الكثيرون للخدمة طوعاً، وهناك من لجأوا لها حلاً لمشاكلهم المادية وللتخلص من فقرهم، وهناك من لجأ للخدمة بدلاً عمن أصابتهم القرعة واستعدوا لدفع "بدل نقدي" عن الخدمة العسكرية بموجب القانون، وقد وصل مقدار البدل في نهايات الدولة العثمانية إلى (50) ليرة عثمانية، على أن يتدرب الراغب بدفع البدل لمدة خمسة شهور في أحد المعسكرات يُعطى بعدها شهادة إنهاء الخدمة ويُنقل للرديف الاحتياطي .

     ومهما يكن فقد تعرض البعض للخداع من خلال دفع بدل الخدمة في حين لم تصبه القرعة أصلاً، أو من خلال دفع مبلغ أقل مما يذكره القانون. واجتماعيا عمد البعض لفسخ خطوبة ابنتهم من الشاب الذي تقع عليه القرعة العسكرية، في حين أن هناك حالات قليلة أدعى بعضهم موت عساكر ودون تأكيد موتهم رسمياً من اجل التزوج بنسائهم، وهو أمر استدعى من قائد الجيش الخامس لإصدار مرسوم للتحذير من ذلك وضرورة التأكد من موت العسكري، من خلال مراجعة قيادة الجيش وتسجيل الوفاة بالمحكمة لتتمكن أرملته من الزواج .

 

 

 

من ناحية الخدمة العسكرية أشار الى أنها اختلفت طوال عهد الدولة العثمانية ولم تكن ثابتة، ففي خط شريف كلخانة – نسبة لقصر الزهور حيث تُلي مرسوم السلطان للإصلاحات - (1255هـ/1839م) كانت مدة الخدمة من (4 – 5) سنوات ، ثم ارتفعت بموجب قانون "أخذ العسكر" الصادر سنة (1304هـ/1886م) لتصبح عشرين سنة موزعة على النحو التالي؛ السنوات الست الأولى في الخدمة النظامية الفعلية، فيما تكون السنوات الثمانِ التالية خدمة في سلك الاحتياط حيث يتم استدعاءهم عند الحاجة، والسنوات الست الباقية خدمة في سلك المستحفظة حيث يدعون للخدمة عند الحاجة القصوى، ثم أصبحت الخدمة العسكرية خمسة وعشرين سنة أواخر الدولة العثمانية، وقد تكلف المسلمين بأداء الخدمة العسكرية شخصياً تبدأ عند بلوغ الشاب سن العشرين سنة ، وكان قد تقرر مشاركة غير المسلمين بدء من سنة (1847م) وهو قرار لم يدخل حيز التنفيذ لصعوبات كثيرة وأُستعيض عنه بقانون "البدل العسكري" .

وأورد الباحث دويكات أن تشكيلات الجيش العثماني لم تكن ثابته طوال عهد الإمبراطورية العثمانية، فقد تغيرت تشكيلاته عدة مرات لدواعي كثيرة، وقد قُسمت الإمبراطورية العثمانية إلى ستة دوائر "معسكرات" عسكرية باستثناء اليمن جُعل لها دائرة خاصة، كل دائرة قُسمت الى أربعة فرق، وكل فرقة الى لواءين، وكل لواء إلى آلايين أثنين، وكل آلاي الى أربعة طوابير، وكل طابور إلى أربعة بلوكات، وكل بلوك إلى ما بين (5-10) طواقم، طقم الخيالة أربعة أنفار، وطقم المشاة ثمانية أنفار .

     ومهما يكن فقد كانت القوات العثمانية البرية عموما تتكون من سبعة جيوش كل واحد منها يتكون من المشاة والخيالة والمدفعية ومدفعية الاستحكام والهندسة والقناصة، الاول جيش الخاصة ومقرة استانبول، الثاني جيش الطونة وهي بلغاريا حاليا ومقرة أدنه، الثالث جيش الروملي وهي الجزء الأوروبي من الدولة العثمانية ومقره مناستر وهي بلدة يوغسلافية تُسمى بيتولا "Bitola" تقع بالقرب من الحدود الألبانية اليونانية، الرابع جيش الأناضول وهي الأراضي التركية الواقعة في آسيا اليوم وتشكل حوالي (97%) من أراضي تركيا ومقره أرضروم أذربيجان، الخامس جيش سوريا ومقره دمشق، السادس جيش عربستان ومقره بغداد، السابع جيش اليمن ومقره في اليمن

المجندين

 

     وأورد أنه تم تقسيم أسماء المجندين وتوزيعهم وفقاً للنواحي التي تبعت لها مدنهم وقراهم خلال الفترة الزمنية المقصودة وهي؛ مشاريق نابلس أو البيتاوي، مشاريق الجرار، بلاد حارثة، الشعراوية الشرقية، الشعراوية الغربية، واد الشعير الشرقي، واد الشعير الغربي، بني صعب، جماعين، وشكل مجموعها قضاء نابلس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشكل الإداري لقضاء نابلس لم يكن ثابتاً طوال العهد العثماني على النحو المذكور.

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017