كتبت شذى جمعيصي

ما أن تدخل قرية عصيرة القبلية حتى تدغدغ أنفك رائحة خبز الطابون الطازج وتجذبك للمرور بالمخبز وتذوق ذلك الخبز المصنوع بأياد نساء فلسطينيات أبن أن يذقن طعم الراحة.
عصيرة القبلية إحدى قرى مدينة نابلس الواقعة على بعد 14 كيلو مترا جنوب غربي المدينة، ويقول رئيس مجلس قروي القرية حافظ صالح:" سميت القرية بعصيرة بسبب عصر الزيتون والعنب والقبلية نسبة لموقعها جنوب المدينة فهي منسوبة لمكان اتجاه الصلاة"، وتحتضن القرية 3000 نسمة وتمتلك من الأراضي حوالي 1000 دونم .
على الشرق من القرية وفي قمة جبل سليمان اختطفت سلطات الاحتلال جزء من أراضي القرية وأراضي القرى المجاورة لتقيم عليها مغتصبة يتسهار منذ عام 1982م وما زالت تتوسع في سرقة الأراضي لتصل مساحتها نحو1500 دونم, هذا ما عرض أراضي المواطنين للخطر بالإضافة إلى تحولها لنقطة التقاء ساخنة بين المواطنين والمستوطنين.
تشتهر عصيرة القبلية بزراعة أشجار الزيتون والعنب ويشير الناشط في اتحاد المزارعين فايق الشامي إلى أن القرية تنتج حوالي 250 طن زيت كل عام, بالرغم من العديد من المشاكل التي يعاني منها أهالي القرية كوجود الكسارات والمحاجر بشكل غير قانوني, ويؤكد صالح:" نحن مع وجود كسارات ولسنا ضد مصالح الناس لكن ضمن شروط السلامة العامة وعدم إيذاء أهل القرية" فيوجد فيها 7 كسارات وأغلبها لمستثمرين من خارج القرية ولا يلتزمون بشروط السلامة العامة كما يتعدون على الشارع العام هذا بالإضافة إلى الأمراض الناجمة عنها مثل الربو والتليف الرئوي.

ويناشد الشامي جميع المسؤولين سواء من وزارة الصحة أو العمل أو الصناعة وكل من يهمه الأمر بضرورة زيارة موقع الكسارة قبل ترخيصها والتأكد من الالتزام بالشروط دون الإخلال بأي بند أو التعدي على الأملاك العامة.
وأنت تتجول في عصيرة القبلية لا بد وأن يلفت نظرك بيت صغير بباب نصف مفتوح تقطنه امرأة خمسينية تطبخ الصابون النابلسي وتتحدث رسمية عن مهنتها :"ورثت هذه المهنة عن والدتي منذ اثني عشر عاما والآن أمتلك زبائن وأعمل على التواصي وأحصل على مصروفي من هذا العمل وهو بمثابة اكتفاء ذاتي", كما تمر بمخبز طابون قديم رائحته لا تقاوم فتصحبك قدماك نحوه لتجد أن العاملات نساء ومالكته شقيقة صانعة الصابون.
المضافة والعلالي وخربة فقاس الرومانية أسماء لأماكن أثرية في القرية بالإضافة إلى آثار البيوت القديمة ,فالمضافة هي بمثابة المجلس القروي اليوم حيث يجتمع أهالي القرية للبحث في الأمور التي تهمهم وحل المشاكل والنزاعات بينهم وأهالي القرى المجاورة وطرح قضايا للنقاش, والعلالي هي مكان للمختار أما خربة فقاس فهي كانت قرية قديما ودمرت ولم يتبقى منها إلا بعض الآثار التي تدل على موقعها وتم شراء أراضيها من قرية زيتا ونسبتها لعصيرة نظرا لقربها من القرية وبناها أهالي القرية وتمت زراعتها بأشجار الزيتون.
ويشير رئيس المجلس إلى وجود منطقة الخسفة الواقفة في أراضي القرية ويقال بأنها فوهة بركان قديم لوجود صخور بركانية حولها وهي حفرة يصل عمقها إلى 70 متر أو أكثر لكن عنجهية الاحتلال جعلت من مكانها منطقة لا يمكن لأحد زيارتها بسبب وقوعها في مناطق "ب" حسب تقسيماتهم, ويضيف:" عام 2000 تم زرع عبوات ناسفة حول الحفرة وأثناء مرور باص للمستوطنين بجانبها انفجرت العبوات وقتل من في الباص".
تضم القرية سبع عائلات وهي عصايرة, وصالح, وحمدان, وأحمد, ومخلوف, وعبد اللطيف, وياسين وما يميز أهل القرية أنهم عائلة واحدة يجتمعون في الأفراح والأتراح ولا فروق بينهم حتى على المستوى السياسي تجدهم بعقل رجل واحد تجمعهم الوطنية.
أما عندما تصل لأعلى منطقة في القرية تظهر لك جماليتها وتظهر لك بعض القرى المجاورة لها كتل ومادما وجماعين وبورين ومنطقة نابلس الجديدة وينغص قلبك رؤية مستوطنة يتسهار التي تتربع قمة جبل سليمان لترى ظلم الاحتلال وقهره.
أشجار حمضيات وفواكه وخضروات وشجيرات أعشاب منثورة هنا وهناك, ولا بد من وجود أزهار بشتى الأنواع لتكتمل جمالية حديقة فايق الشامي وهي نموذج للحدائق المنزلية المكتملة التي لا تشتهي شيئا إلا ووجدته فيها, ويقول الشامي :" يجب على الإنسان الاهتمام بحديقته لأنها متنفسه في الحياة والاعتماد عليها لتحقيق اكتفائه منها"
عصيرة القبلية قرية شامخة بصمود أبنائها بوجه المحتل وعريقة بتراثها وكرم أهلها وهذه الأمور ما هي إلا وردة من زهور ما فيها.