بسام الكعبي

إرتقتْ الشهيدة سهيلة صالح الكعبي (أم أسعد) إلى السماء قبل تسعة وعشرين عاماً، دون علمأن إسمها لَمَعَ بأحرف من نور كأول شهيدة للإنتفاضة الأولى، وغابتْ دون معرفة بحجم القتل الذي نال من أبناء شعبها قبل أن يخطف فلذة كبدها.

ظهر الأربعاء في التاسع من كانون أول، شيّع مخيم جباليا أربعة شهداء سقطوا بحادث سيّر إستهدف حافلة عمال. أطلق جيش الاحتلال النار على المشيعين فأستشهد الشاب حاتم السيسي على مدخل مقبرة جباليا، ثم إلتحق به ليلة الجمعة الشاب إبراهيم محمد العكليك أثناء مواجهاتشهدتها البلدة القديمةفي نابلس.

ظهيرة الجمعةفي الحادي عشر من كانون أول 1987 كانت الضفة تقدح ناراً: تجمع شبان مخيم بلاطة وقرروا الاحتجاج على القتل الأعمى في غزة ونابلس،والاحتفال بالسنوية العشرين على إنطلاق فصيلهم اليساري، حملوا الرايات الكفاحية والأعلام الوطنية،وإنطلقوا في مواجهة الرصاص الكثيف.جمعالشاب اليافع حاتم، نجل الشهيدة، رفاقه.إنطلق المتظاهرون عقب صلاة الجمعة في مسيرة احتجاجية طافت شوارع المخيم.

خرجتْ(أم أسعد) تدافع عن صغارها في مواجهة جنود الاحتلال، فأخذت حصتها من رصاص قاتل مزق قلبها، وحصد فوراً قريبها وجارها الفتى الصغير عليإسماعيل مساعد، ثم أجهز على الشابة سحر أحمد الجرمي!.

غيّب الرصاص (أم أسعد) قسراً وأطلق روحها للسماء، وترك أسرتها على الأرض في مهب الريح: شب نجلها حاتم سريعاً واشتبك مع قوات الاحتلال بمدخل مخيم بلاطة في ربيع 1993، وعاد يستلقي شهيداً بجوار والدته.رحل زوجها بعد أن قطع سرطان لا يرحم طريق تسلل الاوكسجين إلى رئتيه، وقد قطعَ جنود الاحتلال طريقه الزراعي في الأغوار سنة 1967 وأجبروه على المرور قسراً عبر حقل ألغام! فطارت ساقه اليمنى.

رحلتْ (أم أسعد) بصمتْ دون توثيق يُسجل لها شرف إرتفاعها أول نجمة في سماء الإنتفاضة الأولى؛ لأن الفقراء "يسقطون" من كتب تحترف تزوير التاريخ!على قبرك الفقير المتواضع؛ ينثر أحباؤك باقة زهر بسنوية رحيلك التاسعة والعشريناعترافاً بحضورك الذي يتجدد كلما أشعل فقراء شعبك شمعة جديدة في نار الانتفاضة المجيدة..غداً الأحد يضيئ الأحباب تسعة وعشرين شمعة حزناً على الغياب.