الرئيسية / مقالات
هل ستعيد كورونا تهذيب طبائعنا؟
تاريخ النشر: الخميس 16/04/2020 08:49
هل ستعيد كورونا تهذيب طبائعنا؟
هل ستعيد كورونا تهذيب طبائعنا؟

ماجد العاروري
كما ظهرت كورونا فجأة ستختفي فجأة، ستختفي وقد خلفت ورائها مآسي وخسائر ودمار، من فقد عزيزاً سيحاول نسيان ألم فراقه، ومن خسر منشأةً سيحاول ترميمها، ومن فقد عمله سيسارع للبحث عن عمل جديد، ومن خسر تجارته سيحاول تعويضها، لكن اولاً واخيراً ستنتهي الحالة وستنتهي تفاعلاتها، وستكون كورونا ذكرى ترددها الاجيال، فهي واحدة من أعظم الكوارث الكونية التي ألمت بالبشرية، ومع ذلك لكل حادث في الحياة زاوية يمكننا أن ننظر اليه منها، ونرى مستقبل جديداً أن أحسنا النظر وأمعنا فيه، وكلي أمل أن نرى من هذه الزاوية بعض طبائعنا التي يجب أن تتغير بعد عهد كورونا كما تغيرت في كورونا. وفيما يلي بعض الطبائع التي أود طرحها للنقاش:
- صرفنا منذ نشوء السلطة الفلسطينية ولغاية اليوم مئات الملايين من الدولارات على ورشات عمل واجتماعات ومؤتمرات في مختلف القطاعات الرسمية والاهلية والخاصة، وكانت معظمها ذات طابع ثقافي وتوعوي، لكنها كانت مكلفة جداً، مكلفة الضيافة والاقامة وبدل تسيير الجلسات، كان بمثابة تجارة خاسرة تهدر المال. كورونا علمتنا أن بإمكاننا ان نعقد مثل هذه الاجتماعات وأن يشارك فيها العشرات بل المئات عبر تطبيقات ان لم تكن مجانية فتكلفتها في العام لا تزيد عن عشرين دولار، والشخص المعني يمكن أن يشارك فيها من بيته، ولا يلزم ان يغادر العاملون والعاملات مقاعد عملهم من اجل نشاط من هذا القبيل، فلماذا لا يصبح هذا طبعاً جديداً من طبائعنا بعد كورونا.
- طقوس الزواج لدينا مكلفة، وتغلب عليها البهجرة، فهي تكلف عشرات آلاف الدنانير تدفع من اجل يوم او يومين، لتكون بعد ذلك سبباً لإفقار غالبية العائلات المستحدثه، التي تصدم مع الواقع فور انتهاء حفل زواجها بسبب الضائقة المالية التي خلفتها طقوس الزواج. فلماذا لا يصبح حفل الزواج عائلي مختصر على العائلة والاصدقاء ليوم واحد، وبتكلفة بسيطة كما كان عليه الامر في عهد كورونا، ونترك هذه الاسر تعيش بهدوء بعيدا عن طبائعنا التي دمرتها من الداخل.
- طقوس الوفاة ايضاً تغيرت، وكانت الجنائز مختصرة، وبيوت العزاء مختصرة، ولنكرس في حياتنا القيام بالواجب ببساطه، عبر النعي على مواقع التواصل الاجتماعي وتعداد مناقب الفقيد، ونلغي العادات المكلفة مثل طبخة اهل المتوفي، وتوزيع الحلويات والطمر، ومن يرغب فليخرج تكلفة هذه الأشياء عن روح الفقيد لأسرة فقيرة ينقذها من جوع شهر شهر او شهرين، وهذا أسلم وأثوب عند الله، ونطبق بذلك طبع تعلمناه من طبائع كورونا.
- بعضنا عمل من منزله خلال فترة كورونا وأنجز منه ما لم ينجزه في مكتبه أو منشأته، ففي ظل وسائل التواصل الرقمية لم يعد غالبيتنا بحاجة الى مكاتب ليعملوا بها، لم يعدوا بحاجة الى تلفون ارضي او فاكس، ويمكنهم ان ينظموا الى اجتماعاتهم عبر التقنيات الرقمية الحديثة المجانية. فلماذا لا تحول كثير من مؤسساتنا سياسات العمل لديها ليكون الجزء الاكبر منها من المنزل وان يقيم الموظف على انجازه لا دوامه، فلماذا لا نغير طبعنا هذا ونقلل تكلفة المقرات ونقلل تكلفة المواصلات، ونقلل فرص الاحتكاك والكولسات والحفر والنميمة ويكون العمل انتاج، ونطور المؤسسات إلى مؤسسات اكترونية تماماً كما هي الحكومات الالكترونية، ويكون هذا طبعاً اكتسبناه من طبائع كورونا.
- عاداتنا استهلاكية، نقضي جزء كبير من وقتنا في المطاعم والمقاهي والاسواق، ندفع ثمن فواتير عديدة لم نكن بحاجتها، لكننا في عهد كورونا تعلمنا ان نجلس في البيوت، وان نتفنن في صناعة طعامنا وحلوياتنا ومشروباتنا، ويمكننا أن نتبادل الزيارات الاجتماعية، ونعيش نمطاً اجتماعياً اكثر تماسكاً، وسيصبح لنا طبائع اجتماعية جديده على حساب طبائعنا الاستهلاكية.
- العباده يمكن ان تتم أيضاً في المنزل تماماً كما تتم في المسجد والكنيسة، فهي علاقة مباشرة بين الفرد وربه، فقد تمت في عهد كورونا بهذه الصوره ولم يتوقف البشر عن ايمانهم وصلواتهم، ولا يلزم أصلاً أن نتراجع عن طقوسها الجماعية في الكنائس والمساجد، لكن ليكن من طبائعنا ان لا يقتصر تبرعنا من اجل بناء مسجد او كنيسة فقط، بل ان نتبرع من اجل بناء مدارس ومستشفيات وجمعيات خيرية تساعد الفقراء والمحتاجين، فهي صدقة لا تقل قيمتها عند الله عن بناء معبد له.
- النظافة الشخصية وعدم التسليم والتقبيل طبع تجسد في عهد كورونا، قاطعنا التسليم لانه وسيلة لنقل العدوى والمرض. فما هو حال عريس يقبل الف مدعو الى حفل زفافه، او مشيع يقبل آلاف المعزين متتابعين. في ظني أن هذه الطبائع يجب ان نتخلص منها ونبقى كما كنا في عهد كورونا لا نقبل في المناسبات العامة، فأصل السلام التحية وليس التقبيل، وأن نوسع من طبائع نظافتنا الشخصية ليشمل نظافة المكان أمام منازلنا وشوارعنا. فكم هو مخجل ان تكون رائحة عطر المرء فواحة لكنها تختلط برائحة القاذورات على حواف الشوارع .
هذه فقط مقترحات آمل فعلاً ان نباشر حولها حوار، وان نعيد تهذيب طبائعنا من جديد، فأصل الانسان أخلاقه، فإن نجحنا بإعادة تهذيب طبائعنا الاخلاقية النابعة من ضميرنا الأنساني التي لا ننفذها خشية عقاب أو من أجل ثواب بل بوازع ضميرنا، عندها نستطيع ان نهذب طبائعنا الدينية المفروضة من عند الله ونفوز بالثواب، وأن نلتزم بطبائعنا القانونية التي سنتها الدولة ونتجنب العقاب، فهل لنا في كورونا عبرة تعيد تهذيب طبائعنا؟.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017